توقيت القاهرة المحلي 19:49:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طمأنينة الحج وفسوق السياسة

  مصر اليوم -

طمأنينة الحج وفسوق السياسة

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

لأكثر من أربعة عشر قرناً ظل المسلمون كل عامٍ يترقبون موسم الحج؛ لأداء ركنٍ من أركان الإسلام الخمسة، وليؤدوا فرضهم وينهوا مناسكهم و«ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوّفوا بالبيت العتيق»، ومع تزايد أعداد المسلمين لمليارٍ ونصفٍ مليار حول العالم، وتيسر سبل النقل الحديثة، وبالمقابل محدودية المكان في مكة والمشاعر، ومحدودية الزمان في ذي الحجة في أيامٍ معدوداتٍ، فقد اضطر المسلمون لصناعة سياساتٍ جديدةٍ.

من هذه السياسات التوافق على نسب معينةٍ من سكان كل دولةٍ لتأدية الحج كل عامٍ، وهو ما أجمعت عليه كل الدول الإسلامية، ولذلك شروطٌ ومعايير متبعةٌ، ومضى على هذا العمل عقودٌ من الزمن، وهو أمرٌ غير معروفٍ في الماضي القديم من تاريخ الإسلام، ولكن تغيرات الزمان والمكان والحال فرضت على المسلمين أن يطوروا مواقفهم وسياساتهم وخطاباتهم الدينية، وقد حدث ذلك فهوّن أداء الشعيرة.

لما يقارب القرن من الزمان، قامت الدولة السعودية برعاية الحج رعايةً كاملةً، وحمل ملوكها لقب «خادم الحرمين الشريفين»، فخراً واعتزازاً، ويحظى الحج بمكانة خاصة في رؤية 2030 التي يقودها ولي عهد السعودية، وقد سهّلت الكثير من الإجراءات على راغبي الحج والعمرة من المسلمين، وهيأت الحرمين الشريفين بتوسعاتٍ تاريخية وخدماتٍ عالية الجودة وفوق هذا كله وفرت الأمن والأمان التامين لأداء الفريضة والنسك في يسر وسهولة، وهي إنجازاتٌ تاريخيةٌ وتطويراتٌ معاصرةٌ شهد ويشهد لها الجميع بالذكر والكفاءة.

بعيداً عن التاريخ القديم وما جرى فيه من فتنٍ وحوادث تتعلق بالحج، فإنه بعد استقرار الدول الحديثة لم يستهدف الحج ويسعى لإبعاده عن دوره الديني كونه ركناً من أركان الإسلام إلا جهتان محددتان هما: الأولى، «الأصولية السنية» بما تشمله من «جماعة الإخوان المسلمين» أو نحوها من جماعات الإسلام السياسي، أو تنظيمات العنف الديني مثل «القاعدة» و«داعش». والثانية: «الأصولية الشيعية» أو النسخة الشيعية من حركات الإسلام السياسي، سواء من الدولة الراعية نفسها أو من الجماعات والأحزاب والميليشيات التابعة لها.

في حج هذا العام 1445 بالتاريخ الهجري، أو 2024 بالميلادي، تستمرّ الأصوليتان ذواتاهما في استهداف الحج، وهما - فقط - دون مليارٍ ونصف المليار من المسلمين، مَن تسعيان لتعكير صفو الحج، فالأصولية السنية و«التنظيم الدولي» لجماعة الإخوان وشذّاذ الآفاق من رموز الإسلام السياسي وجماعاته وتنظيماته، يصوغون حملة للتشكيك في أمان الحج للمناكفة السياسية، لا أقلّ ولا أكثر، والأصولية الشيعية تتحدث عن «البراءة من المشركين» في الحج، والأصوليتان تعلمان علم اليقين أن السعودية لم تسمح أبداً، ولن تسمح، بأي استغلالٍ سياسيٍ للحج من أي جهةٍ كانت، وبغض النظر عمّن يقف خلف ذلك الاستغلال.

في عهد الملك عبد العزيز، أدَّى حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الحج عشر مراتٍ تقريباً، ولكنّ الملك عبد العزيز رفض رفضاً قاطعاً أن يفتتح البنا فرعاً للجماعة في السعودية، وحذَّرت السعودية البنا من أي استغلالٍ للسياسة في الحج، وحمت البنا نفسه من استهدافٍ سياسيٍ لاغتياله في الحج.

مع علم الجماعة برفض السعودية لاستغلال الحج سياسياً إلا أنَّها كانت تستغل الموسم دائماً لشد عصب التنظيم وحشد الأتباع وترويج الآيديولوجيا، والأصولية الثانية مشت على الدرب نفسه، فبعد قيام «الثورة الإسلامية» تم نشر فكرة «تصدير الثورة»؛ بمعنى نقلها للدول العربية، ومن رحم هذه الفكرة خرجت بدعة «البراءة من المشركين» في الحج، وقد جرت أحداثٌ مؤسفةٌ على مدى العقود الأربعة الماضية يندى لها جبين الإسلام والمسلمين، ولكن السعودية كانت دائماً بالمرصاد لهاتين الجهتين.

في حج 1987، استهدفت عناصر مدربة من «الحرس الثوري» أمن الحجيج وقاموا بشراء أدواتٍ حادةٍ وقاتلةٍ من «سكاكين» و«سواطير» وعصي وغيرها وقاموا في مظاهرة حاشدةٍ بكل دمويةٍ وعنفٍ بقتل كل من في طريقهم من الحجاج الآمنين ورجال الأمن، حتى تصدت لهم «القوات السعودية» ببسالةٍ وأوقفتهم عند حدّهم، وفرضت الأمن والأمان بالقوة، وأتم المسلمون حجهم وقضوا تفثهم.

وجرى بعد ذلك تطوير الاستهداف، فأصبح عن طريق التفجيرات القاتلة في حج 1989، ولكن السعودية تنبهت لهم ثانيةً، وأصبحت تكشف كل الخطط والمؤامرات قبل وقوعها، وتحمي الحج والحجيج من أي استهدافٍ شريرٍ تحت أي شعارٍ سياسيٍ أو دينيٍ أو مذهبيٍ.

ما يثير الاستغراب والأسى هو أن هاتين «الأصوليتين» المتطرفتين تستهدفان موسم الحج والحجاج الآمنين تحت شعاراتٍ ترفع اسم «الإسلام»، وتدعي أنها تمثله وتدافع عنه، وهي تستهدف هدم ركنٍ من أركانه، وهو ما يؤكد حقيقة أن نقد هذه الخطابات الأصولية واجبٌ لا محيص عنه.

أخيراً، فأمن الحج وأمان الحجاج مهمةٌ كبرى نجحت فيها السعودية على الدوام، وحج هذا العام سيكون استمراراً للنجاح والأمن والأمان. وكل عامٍ وأنتم بخير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طمأنينة الحج وفسوق السياسة طمأنينة الحج وفسوق السياسة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon