توقيت القاهرة المحلي 15:15:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

احتجاجات الجامعات... أميركا واليسار والإسلاميون

  مصر اليوم -

احتجاجات الجامعات أميركا واليسار والإسلاميون

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الحركات الطلابية داخل الجامعات الأميركية كانت على الدوام تعبر عن التوجهات السياسية الجماعية أو التيارات والحركات المنظمة الجديدة، كلٌ في حينه، ويمكن بسهولة للقارئ المهتم أن يعرف أن «اليسار» بمختلف توجهاته، وخاصة «اليسار الليبرالي»، كما أنه يسيطر على الحزب الديمقراطي، منتشر بكثافة في الجامعات والأكاديميات، وهو قويٌّ في كثيرٍ من المجالات الأخرى، وخاصة الفنون والدراما، وما «هوليوود» إلا مجرد مثال، وهو شديد التأثير في كثير من الحركات الجديدة، مثل «مي تو» النسائية أو «حياة السود مهمة» وغيرهما كثير.

هذه حقيقة واقعية، وحقيقةٌ أخرى توازيها، وهي أن اليسار العالمي بطبيعته معادٍ ويركز على أنظمة معينة على مدى عقودٍ من الزمن، هذا لا جدال فيه، ومن هذا اليسار العالمي «اليسار الغربي» عموماً، و«اليسار الأميركي» تحديداً، وموقف اليسار هذا لم يتغير كثيراً، وإن تطور باتجاهاتٍ فرعيةٍ، واليسار نفسه على مدى عقودٍ من الزمن - أيضاً - كان دائماً مؤيداً للقضية الفلسطينية ضد إسرائيل، وهذا ليس جديداً، وما ينبغي أن تفهمه الشعوب في العالم العربي اليوم هو أن القضية الفلسطينية ليست شيكاً على بياض، تبرئ ساحة كل عدوٍ وتطهّر صفحة كل خصمٍ، وإلا لكانت ارتكابات النظام الإيراني ضد الشعوب العربية قتلاً واحتلالاً مبررةً ما دامت ترفع شعار القضية الفلسطينية.

لا يجادل عاقلٌ في قوة «اليسار الأميركي»، وخاصة «اليسار الليبرالي»، الذي بات منذ سنواتٍ طويلةٍ يسيطر على كثير من المجالات والمؤسسات العامة والخاصة، ويشكل التيار الأقوى في «الحزب الديمقراطي»، ولكن ما شأن «الإسلاميين» أو حركات الإسلام السياسي ورموزها في أميركا؟ وهل هذا مجرد هوسٍ بهذه الجماعات وتأثيرها، وتضخيمٌ لدورها، أم أن المعلومات تثبت بالعلم حقيقة مخفيةً؟ ثم إن كان لهم حضورٌ مؤثرٌ في أميركا، فما علاقتهم باليسار الليبرالي؟ هذه أسئلة محقةٌ، وفي الإجابات عنها ما يدفع الإنسان لإعادة التفكير في الأحداث المعاصرة وفهم سياسات أوباما تجاه المنطقة وسياسات بايدن وإدارته والتيارات التي تقف خلف هذا كله.

منذ الأربعينات والخمسينات كان سعيد رمضان يتنقل في أوروبا لإنشاء فروع لجماعة «الإخوان المسلمين» فيها، وقد وصل إلى أميركا وتواصل مع بعض المسلمين هناك، وفي الستينات تزايدت هجرة عناصر جماعة «الإخوان المسلمين» إلى أميركا، وازدادوا حضوراً وتنظيماً في السبعينات، وكانت لهم رموز، مثل محمد فتحي عثمان وحسان حتحوت وسيد دسوقي وغيرهم كثير، وأقاموا تجمعات ومنظمات وحركاتٍ متعددة، وفي بيئة نشطة ومتطورة وحرياتٍ دستورية راسخة استطاعوا الحصول على مكاسب كبيرةٍ، واستطاعوا الحصول على دعمٍ من بعض الدول العربية على اختلافات في الزمان والمكان والجهة المدعومة تحديداً، وكانت للمساجد والمراكز الثقافية والاجتماعية المرتبطة بها أدوار متعددة، ولئن كان التفريق بين «المسلم» و«الإسلاموي» صعباً في عالمنا العربي، فهو أكثر تعقيداً في أميركا، وفي كتاب المسبار «المسلمون في أميركا» الصادر عام 2013 تفاصيل يمكن الرجوع إليها.

وبعيداً عن كثيرٍ من التواريخ والتفاصيل، يكفي استحضار بعض الأسماء الحديثة والحاضرة في الذاكرة القريبة، فعلاقات أوباما مع إدوارد سعيد الناقد اليساري المعروف مشهورة، وكذلك مع رشيد الخالدي المشرف على كرسي سعيد في جامعة كولومبيا بنيويورك، ثم هوما عابدين، وعملها في مكتب هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية، في تفاصيل كثيرةٍ أيضاً، والجيل الثاني والثالث من «الإخوان المسلمين» في أميركا استطاع اختراق مكاتب أعضاء في الكونغرس الأميركي، واستطاع التأثير على شخصيات أميركية فاعلة، والأموال التي تدفقت من إحدى الدول العربية للتأثير على رجالات الكونغرس ووزراء مهمين في إدارات أميركية متعاقبة راح نصيب وافر منها لزرع «الإخوان» وتمكينهم، وهذا كله على الرغم من الاختصار والتكثيف، يؤكد أن ظهور أعلام «حماس» و«حزب الله اللبناني» في احتجاجات الطلاب في الجامعات الأميركية ليس عفوَ الخاطر، ولا يدخل في نصرة المظلوم - فقط - ولا التعاطف الإنساني المجرد من السياسة.

لحظة «الربيع العربي» الأسود قبل عقدٍ ونيفٍ كانت لحظةً كاشفةً عن حجم التحالف بين «حركات الإسلام السياسي» و«اليسار الليبرالي» الأميركي، وأنَّ الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما كان يسعى بوعيٍ لإسقاط الأنظمة العربية وتسليمها لجماعة «الإخوان المسلمين» وجماعات الإسلام السياسي الأخرى، هذا في حدثٍ ضخمٍ لم يزل حاضراً في الذاكرة بعيداً عن رصد التاريخ الطويل لعلاقة «حركات الإسلام السياسي» بالحركات اليسارية بشكل عامٍ، إن كان على مستوى «المفاهيم» و«الأفكار» وبناء «آيديولوجيات» متماسكة، وإن كان على مستوى العمل على صياغة شعارات التحريض وخطابات التجييش، وإن كان على مستوى «بناء التنظيمات» و«آليات التجنيد» في تفاصيل كثيرةٍ ومتشعبة.

أي صوتٍ مؤيدٍ للقضية الفلسطينية في الشرق أو الغرب يعدّ مكسباً للقضية حين يخلو من توظيفها لأهدافٍ أخرى وحين يستحضر هموم ورغبات الشعب الفلسطيني نفسه، ولكن السبيل إلى ذلك معروفٌ فلسطينياً وعربياً وفي العالم الإسلامي، ففلسطينياً يتمثل في «السلطة الفلسطينية» الممثلة لـ«منظمة التحرير»، وعربياً يتمثل في «المبادرة العربية» الحاصلة على الإجماع العربي، التي تعدّ امتداداً لمعاهدات واتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية القائمة والدول الإسلامية خلف الدول العربية، ما عدا من تمتلك مشاريع تسعى لاستغلال القضية الفلسطينية كشعارٍ لأهداف لا علاقة لها بفلسطين وشعبها.

إبان الربيع العربي المشؤوم، كانت الشعارات تتمثل في «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» و«حرية التعبير» ونحوها، ثم اكتشف الجميع أنها كانت شعارات خادعة لمفاهيم أصولية دمويةٍ تختبئ خلفها «الثيوقراطية» والديكتاتورية الدينية والعنف الإرهابي، والشعارات التي ترفع اليوم باسم «القضية الفلسطينية» و«حقوق الفلسطينيين» هي شعاراتٌ محقةٌ، ولكنها تخفي غاياتٍ لتياراتٍ وتوجهاتٍ لا تريد الخير، لا لفلسطين، ولا لداعميها الكبار في الدول العربية.

السعودية وقفت بقوةٍ مع الشعب الفلسطيني في غزة منذ اندلاع الأحداث في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهي ما زالت مصرةً على موقفها المبدئي، وهي تحقق مكاسب مهمة في تفاوضها الطويل مع الإدارة الأميركية، وبقي مسار القضية الفلسطينية جزءاً من هذا العملية التفاوضية الشاقة.

أخيراً، الجهل علاجه العلم ونقص المعرفة، وانحراف التحليل دواؤه الوعي في لحظةٍ، الناس فيها أحوج ما يكونون للعلم والمعرفة والوعي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

احتجاجات الجامعات أميركا واليسار والإسلاميون احتجاجات الجامعات أميركا واليسار والإسلاميون



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon