توقيت القاهرة المحلي 17:17:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«المقاومة» التي تلغي «الدولة»

  مصر اليوم -

«المقاومة» التي تلغي «الدولة»

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

 

جرائم إسرائيل تتوالى في غزة، وآلتها العسكرية المتوحشة تستمر، لقد اكتسحت مساحاتٍ شاسعة منها، وهي تجبر السكان على النزوح الجماعي بين الشمال والجنوب، وتهجرهم قسرياً بقوتها العسكرية الضاربة، وإن داخل حدود غزة نفسها، وكل عاقلٍ داخل غزة أو خارجها لم يتمنَّ مثل هذا المصير، والأعقل كان يعلم أنه مصيرٌ محتومٌ لما جرى في 7 أكتوبر (تشرين الأول).

«مرةً بعد أخرى، الفلسطينيون ضحية (المقاومة) التي تقدمهم على طبقٍ من ذهبٍ لآلة السلاح العسكرية الإسرائيلية، فالجميع يعلم اليوم أن المواطن الفلسطيني في غزة (سيصبح) نهباً للصواريخ والطائرات والقنابل، والبنية التحتية ستتضرر بشكل فظيع... وستتحول وبالاً ممتداً» هذه الفقرة كتبها كاتب هذه السطور بعد يومٍ واحدٍ فقط من الهجوم غير محسوب العواقب على القرى والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، ونشرت في هذه الصحيفة وهذه المساحة.

لم يكن تنبؤاً بمستقبلٍ ولا رجماً بالغيب، ولكنها كانت قراءة واقعية جداً لحدثٍ صاخبٍ وساخنٍ، ويمكن للقارئ المتابع أن يشاهد كل يومٍ كيف (أصبحت) غزة نهباً للعدوان بشتى أسلحته وقوته وعنفوانه، وكأي حربٍ مفاجئة وغير متكافئة، فالأهداف تتغير لدى الجهتين، والضحية واحدةٌ هي الشعب الفلسطيني في غزة.

لا أحد في العالم يستطيع المزايدة على الموقف السعودي تجاه القضية الفلسطينية بشهادة قياداتها التاريخية والحالية، وببراهين الأرقام والمواقف والسياسات المعلنة، وبحجج الأحداث التي جرت عبر عقودٍ ولم يزل المشاركون فيها أحياء يرزقون ويتذكرون، وكان الدعم السعودي موجهاً لفلسطين الشعب والقضية، وعندما اختار الفلسطينيون «منظمة التحرير» ممثلاً شرعياً ووحيداً لهم دعمتها السعودية بكل قوةٍ، وعندما تشكلت السلطة الفلسطينية لم يدعمها أحدٌ كما فعلت السعودية، ومن هنا فكل مزايدٍ عليها يسكته التاريخ.

هذا بالنسبة للقضية والشعب وممثله الشرعي والوحيد، أما بالنسبة لغير «منظمة التحرير» فلم توافق السعودية على شق الصف، ولا على الفصائل المسلحة المنفلتة من أي التزامات سياسيةٍ أو وطنية فلسطينية، وأشهر الأمثلة على ذلك منظمة صبري البنا (أبو نضال) أو حركة «فتح» «المجلس الثوري»، وهي منظمة تجمع لفيفاً من المرتزقة الذين يعملون لمصالحهم الشخصية ولخدمة أجندة دولٍ لا علاقة لها بفلسطين، فخدم «أبو نضال» العراق وليبيا سابقاً، ونفذ عملياتٍ شنيعةٍ، وحاول اغتيال بعض القيادات الفلسطينية.

وليس بعيداً عن «منظمة أبي نضال» أي منظمةٍ تعمل لمصالحها الخاصة الشخصية أو الآيديولوجية أو لخدمة أجندة دولٍ إقليمية لا علاقة لها بفلسطين وقضيتها وشعبها، وبخاصة حين يكون لدى داعميها الإقليميين مشاريع واضحةٌ لمعاداة الدول والشعوب العربية والتلاعب بالقضية الفلسطينية لمصالح تلك الدول ومشاريعها.

فرز الأمور يساعد على الفهم الدقيق؛ ففلسطين مِلكٌ للشعب الفلسطيني، والشعب الفلسطيني اختار «منظمة التحرير» ممثلاً شرعياً ووحيداً له، والشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية لم يختر أي فصيلٍ خارج منظمة التحرير وخارج «السلطة الفلسطينية»، وإن استولى على السلطة بالقوة.

يعلم الغزّاويون جيداً أن أي فيصل خارج «منظمة التحرير» لا يمثلهم ولا يعمل لمصلحتهم، ويعلمون انتماءات بعض هذه الفصائل وقياداتها الآيديولوجية والسياسية، وأن البعض يعتبر «غزة» أصغر من الآيديولوجيا، ولا تمثل طموح هذا الفصيل أو ذاك، في تصريحات معلنةٍ وموثقةٍ صوتاً وصورةً. والتفريق هنا بين الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وبين أي حركةٍ أو فصيلٍ خارج «منظمة التحرير» مهمٌ وضروريٌ حتى لا تظلم القضية الفلسطينية ولا الشعب الفلسطيني جرّاء أفعال البعض، ومن هنا فقد صرّح الرئيس الفلسطيني محمود عباس بُعيد اشتعال الأحداث بأن «أفعال البعض لا تمثل الشعب الفلسطيني»، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية.

كل ما صنعته إسرائيل مدانٌ بكل الأعراف والمقاييس، ولكن بعض الفصائل صنعت ما صنعت دون استشارة أحد من الفلسطينيين أو داعميهم العرب أو حول العالم، ثم إن الفكرة التي يتكئ عليها داعمو بعض الفصائل هي أنها حركات «مقاومة» والمقاومة مشروعةٌ لكل أحدٍ في كل زمانٍ ومكانٍ، وهذا تلخيص أرجو ألا يكون مخلاً لمقولة هؤلاء الداعمين، ولا بأس من مناقشة مثل هذا الطرح.

لأجل هذا، فالحديث هنا ليس عن حقّ الشعوب في «المقاومة» بشكل عامٍ ومطلقٍ، ولكنه عن حق احتكار «المقاومة» في فلسطين لفصيلٍ منها دون شعبها، وعن فكرة مفهوم «المقاومة» الذي بنى عليه محور الممانعة في المنطقة كل احتلاله لأربع عواصم عربية، فهو مفهومٌ خاصٌ، يراد به «المقاومة التي تلغي الدولة»، وهو ما جرى في لبنان واليمن والعراق، بحيث إن «حزب الله اللبناني» قد ألغى الدولة اللبنانية، و«ميليشيا الحوثي» قد ألغت الدولة في اليمن، و«الحشد الشعبي» قد ألغى الدولة في العراق، والإلغاء هنا بمعنى إلغاء القيمة والتأثير واختطاف القرار السياسي والمصير.

ويراد لفلسطين ما أريد لغيرها، وهو أن تُلغى الدولة والشعب في فلسطين، ويتم احتكار القرار والمصير، ففي أي منطق عقلي وأي تحليل سياسي يمكن تسويق مثل هذا الكلام؟ ويلزم القائلين بهذا لازمان: الأول، أنه كلام يشرع لكل «الميليشيات» و«تنظيمات الإرهاب» في المنطقة أن تضرب «الدولة»، وتختطف «الشعب»، فكل ما يقال عن شرعية «المقاومة التي تلغي الدولة» في الدفاع عن بعض الفصائل يمكن قوله عن «تنظيم القاعدة» و«تنظيم داعش»، وغيرهما من التنظيمات والميليشيات.

والثاني، إذا كانت هذه قاعدة ثابتة فيجب طردها في التطبيق على كل دول المنطقة، فيلزم القائلين بها التسويق الثقافي والإعلامي والدعم الكامل لحركات مقاومةٍ أخرى في المنطقة، مثل «حزب العمال الكردستاني» في تركيا، أو «حركة مجاهدي خلق» في إيران أو مثيلات هاتين الحركتين، وهي حركاتٌ تصنف إرهابيةً من قبل الدول التي تعمل فيها، ولكن المنخرطين في الدفاع عن بعض الفصائل و«المقاومة» لا ينبسون ببنت شفةٍ تجاه الدول الإقليمية غير العربية، حتى وإن كان لها مشاريع كبرى معادية للدول العربية.

مثل مرتزقة «أبي نضال»، فالمرتزقة حين ينقلبون في مواقفهم وتحليلاتهم يسعون لإلباس ذلك معاني الشرف والبطولة أو معاني التأمل والحيرة الفكرية، ويسعون لربط أنفسهم بأسماء محترمةٍ، وينسون أن الشمس لا تُغطى بغربال، والشق يكون أحياناً أكبر من الرقعة.

أخيراً، حمى الله غزة وشعبها من ظلم البعيد والقريب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«المقاومة» التي تلغي «الدولة» «المقاومة» التي تلغي «الدولة»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon