توقيت القاهرة المحلي 20:30:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة... محكمة العدل الدولية والنظام الدولي

  مصر اليوم -

غزة محكمة العدل الدولية والنظام الدولي

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

«محكمة العدل الدولية» أصدرت بياناً تجاه أحداث غزة استجابة لدولة جنوب أفريقيا، وهي محكمة تصدر أحكاماً وليست جهة تنفيذية، ومن ينفذ أحكامها هو «مجلس الأمن»، وهو مجلسٌ طاله الكثير من النقد خلال عقودٍ من الزمن من قبل العديد من الدول في إطار نقد «النظام الدولي» برمته.

«بيان» أو «حكم ابتدائي» و«تدابير وقائية»، ولكنه بكل تأكيد ليس حكماً نهائياً، وليس إدانة صريحة لإسرائيل، وبحسب «بي بي سي عربي»: «يتضمن الحكم: اتخاذ جميع التدابير لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية، ضمان عدم قيام الجيش الإسرائيلي بأي أعمال إبادة، منع ومعاقبة أي تصريحات أو تعليقات عامة يمكن أن تحرض على ارتكاب إبادة جماعية في غزة، اتخاذ جميع الإجراءات لضمان وصول المساعدات الإنسانية، عدم التخلص من أي دليل يمكن أن يستخدم في القضية المرفوعة ضدها»، وهذا كما هو ظاهر حديث عن «منع»، و«ضمان عدم»، و«منع ومعاقبة، و«اتخاذ»، و«عدم»، فهو أشبه بالنصائح لا الحكم القانوني، وهو يتحدث عن المستقبل، وما يمكن أن يحدث، لا عن الماضي وما حدث بالفعل.

ومحكمة العدل الدولية تصدر مثل هذا «الإعلان» أو «البيان» أو «القرار» في قضايا مختلفة، من آخرها القضية المرفوعة ضد سوريا من قبل هولندا وكندا بشأن اتفاقية مناهضة التعذيب، وليس غريباً أن تحتفي بما أصدرته المحكمة بعض الفصائل لتغطي على الخسائر غير المعقولة التي تكبدها قطاع غزة في الأشهر الأخيرة، أو أن تحتفي به «السلطة الفلسطينية» لدعم موقفها الثابت بأن حل القضية يكمن في القوانين الدولية والمؤسسات الدولية ومسار السلام لا غير، وهذا هو الخيار الاستراتيجي الفلسطيني المدعوم بقوةٍ عربياً ودولياً.

«محكمة العدل الدولية» هي جزء من منظومة «النظام الدولي»، ونقد أداء «النظام الدولي» برمته مرّ بمراحل صعودٍ وهبوطٍ، ولكنه في العقود الثلاثة الماضية باتت وتيرته في تصاعدٍ بسبب الانحيازات المكشوفة لمصالح الدول الغربية في قيادته، وهي أميركا وبريطانيا وفرنسا، ومعها حلفاؤها الأقوياء في أوروبا مثل ألمانيا التي لم تدخل في قيادة «النظام الدولي»؛ لأنه بني في الأساس على هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ومثل اليابان التي تقع خارج المنظومة الأوروبية مكانياً.

ما هو الأثر العملي المباشر لما أصدرته «محكمة العدل الدولية» على أحداث غزة الساخنة اليوم؟ الجواب: لا شيء، لا أثر على الإطلاق، فهو أقرب إلى تنبيه إسرائيل لعدم التمادي فيما تصنعه، وعدم إطلاق تصريحات قوية تخالف القوانين الدولية وتضع إسرائيل في مواجهة أحكامٍ دوليةٍ ستضر بها فيما لو حدث ذلك.

ودولة جنوب أفريقيا هي التي رفعت الدعوى القضائية في محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، وهي ليست دولة عربيةً ولا من الدول الإسلامية، ولموقفها هذا مبررات تاريخية معروفة، فجنوب أفريقيا دولة عانت طويلاً من «نظام الفصل العنصري» الذي حكم البلاد طويلاً ولعقودٍ من الزمن، وقاومه المواطنون الجنوب أفريقيون السود مقاومة طويلةً بقيادة «نيلسون مانديلا» الذي أصبح بعد خروجه من السجن رئيساً للبلاد ورمزاً عالمياً للسلام، ووقف «مانديلا» ودولة جنوب أفريقيا دائماً مع حقوق الشعب الفلسطيني وضد سياسات إسرائيل.

عرف «نظام الفصل العنصري» في جنوب أفريقيا بـ«نظام الأبارتايد»، ويعني حكم الأقلية البيضاء للأغلبية السوداء بشكل عنصري مقنّن، ولطالما تمّ تشبيه إسرائيل في الكثير من الأدبيات العربية والعالمية بذلك النظام، وامتداداً لذلك الموقف المبدئي والتاريخي لدولة جنوب أفريقيا جاء رفعها هذه الدعوى القضائية.

وفقاً لهذه الأدبيات، فقد كان هدف نظام «الأبارتايد» تصفية قضية السود في جنوب أفريقيا، وهدف اليمين الإسرائيلي هو تصفية القضية الفلسطينية، ولولا هذا الهدف لما دعم نتنياهو بنفسه الانقلاب العسكري العنيف الذي قامت به إحدى الفصائل على السلطة الفلسطينية في غزة 2007، ومكّنها من النجاح والاستمرار طوال هذه السنوات في حكم قطاع غزة، وسهّل لها الإجراءات النظامية والتحويلات المالية، ووقع معها اتفاقيات خارج نطاق السلطة الفلسطينية، كل ذلك رغبة في تصفية القضية ودعماً لشق الصف الفلسطيني.

لا يوجد أي شيء جيد فما جرى في غزة، ولكن يمكن لـ«اليمين الإسرائيلي» أن يعيد قراءة حساباته مجدداً، داخلياً وإقليمياً ودولياً، فالصراع داخل إسرائيل لا يميل لصالحه، والحدث الأكبر الذي يجب أن يضعه في حسابه هو أن توازنات القوى الإقليمية لم تعد كما كانت سابقاً، فقد جرت تغيرات كبرى ومهمة ومؤثرة، وإدارة القضايا الشائكة إقليمياً لم تعد كما كانت من قبل، فقد جرت في ساقية المنطقة مياهٌ جديدة وفكرٌ جديد واستراتيجيات وأولويات مختلفة، وبإمكان إسرائيل الدخول في المستقبل أو الانحياز للماضي، وخيار يمينها الحاكم اليوم سيكون مؤثراً على مكانتها مستقبلاً.

أما دولياً، فموقف «اليمين الإسرائيلي» المناكف دائماً لليسار الليبرالي الأميركي موقفٌ سيدفعه لإعادة الحسابات، فتاريخ عدم التفاهم بين «نتنياهو» و«أوباما» قريب وحاضر في الذهن، ولئن دفعت هذه الحرب إدارة بايدن للدفاع بقوة عن إسرائيل فإلى متى سيستمر هذا؟ والأحزاب السياسية والمؤسسات تتطوّر مثل البشر، والتغيرات الكبرى في حسابات المصالح تجبر الجميع على مراجعة مواقفه وأولوياته.

منطقة الشرق الأوسط تشتعل مجدداً، حربٌ في غزة على حدود مصر، ونذرُ حربٍ في لبنان على الرغم من الصمت المطبق لـ«حزب الله» اللبناني، وفي سوريا ضربات إسرائيلية متقنةٌ لكل قيادات «الحرس الثوري» الإيراني هناك، وفي الأردن رفضٌ لكل تهديدات الميليشيات الإيرانية على الحدود مع سوريا، وإيران تضرب كردستان العراق بالصواريخ وتسبب تذبذباً في الموقف الرسمي العراقي، وباكستان ترد عسكرياً وبقوة داخل إيران، و«الحوثي» يهدد الملاحة في البحر الأحمر، وأميركا وبريطانيا تردان عسكرياً، وتسعيان - وبالذات أميركا - لصنع نفس ما كان يصنعه «التحالف العربي» قبل سنواتٍ، وهي التي أوقفت تقدمه حينذاك وأجبرت الجميع على الذهاب إلى «استوكهولم».

أخيراً، فما تصنعه محكمة العدل الدولية وإن كان سيُدين إسرائيل مستقبلاً فسيأخذ زمناً طويلاً، وتنفيذه رهنٌ بـ«مجلس الأمن» الدولي الذي هو بدوره رهنٌ لـ«فيتو» أميركي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة محكمة العدل الدولية والنظام الدولي غزة محكمة العدل الدولية والنظام الدولي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:30 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل
  مصر اليوم - جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
  مصر اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 20:12 2024 الخميس ,15 آب / أغسطس

عمر كمال يوجه رسالة مؤثرة لأحمد رفعت

GMT 10:00 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

إصبع ذكي يعيد حاسة اللمس للاصابع المبتورة

GMT 23:53 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مصمم مغربي يطرح تشكيلة راقية من القفطان الربيعي لموسم 2016

GMT 05:09 2015 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

توثيق ازدهار ونهاية مؤسس "داعش" أبو مصعب الزرقاوي

GMT 21:24 2017 السبت ,09 أيلول / سبتمبر

5 مواقف فتحت النار على سهير رمزي بعد خلع الحجاب

GMT 05:22 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

خبيرة موضة تقدم نصائح لارتداء فساتين الصيف خلال الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon