توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأزمة الأخطر... روسيا تدخل أوكرانيا

  مصر اليوم -

الأزمة الأخطر روسيا تدخل أوكرانيا

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

موازين القوى الدولية دائمة الحراك، واعتبار أي توافقات دولية تسود فترة من الزمن تطول أو تقصر ثابتة وغير قابلة للتغير يعد خطلاً في الرأي وقصوراً في الرؤية، وليس دخول روسيا إلى أوكرانيا بالقوة العسكرية إلا نموذج لما يجري منذ سنواتٍ من اختلالاتٍ في تلك الموازين لمعطيات وأسبابٍ متعددة.
كيف وصل العالم إلى هذه النقطة؟ مسيرة طويلة لقرنٍ من الزمان فيها «الحرب العالمية الأولى» أو «صراع الإمبراطوريات» التي كانت تعبيراً عن اختلال التوازنات الضعيفة في أوروبا، ثم جاءت «الحرب العالمية الثانية» التي مثلت «صراع القوميات»، وبعدها سيطرت على العالم لعقودٍ «الحرب العالمية الباردة» أو «صراع الآيديولوجيات».
بعد انتهاء الحرب الباردة أصبح «النظام الدولي» ذا قطبٍ أحادي تقوده أميركا وحلفاؤها الأوروبيون، ولكن التاريخ لا يتوقف، وأخذت «الدولة القومية» في روسيا والصين ببناء قوة جديدة بعيدة عن صراع الآيديولوجيات السابق، وقد نجحت الدولتان في تشكيل تغييرات كبرى في موازين القوى الدولية وقوتهما تتصاعد، وتملأ الدولتان الفراغات الاستراتيجية في العالم؛ تلك التي تراجعت عن ملئها أميركا وأوروبا.
للتذكير فقد كتب كاتب هذه السطور من قبل بأننا «نواجه حرباً عالمية باردة جديدة، بشكل أو بآخر، فثمة التقاء جديد للقوى الدولية بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في أوروبا والعالم (الهابطة) من نشوة النظام العالمي الجديد ذي القطب الواحد، وبين روسيا الاتحادية الصاعدة للعودة بقوة للتأثير الدولي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي»، و«تشهد هذه المراحل الانتقالية بين القوى الدولية عادة اضطرابات كبرى وصراعات دموية، وتجاذبات استخباراتية، وحروباً إقليمية» 2013، وتطور الأمر إلى أن «صارت قاعدة ثابتة لدى روسيا أن تتمدد ما شاءت لها رغبات القوة، ودوافع بسط النفوذ من دون أن تحرك أميركا ساكناً» 2016، حتى تجلى أن «تراجع الدور الأميركي دولياً لم يعد تحليلاً رؤيوياً ولا استشرافاً للمستقبل، بل بات أمراً واقعاً في أحداث مدوية، والتدخلات الروسية والتمدد الصيني يحدثان بالتوازي مع التراجع الأميركي» أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بمعنى أن هذه المعطيات كانت واضحة منذ سنواتٍ وتتراكم إلى أن وصلت إلى هذا الحدث العالمي المدوي.
أخذت روسيا، جزيرة القرم، 2014، ودخلت شرق أوكرانيا، ثم دخلت روسيا إلى سوريا 2015، والتزم الرئيس الأميركي (أوباما) الصمت، وفي رؤيته ورؤية نائبه - آنذاك - الانسحابية من العالم خططا للانسحاب من العراق وأفغانستان، وتم إقرار «الاتفاق النووي» مع إيران 2015، وقد نفذ الرئيس بايدن الانسحاب المستعجل من أفغانستان سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو يبذل قصارى جهده لإعادة إحياء الاتفاق مع إيران في فيينا حالياً.
فكرياً لا أحد يحب الحرب، ولكن واقعياً يجب أن تكون مستعداً لها، وقد تشكلت لدى الغرب فكرة «رفض إرادة الحرب»، ورفض «الاستعداد لها»، ورفض وضع فكرة «القوة» على الطاولة أحياناً، وهذا من ترف الحضارة واختلال الأولويات، وتأثير بعض الأقليات الحقوقية، كالنساء والشواذ، ومن سيطرة اليسار الليبرالي بشكل عامٍ بينما الدول القوية الأخرى في العالم ليست كذلك.
يمكن استحضار أقرب الأحداث، ففي غضون أشهرٍ قليلة، تسلمت «طالبان» من بايدن، دولة أفغانستان، وأقلت طائرة الرئيس الأفغاني غني إلى المنفى، وقد عرض بعض المسؤولين الأميركيين على الرئيس الأوكراني زيلينسكي، المصير نفسه، حسب بعض المصادر، ويبدو أن التنازل لإيران بات قاب قوسين أو أدنى.
سؤال مهمٌ يجب أن يطرح بعناية وحذرٍ، وهو أن «اليسار الليبرالي» الأميركي، ممثلاً في الحزب الديمقراطي وتيار الأوبامية فيه، قد حطم وبوعي هيبة أميركا، فهل ستفضي سياساته القادمة لتحطيم المؤسسات الدولية والنظام الدولي أم لا؟
في مرافعة من الطراز الرفيع ولساعة كاملة تحدث الرئيس الروسي بوتين عن دخول قواته لأوكرانيا، وجمعت مرافعته الحديث عن نقد التاريخ وإعادة بنائه من «الإمبراطورية» إلى «البلشفية» و«الشيوعية»، وصولاً «لروسيا القومية» اليوم، وتحدث عن الدين و«الأرثوذوكس»، واستحضر «صراع السوفيات» مع «الغرب»، وعن «حلف الناتو» والأبعاد الجيوسياسية والاستراتيجية المعاصرة لهذا الصراع، كما تحدث «عسكرياً»، وأسهب في الحديث عن أوكرانيا تاريخياً وسياسياً ودينياً واجتماعياً بتفاصيل معمقة ورسائل كانت قوية وواضحة ودقيقة.
انساقت القيادة الأوكرانية خلف وعود أميركية وأوروبية، وذهبت معها لمدى بعيدٍ، وظنت أنها محمية، ولذلك يعبر رئيسها حالياً بطرقٍ متعددة عن شعورٍ بالخذلان، وقد كان يمكنه تجنيب بلاده والعالم هذه الأزمة الخطيرة لو تحلى بشيء من الواقعية.
المواقف السياسية الأميركية تجاه أفغانستان وأوكرانيا وسوريا وإيران يمكن أن تبعث برسالة للدول القوية في العالم، خصوصاً في الصين، أن الفرصة مواتية لاتباع نهج بوتين و«طالبان» و«النظام الإيراني» في إخضاع أميركا والدول الأوروبية، والخروج بأعلى المكاسب دون خسائر تذكر.
أميركا هي أقوى إمبراطورية في العالم حالياً، وبشكل غير مسبوقٍ في التاريخ، وليس من غرض هذا السياق التقليل بأي حالٍ من الأحوال من شأن قوتها «الخشنة» و«الناعمة» على حدٍ سواء، ولكن رفض استخدام هذه القوة أو التلويح بها أو وضعها على طاولة المفاوضات جعلها قوة بلا قيمة وأنياباً لا تخيف في هذه المرحلة من التاريخ.
هذه الأزمة بالغة الخطورة على البشرية، وهي ليست مجالاً لمزايداتٍ أو اتهاماتٍ، وتحميل للمسؤوليات الأخلاقية لهذا الطرف أو ذاك، فضلاً عن أن تكون مجالاً لتفاهات السوشيال ميديا خطاباً وأفكاراً ومفاهيم، والعمل تجاهها يجب أن يتسم بالعقلانية التامة والواقعية البحتة والتفتيش عن مخرجٍ آمنٍ بعيداً عن المآلات الكارثية التي يمكن أن تصل إليها.
لا توجد أي مقارنة تحت أي معيارٍ في القوة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، والحديث عن نجاحاتٍ عسكرية أوكرانية ضد روسيا هو للاستهلاك الإعلامي والدعائي فحسب، فالأمور في هذا الجانب محسومة تماماً، ويعرف العالم كله نتيجتها سلفاً.
في أزمة بهذا الحجم وهذه الخطورة، فإن الحديث عن «عقوباتٍ» هو حديث ترف في وقت الحرب فلا توجد عملياً عقوباتٌ يمكن أن تغير شيئاً في المدى المنظور، والصبر والانتظار لا يخدمان أوكرانيا الدولة ولا أوكرانيا الشعب حالياً، وهنا أسئلة ملحة، ما مستقبل أوكرانيا؟ و«ماذا بعد أوكرانيا»؟ وما الذي سيحدث للدول ذات الأوضاع الشبيهة بها على حدود روسيا؟
أخيراً، فأميركا المتراجعة ستسعى لإحراج حلفائها بمواقف سياسية غير نافعة لهم ولا مفيدة تجاه هذه الأزمة، والتوازن حكمة العقلاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزمة الأخطر روسيا تدخل أوكرانيا الأزمة الأخطر روسيا تدخل أوكرانيا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon