توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«القابلية للخديعة» و«التشيع السياسي»

  مصر اليوم -

«القابلية للخديعة» و«التشيع السياسي»

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الأفكار والظروف والسياقات تمنح الفرد قابلية لتلقي بعض الأخبار أو الأفكار أو الأحداث بعين الرضا، بمعنى أنه يكون مستعداً لتقبلها والانسياق خلفها بمجرد أن يجدها أمامه، وقد كتب مالك بن نبي من قبل عن «القابلية للاستعمار»، ويعني استعداد بعض الشعوب والأمم لأن تكون مستعمرة من غيرها، وكتب بعده متأثراً به علي شريعتي عن «القابلية للاستعباد والاستبداد» متأثراً بابن نبي من جهة، وبالكواكبي قبله في «طبائع الاستبداد» من جهة أخرى.

القابلية للخديعة أو للانخداع هي وجود استعدادٍ فكري ونفسي واجتماعي لقبول الخديعة والانسياق خلفها دون تحكيم العقل والمنطق أو التدقيق في الواقع والمعطيات، ودون سلاح العلم والعقل يصبح الإنسان في مهب ريح الخديعة والتضليل، وقد جرى من هذا كثير في عالمنا العربي.

بعض التصريحات الرسمية كاشفة ومهمة، وما نقلته وكالة مهر الإيرانية عن المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني رمضان شريف من قوله: «إن عملية طوفان الأقصى التي شنتها حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) كانت أحد الانتقامات لاغتيال سليماني»، هو تصريحٌ يضع النقاط على الحروف.

قابل هذا التصريح الكاشف، تبرؤٌ منه من بعض رموز «الحرس الثوري» ومن بعض الفصائل الفلسطينية، والتناقض في السياسة ليس مثله في العقل والمنطق، ففي العقل مستحيل، ولكنه في السياسة وسيلة للخديعة، وإيران تستخدم تناقض تصريحاتها كثيراً ضمن سياساتها واستراتيجياتها المعلنة.

كتب كاتب هذه السطور وغيره منذ بداية الأحداث الحالية أنها لا تخدم القضية الفلسطينية سلطة وشعباً، وأن ضررها الأكبر سيكون على الشعب الفلسطيني في غزة، وأنها إنما جاءت، طبيعة وتوقيتاً، لتخدم مصالح «محور الممانعة» الذي تقوده إيران في المنطقة والذي تفتخر بالانخراط فيه بعض الفصائل الفلسطينية علناً، فهذا التصريح من متحدث «الحرس الثوري» الإيراني إنما يؤكد المؤكد.

«القابلية للخديعة» تغري الإنسان بتجنب الحقائق القاسية واللجوء إلى حقائق بديلة يخترعها وهي ليست محل نزاعٍ، أو الخضوع للعواطف وترك الحقائق، أو الانسياق خلف أوهام الآيديولوجيا، ولتجنب حقيقة من يقف خلف هجوم السابع من أكتوبر لجأ البعض للتذكير بأن إسرائيل دولة محتلة وغاشمة ولا إنسانية، وهذا ليس محل نزاعٍ، وأصرّ البعض على ترك الحقائق تعاطفاً مع الدماء الزكية التي أريقت وهو تعاطفٌ إنساني نبيلٌ ومستحقٌ، ولكنه لا يعني ترك الحقائق وإلغاءها، وأما الانسياق خلف أوهام الآيديولوجيا فهو سوقٌ لا مجال للعقل فيها وإن كانت سوقاً رائجة.

«القابلية للخديعة» ليست حكراً على «العوام» أو «الجماهير» أو «مشاهير» السوشيال ميديا، بل تخضع لها بعض النخب، يدفعها لها «التفكير الرغبوي» أو فكرة «التطهر السياسي»، فضلاً عمّن يروجون لتلك الخديعة لانخراطهم في صناعتها وانحيازهم لمحورها السياسي ضمن تيارات فكرية أو أحزابٍ سياسية ينتمون لها.

لماذا سعى الحرس الثوري الإيراني جهده، وسعت بعض الفصائل الفلسطينية معه لنفي ذلك التصريح؟ الجواب أنه يكشف جزءاً مهماً من مشهدٍ ساخنٍ لم يحن أوان الكشف عنه بعد، ولأن هناك من تاهوا في التحليلات السياسية ورصد الأبعاد الاستراتيجية وادعوا نظراً ثاقباً ودقة متناهية، ثم اتضح أنهم مجرد ضحايا للقابلية للخديعة التي جعلتهم مروجين لدعاية «محور الممانعة» وتسويقها لا أقل ولا أكثر.

صناعة الدجل العربي قديمة، وسبق شرحها في هذه المساحة، ولكنها كما تطوّرت بتطور التاريخ فقد تطوّر معها زمن انكشافها وأخذ في القصر، ففي الخمسينيات والستينيات كانت «الخديعة» تحتاج لعقدين من الزمن لفضحها وكشفها، ودون حرقٍ للمراحل، إلا أنه في فترة ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» قصرت مدة الانفضاح إلى سنتين، وأما في هذه الأحداث فوصلت المدة إلى شهرين فقط، ومع أن استمرار الصناعة سيئ فإن قصر مدة انكشافها شيءٌ جيد.

ضمن عناصر «القابلية للخديعة» عنصر الميل النفسي لتصديق الكذب ومسامحة الكاذب بعد انكشافه، فقبل شهرين تبرأت بعض الدول والمحاور الإقليمية من أي علاقة تربطها بأحداث غزة، وصدقها بعض السذج، وروَّجت لذلك بعض النخب، ثم اتضحت الصورة وانكشف المغطّى، وسيلجأ البعض مستقبلاً لتبرير قابليته للخديعة بينما سيكتفي البعض بطي صفحة وبدء أخرى.

«التشيع السياسي» مصطلح علمي يرصد ظاهرة بدأت في الانتشار والتفشي بعد نجاح «الثورة الإسلامية في إيران»، وتبنيها لمبدأ «تصدير الثورة» وقد انخرط في «التشيع السياسي» هذا، عدد من التيارات والرموز من مثل «جماعة الإخوان المسلمين» وبعض فروعها في العراق وفلسطين وغيرهما و«جماعة السرورية» وتبريرات «سفر النحو» لسياسات إيران و«تنظيم القاعدة»، والتحالف القوي الذي بناه مع إيران، ولكلٍ من هؤلاء تبريراته الدينية والسياسية، وأحداث غزة المؤسفة تكشف عن جزء من نتائج هذا «التشيع السياسي».

«التشيع السياسي» لا علاقة له بالمذهب الشيعي الكريم، بل علاقته بمشروعٍ سياسي يستخدم الطائفية والمذهبية سلاحاً في صراعات السياسة وحروبها، وتنخرط بعض الفصائل الفلسطينية في هذا «التشيع السياسي» بشكل واضحٍ، وأهمها وأكبرها فصيلان معروفان، ولئن لم يطرح أحد فكرة «تهويد الفلسطينيين» على الإطلاق لأسبابٍ دينية معروفة، فإن «تشييع الفلسطينيين» سياسيا مسألة ملحة يجب أن تثير القلق لدى الشعب الفلسطيني وصانع قراره.

انتماء بعض الفصائل الفلسطينية لمحورٍ سياسي إقليمي مسألة سياسية مهمة ولها تبعاتها، ووضع الأحداث في سياقها السياسي بعقلانية وواقعية يوضح المشهد، وسعي بعض الفصائل اليوم لضرب «السلطة الفلسطينية» ولضرب «منظمة التحرير» الفلسطينية، يأتي ضمن مخطط سياسي إقليمي متكامل، نجح في بسط نفوذه على بعض الدول العربية، وهو يسعى لفعل الأمر ذاته تجاه فلسطين «القضية» و«الدولة» و«الشعب» وهذه مسألة بالغة الخطورة، واستهداف الأردن سياسياً وميليشياوياً ومحاولات اختراقه المتكررة تصب في هذا السياق.

جماعة «الإخوان المسلمين» في العراق ليست شيعية، ولكنها كادت تنصّب مرشداً عاماً شيعياً فيما مضى، وهي منخرطة في المحور الإيراني اليوم، و«الزيدية» في اليمن ليسوا شيعة اثني عشرية، ولكنهم منخرطون اليوم في المحور الإيراني وفي «التشيع السياسي»، وهذه مجرد أمثلة تمنح المراقب قدرة على قراءة مشهدٍ يتطور منذ سنواتٍ، ما يمكّن من رؤيته بشكل أوضح وقراءة اتجاهاته المستقبلية.

أخيراً، فإن «القابلية للخديعة» تكون بحكم التاريخ والظروف والمعطيات حيناً، وتكون اختياراً أحياناً أخرى، وفي منطقة معجونة بالدين والطائفية والمذهبية فإن استبعادها في القراءة السياسية لا ينم عن وعي ثاقبٍ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«القابلية للخديعة» و«التشيع السياسي» «القابلية للخديعة» و«التشيع السياسي»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon