توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

استقلال العراق والتيار الصدري

  مصر اليوم -

استقلال العراق والتيار الصدري

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

استقل العراق عن المحتل البريطاني في عام 1932، ومر بالعهد الملكي ثم العهود الجمهورية من شيوعيين و«بعثيين قوميين» ثم العهد البعثي المحض، وصولاً إلى العهد الطائفي ما بعد 2003، الذي نشأ وكبر تحت المحتل الأميركي، فتغلغل «النظام الإيراني» في كل مؤسسات الدولة والمجتمع العراقي كمحتلٍ أجنبي جديدٍ، وإن بصيغة مختلفة أوجبها تغير الزمان والظروف والمعطيات.
تحت سمع وبصر أميركا، كان «النظام الإيراني» يتغلغل بكل الطرق في عصب الدولة والمجتمع العراقي، ويشكل «حرساً ثورياً» عراقياً تابعاً لـ«الحرس الثوري» الإيراني تحت اسم «الحشد الشعبي»، ويشكل أحزاباً سياسية، ويسيطر على «مؤسسات الدولة» في «الحكومة» و«البرلمان» و«القضاء»، والوجود الأميركي ينسحب بنفس قدر تمكن «النظام الإيراني»... هذا ما جرى على مدى عقدين من الزمان كواقعٍ وقراراتٍ وسياساتٍ بعيداً عن أي تفسيرٍ تآمريٍ.
الدولتان المسؤولتان مسؤولية كاملة عما يجري في العراق من «استقرار للفوضى» واتجاه «لدولة فاشلة»، هما أميركا وإيران، بقراراتٍ واستراتيجياتٍ منذ 1980 ومن بعدها 1990 مروراً بـ2003 وصولاً إلى اليوم، وسخونة المشهد العراقي ومخاوف الحرب الأهلية، وسهولة استقراء حجم الفوضى والتخريب، التي سيجري في المستقبل القريب داخل العراق للأسف.
السأم العراقي من «المحتل الإيراني» آخذ في التصاعد منذ سنواتٍ ليست بالقليلة، وقد بلغ أوجه من مدى «جرأة» بعض سياسيي العراق الموالين موالاة تامة للنظام الإيراني، جرأة زائدة تصل إلى حد الصفاقة في بعض سياساتها وميليشياتها وتصريحاتها، فكانت «أحداث بغداد» القوية الأسبوع الماضي تعبيراً عن تراكمات الغضب الشعبي المتطاول.
بعض هذه النخب العراقية لم تعِش طويلاً في العراق، بل عاش كثيرٌ منها في كنف «النظام الإيراني» وتحت حكمه ورعايته وتدريبه لعقودٍ من الزمن، وتحت شعار «مقاومة صدام» قدموا كل فروض الولاء والطاعة لإيران، وخضعوا لعملياتٍ طويلة من غسل الأدمغة دينياً وطائفياً وسياسياً، وعندما عادوا إلى العراق عادوا بعقلية الغريب المحتل لا المواطن المشفق، وهو ما يفسر الجرأة على استباحة دم العراقيين وعمليات النهب والفساد الواسعة التي قادوها واستطاعوا من خلالها إفقار دولة نفطية غنية وإبقاء شعبها فقيراً معوزاً.
المحتل الإيراني كأي محتل غاشم دمر العراق بالميليشيات المسلحة والتفجيرات وفتاوى القتل والاغتيالات، ومحاصرة وإضعاف واستتباع «المرجعيات»، وليس ما جرى من كاظم الحائري، الأسبوع الماضي، إلا نموذجٌ فاقعٌ دفعت له سخونة الأحداث، بينما كان يمكن أن يتم بطريقة أكثر هدوءاً، ومشروع إيران في العراق هو تحويله إلى «دولة فاشلة» كما صنعت مع لبنان.
ومشروع إيران في العراق دمر اقتصاده بدعم الفاسدين ونهب ثروات الشعب العراقي لتغطية احتياجات الداخل الإيراني، ولجعله ممراً للإمبراطورية الفارسية، والتوسع وبسط النفوذ في المنطقة عبر جعله نموذجاً لاستقرار الفوضى ونشر الإرهاب من طهران إلى بغداد فدمشق وبيروت.
عبر سنواتٍ طويلةٍ تم إضعاف «المكون السني» والمحاولات مستمرة لإضعاف «المكون الكردي»... لقد خُلق فراغٌ كبيرٌ في المكونات الوطنية العراقية فباتت حاجة الشعب العراقي ملحة لتيارٍ وقائد ينتمي لـ«المكون الشيعي» يستطيع حمل تاريخ العراق وحضاراته وجمع شتات واقعه وتوحيد مكوناته وتبني الطموحات المستقبلية لأجياله الجديدة، وقد بدأ هذا يتجلى منذ سنواتٍ في «التيار الصدري» وقائده مقتدى الصدر.
هذا الفراغ الذي يسعى الصدر لملئه يتسق مع «منطق التاريخ» و«طبيعة الشعوب»، وهو لن ينتهي باغتيال الصدر فيما لو أقدمت عليه إيران وعملاؤها، بل سيجد له أسماء وتياراتٍ تعبر عنه وتستمر في تعبئته، واستراتيجيات إيران وأتباعها من العراقيين لنشر الإرهاب والاغتيالات والرعب قد تفلح في تأجيل الاستقلال العراقي ووضع نهاية للاحتلال الإيراني، ولكنها لن تلغيه.
«إيران لن تحكم العراق» و«إيران بره بره» ومثيلاتها من الشعارات هي تعبيرٌ قويٌّ عن رفضٍ شعبي عراقي واسعٍ لكل تدخلات إيران في العراق، ورفض شعبي واسع لكل خدم المشروع الإيراني من العراقيين، وهو يعبر صراحة عن مفردات «العروبة» و«التشيع العربي» ورفض «الاحتلال الإيراني»، والتشبث بكل عناصر الهوية العراقية المتنوعة والعميقة بعيداً عن «التفرس» ومشروع «التشيع الفارسي».
في مايو (أيار) 2018 كتب كاتب هذه السطور أن «مقتدى الصدر اليوم هو قائدٌ وطنيٌ، عبر الشعب العراقي عن رغبته به وبتوجهه الوطني، كما أنه شكل الحصان الأسود للمرجعية المذهبية العراقية الوطنية بعيداً عن تكتلاتٍ أخرى مثلت مجرد أدواتٍ تستغل ثروات العراق لأمرين فقط لا غير؛ الفساد المالي الواسع، وخدمة المشروع الإيراني»، وهو ما زادته الأحداث الأخيرة تأكيداً وترسيخاً، وقد كان السؤال المطروح في ذلك المقال قبل أربع سنواتٍ هو: «كيف ستسعى إيران إلى استعادة دورها؟ الجواب الذي تعرفه إيران هو الاغتيالات والتفجيرات، والتهديد والتخويف بهما، ومن هنا يأتي السؤال، من سيغتال مقتدى الصدر؟»، وهو سؤال يطرح نفسه بقوة في واقع الأحداث اليوم.

لقد أثبت مقتدى الصدر ومستشاروه وقادة تياره قدرة على التطور والحيوية في الوعي السياسي والرؤية الحاكمة، وفي إدارة المعارك السياسية مع كافة الفرقاء، وهو سجل انتصاراتٍ لا تنسى أمام «الإطار التنسيقي» في الانتخابات الأخيرة وكل ما تلاها من تلاعبات وتجاذباتٍ سياسية متشابكة ومعقدة وخطيرة.
الطائفية في العراق مرت بمراحل في العقود الأخيرة، من قمع صدام حسين الوحشي لكل الطوائف، على رأسها «المذهب الشيعي» الكريم إلى تغول للتشيع السياسي بعد 2003، إلى احتدام الصراع بين «التشيع العراقي العربي» و«التشيع الإيراني الفارسي»، وسيكون على الشعب العراقي أن يحسم هذا الصراع.
الطائفية مثلها مثل هويات العراق العميقة وأديانه وأعراقه ومذاهبه، يمكن لها أن تكون مصدر تنوعٍ وغنى وتسامحٍ، ولكن بعد إبعادها عن تدخل المحتل الأجنبي الغاشم، وجعلها تصب في مصلحة الدولة العراقية والشعب العراقي.
على طول التاريخ وعرض الجغرافيا كانت معارك تحرر الدول والشعوب من المحتلين قاسية ومؤلمة، ولكن مغبتها لا تنسى وتظل مصدر فخارٍ عابرٍ للتاريخ، ومستقبل العراق يصنعه أبناؤه اليوم.
أخيراً، كتب الشاعر والمفكر العراقي معروف الرصافي، قديماً عن «الاستقلال» أبياتاً معبرة نشرتها مجلة «المنار» حينها، ويمكن استحضارها مع تغيير بعض المفردات لتناسب الزمن المعاصر قائلاً:
لنا «ملك» وليس له «رعايا»... و«أوطان» وليس لها «حدود»
و«أجناد» وليس لهم «سلاح»... و«مملكة» وليس لها «نقود».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استقلال العراق والتيار الصدري استقلال العراق والتيار الصدري



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon