توقيت القاهرة المحلي 17:17:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البصرة تحترق

  مصر اليوم -

البصرة تحترق

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

احتجاجات المواطنين العراقيين في البصرة على الحالة المأساوية التي وصلت إليها مدينتهم هي احتجاجاتٌ محقة دون شكٍ، وهم يطالبون بأبسط الحقوق ومقومات الحياة الطبيعية، والذنب فيما يجري هناك ينصب بشكل أساسٍ على الساسة العراقيين الموالين لإيران أكثر من ولائهم للعراق.

ما تشير له الأحداث هو أن هناك أمرين يجريان في البصرة بالتزامن، الأول، مظاهرات سلمية واحتجاجات محقة ضد الفساد والخدمات تصاعدت هتافاتها لرفض التدخل الإيراني الواسع في الشؤون الداخلية للدولة العراقية، الثاني، عمليات منظمة وتحتاج إلى أكثر من جهد عفوي مثل إحراق القنصلية الإيرانية في البصرة ومثل اقتحام مقر ميليشيا الحشد الشعبي، أو حرق منزل وزير الاتصالات العراقي القيادي في منظمة بدر، أو اقتحام حقل غرب 2 واحتجاز العمال رهائن.

الأول مفهومٌ في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البصرة والعراق، أما الثاني فهو يحتاج لتنظيم وتخطيط وخبرة وهي موجودة لدى الساسة العراقيين الموالين لإيران وهم ناقمون في هذه المرحلة، حيث يرون اتجاه تشكيل الحكومة العراقية يسير نحو خصومهم بشكل كبير، وعجزهم وعجز إيران من ورائهم عن التلاعب بالتحالفات السياسية بالوعد والوعيد وفشل سياسة العصا والجزرة في خلق اختلالات مهمة تؤدي لوصولهم لتشكيل الحكومة القادمة، وهم يمتلكون الدافع والرغبة لتخريب العملية السياسية وتأجيل تشكيل الحكومة بأي طريقة، كسباً للوقت.

اختراق المتظاهرين من قبل مجموعات منظمة تتسلل داخل احتجاجاتهم أمرٌ معروفٌ، وما جرى في بعض الدول العربية بعد ما كان يعرف بالربيع العربي وقيام جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بهجماتٍ إرهابية على مقار الشرطة، وإحراق عددٍ من المباني والمؤسسات تحت زخم المظاهرات هو خير شاهدٍ، وبخاصة أن المتصارعين في العملية السياسية في العراق ينتمي بعضهم لجماعات الإسلام السياسي في شقها الشيعي، وقد تمت رعايتهم من النظام الإيراني لعقودٍ من الزمن.

يعتبر العراق «درة التاج» في كل مخططات النظام الإيراني للتوسع وبسط النفوذ الذي تحدثت عنه قيادات النظام مراراً وتكراراً، والذي يجري في عراق اليوم هو مزاحمة شديدة من قبل أميركا للنظام الإيراني في العراق، مع دعمٍ سعودي وعربي للشعب العراقي والدولة العراقية لاستعادة نفسها واستقلالها وفرض سيادتها على أرضها، وخروج العراق من عباءة إيران سيضر كثيراً بحلمها التاريخي للوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان.

أحلام المؤدلجين لا يمكن التفاهم معها سياسياً، وهو ما صرح به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أحد لقاءاته المتلفزة، وإلا فدون اكتمال تمدد الأفعى الإيرانية أو الهلال الشيعي في الدول العربية الثلاث خرط القتاد، وصعوبات بالغة دولياً وإقليمياً، ومن ذلك الرفض الأميركي والإسرائيلي القاطع لهذا التمدد مع الرفض العربي الباتّ لمثل هذا التوسع الإمبراطوري الطائفي.

دخول رجال الدين في السياسة مرفوضٌ من حيث المبدأ وقد أثبت التاريخ والجغرافيا، الماضي والحاضر، حجم الضرر الكبير لمثل هذا الدخول، لإضراره البالغ بالدين نفسه وبالسياسة، وثمة جدال كبيرٌ داخل المذهب الشيعي حول العالم في هذه المسألة، وثمة طرفان كبيران في هذا الجدال، يمثل النظام الإيراني أحد أطرافه، حيث هو المعبّر الأكبر عن نموذج الإسلام السياسي الشيعي المبني على نظرية ولاية الفقيه التي اخترعها الخميني، حينما سعى لنشر هذه النظرية الضعيفة فقهياً بحسب المذهب الشيعي، ونجح من خلالها في الانقلاب على الشاه، فأصبحت نظرية أوصلته وتياره لسدة الحكم في بلدٍ غني بالنفط.

يواجه هذا التيار تيارٌ هو الأكبر وهو التيار التقليدي للمذهب الشيعي، وهو التيار الرافض للدخول في السياسة الذي يدعم الدولة الوطنية المدنية الحديثة، ويدعم الاستقرار ويرفض الإرهاب والفوضى، ومن أكبر ممثلي هذا التيار في العراق السيد علي السيستاني المرجع العراقي الكبير، وهذه المرجعية تدعم تحالف «سائرون» المختلط من تيارات إسلام سياسي شيعية وتيارات علمانية، يجمعها الحرص على مصلحة العراق أولاً.

اتبع تيار الإسلام السياسي الشيعي المبني على نظرية ولاية الفقيه الخمينية استراتيجيتين تقومان على مبدأ «تصدير الثورة» الأولى، للخميني الذي اعتمد الحرب النظامية المباشرة مع العراق التي اضطر في نهايتها لتجرّع السمّ كما هو تصريحه الشهير حينها، والثانية، لخامنئي الذي اعتمد بناء وتنظيم الميليشيات المسلحة وتسليحها وتدريبها داخل الدول العربية، فاستفاد من «حزب الله» اللبناني وتكليفه بأدوار أخرى داخل وخارج لبنان ودعم ميليشيا الحوثي وكثير من الميليشيات داخل العراق وبخاصة بعد 2003. وقد اجتمع غالبها تحت مظلة الحشد الشعبي، والتحالف الوثيق مع الأقليات المتوحشة مثل الأقلية العلوية الحاكمة في سوريا، مع الاستفادة الكبرى من جماعات الإسلام السياسي السنية مثل جماعة الإخوان المسلمين أو تنظيم القاعدة و«داعش».

هذا الخلاف العميق هو خلافٌ عقائدي وفيه بعض جوانب المصالح المتناقضة بعدة أشكالٍ، ولكنّ تجليه الواقعي اليوم في العراق وفي البصرة تحديداً حيث يتجمع غالب أنصار إيران مؤشرٌ على اشتداد هذا الخلاف، ومدى تأثيره مع عوامل أخرى على حاضر ومستقبل العراق، والتفريق الصائب بين ممثلي كل تيارٍ يسهّل معرفة من المسؤول عن المظاهرات السلمية ومن المسؤول عن أعمال العنف، فالخبير في السلم والمدنية يبرع في ذلك والخبير بالقتل والتخريب والتدمير والإجرام يتقن عمله.

دولياً، نحن أمام مرحلة شديدة الصعوبة بالنسبة للنظام الإيراني وهو يخسر في غالب الجبهات فمواجهة دولة بحجم الولايات المتحدة وقوتها ليست نزهة، وقوة إدارة الرئيس ترمب وحزمها في مواجهة النظام الإيراني لا تجدي معها الشعارات الرنانة، ولا التحالفات الأصولية مع جماعة الإخوان المسلمين ولا مع قطر وتركيا، هي أقرب ما تكون لحبل المشنقة الذي يضغط على النظام الإيراني بشكلٍ غير مسبوقٍ، والأنظمة المؤدلجة تزداد شراسة قبل السقوط والتفكك.

أصبح التيار الوطني العراقي أكثر حضوراً في العراق بشتى توجهاته، وغدا قادراً على الوقوف في وجه التيار الموالي لإيران، وهو يزداد قوة بينما أتباع إيران في العراق يضعفون، ومع الدعم الأميركي والخليجي والعربي لعراقٍ مستقل ذي سيادة كاملة على أرضه جعل المشهد في العراق يتغير بنسبة كبيرة في السنوات القليلة الماضية لصالح الدولة العراقية والشعب العراقي. أخيراً، فالدول الداعمة لاستقرار الدول في المنطقة تنتصر على الدول الداعمة لاستقرار الفوضى والخراب، والواقع خير شاهدٍ.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البصرة تحترق البصرة تحترق



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon