توقيت القاهرة المحلي 07:30:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«إيران النووية» و«خطايا الديمقراطية»

  مصر اليوم -

«إيران النووية» و«خطايا الديمقراطية»

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

جولة سابعة من المفاوضات مع النظام الإيراني في فيينا، والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية تقدّم التنازلات، وإيران تتصلّب، والخلاف لم يعد محصوراً في تدخلات إيران في الشؤون الداخلية للدول العربية والصواريخ الباليستية فحسب، بل في إصرار إيران على تطوير برنامجها النووي ليصبح جاهزاً ليتحول إلى سلاحٍ نووي يغيّر العالم.
الدول العربية وشعوبها تحت تهديدٍ حقيقي ومباشرٍ لامتلاك إيران سلاحاً نووياً، فاستراتيجيتها لبسط النفوذ وفرض الهيمنة تستهدف الدول العربية بالدرجة الأولى، وعلى رأسها دول الخليج العربي، وهي قد نجحت فيها في العراق وسوريا ولبنان وفي اليمن، وبالتالي فرصد المواقف الغربية مهمٌ، بحيث يرى المراقب العربي بسهولة أن تلك المواقف ليست جادة بالقدر الكافي، وليست معنية بمخاوف المنطقة دولاً وشعوباً، وامتلاك إيران سلاحاً نووياً سيدعم استراتيجيتها التوسعية بشكل يغير كل قواعد اللعبة حول العالم لا في المنطقة فحسب.
أي قارئ للتاريخ ومطلعٍ على صراعات السياسية سيعرف بسهولة أن هذا التراخي الغربي يأذن بسباق تسلحٍ نووي في المنطقة والعالم، وهو تراخٍ يهدد مستقبل البشرية بأسرها، والدول التي يستهدفها التهديد لن تقف مكتوفة الأيدي بأي حالٍ من الأحوال، واللغة الغربية الشائعة تعبّر عن مجرّد «تشكيكٍ» في جدية إيران و«قلقٍ» من نياتها، و«إشارات» لخياراتٍ أخرى و«تلميحات» لضغوطاتٍ يمكن ممارستها، وتتحدث عن «التفاؤل» و«التشاؤم» و«الإحباط»، وهي لغة سياسية تمثل نموذجاً للضعف السياسي، ضعف القرار المبني على ضعف الرؤية، وبغض النظر عن الخلافات الداخلية في أميركا تجاه التعامل مع إيران، فإن حصافة الرأي تثبت أن لغة القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام الإيراني، وهذا ما تعرفه الدول العربية جيداً.
إسرائيل تعي جيداً هذا الخطر الإيراني المحدق، وهي صارمة في وعيها وموقفها تجاهه، وهي دولة قوية ودولة نووية وعلاقاتها مع الدول الغربية وثيقة، والدول الغربية لا تصنع شيئاً تجاه النظام الإيراني، وبالتالي فالمخاوف قائمة، والتهديد واقعي وحقيقي.
لقد تمكنت إيران، عبر أربعة عقودٍ واستراتيجيات تتطور وتكتيكات تتغير واستغلال للظروف والأحداث الكبرى من التمدد والتغلغل في الدول العربية المذكورة أعلاه، وهي تخترق دولاً عربية أخرى بطرق متعددة، ولكن من المهم معرفة أنها تخسر أيضاً، فالعقوبات الدولية والأميركية التي فرضتها الإدارة الأميركية السابقة أضعفت «إيران»، هذه واحدة، ووعي الشعب العراقي الذي عبّر عنه في الانتخابات الأخيرة أضعف إيران وميليشياتها وعملائها المحليين، وهذه ثانية، وثالثة قوية ومؤثرة وهي ضربات «التحالف العربي» العسكرية الاستثنائية ضد ميليشيا الحوثي في اليمن أضعفت إيران أكثر.
في سوريا يخفف التغوّل الإيراني عاملان أساسيان: روسيا وإسرائيل، أما في لبنان فالدول الفاشلة لا تحسن السياسة، ففي مواجهة أزمة كبرى مع دول الخليج العربي تمخض فكر ساسة لبنان عن أن الأزمة تتعلق بوزير كان ساذجاً، لا بسياسة دولة، فقرروا إقالته، ولذلك فحجم لبنان الإقليمي يزداد ضموراً وتلاشياً ومعاناة شعبه تزداد.
«الاتفاق النووي» الذي أُبرم إبان إدارة أوباما، وتستميت الإدارة الحالية في استعادته، هو اتفاق معيبٌ وناقص بكل المقاييس، ولذلك فشل، وقد أوضحت إدارة ترمب السابقة بسهولة وواقعية أن كل الخيارات الأخرى أفضل منه دون عناء، ولكن هذه الإدارة لأسباب داخلية أميركية تتشبث بإعادة إحيائه وبنفس الأسماء والشخصيات التي شاركت في صياغته أول مرة، والعاقل يعلم أنك حين ترتكب نفس الخطأ مرتين، فيجب ألا تتوقع نتائج مختلفة.
بعض الكتّاب العرب ووسائل الإعلام العربية مسكونون بتداولات الإعلام الغربي للمفاوضات بين أميركا وإيران، ويتابعون تفاصيلها وجدالاتها كما ترد من هناك، والحقيقة هي أن الموقف العربي تجاهها مختلفٌ والأولويات السياسية والإعلامية مختلفة، ولكن هذا لا ينعكس على تلك الوسائل الإعلامية ولا آراء الكتاب والمحللين، وهذا خللٌ حقيقي يمنع المتابع العربي من رصد المشهد بواقعية وقراءته وتحليله ورصد أبعاده، من دون تأثير من المواقف الغربية المتخاذلة وغير المعنية بالأولويات العربية سياسياً وشعبياً.
«المطالب المستحيلة» هي خلاصة ما تقدمه إيران وتطالب به، وهي إحدى أدواتها التي لطالما استخدمتها لكسب الوقت، فتصعيدها مشروعها النووي نحو سلاحٍ نووي ماضٍ على قدمٍ وساقٍ، وصواريخها الباليستية ومسيراتها المفخخة في تطورٍ مستمرٍ، وتدخلاتها في شؤون الدول العربية تزداد وتتحرك في مساحاتٍ جديدة، وتستهدف شرائح مختلفة، ليس آخرها - على سبيل المثال - التوجه للقبائل العربية في دير الزور السورية.
رؤية أوباما «الانسحابية» و«الانعزالية» أدَّت خلال ولايتيه إلى مشكلات كبيرة لأميركا ولحلفائها حول العالم، وتسببت في اختلالات بموازين القوى الدولية، وكان «الربيع العربي» و«الاتفاق النووي» مع إيران أمران اعتبرتهما تلك الإدارة إنجازين سياسيين كبيرين، بينما تعتبرهما الدول العربية وكثير من دول العالم أمرين سيئين بتبعاتٍ وعواقب بالغة السوء، وحين تجتهد الإدارة الحالية في إعادة إحياء «الاتفاق النووي» الفاشل مع إيران بمساوئه وخطاياه، فإنها تسعى في الوقت نفسه لإعادة إحياء نوعٍ ما من «الربيع العربي» تحت الشعارات البرّاقة نفسها والمبادئ العائمة، التي تقف على رأسها «الديمقراطية» التي تجد إدارة بايدن الوقت الكافي للدعوة لها هذا الأسبوع، لتواصل ارتكاب الأخطاء ذاتها، والخطايا نفسها، وكأن التاريخ لا يعلّم الناس شيئاً.
حتى نستحضر التاريخ القريب والقريب جداً يمكن أن نقرأ وصف أوباما في كتابه «الأرض الموعودة»، الصادر هذا العام (2021) لأحداث «الربيع العربي»، فيقول: «من وجهة النظر الأميركية، أهم التطورات التي كانت تجري في مصر، حيث تشكّل تحالف من المنظمات الشبابية، والناشطين، وأحزاب المعارضة اليسارية، والكتاب والفنانين البارزين، فأطلقوا دعوة وطنية للقيام بحركة احتجاج جماهيرية ضد نظام الرئيس مبارك». هذا النص مكثفٌ في إظهار خلل الرؤية والوعي لما كان يجري، فهو لم يذكر جماعة «الإخوان المسلمين» بتاتاً، وواقعياً هي التي حكمت مصر وعاثت في كل دول «الربيع العربي» فساداً وإرهاباً وفوضى.
أخيراً، فالمشهد يتكرر اليوم وبالشخصيات نفسها والحجة عينها، أي «الديمقراطية»، وكأن ما جرى في أفغانستان والعراق، وما جرى في تونس ومصر وليبيا لا يعلّم الناس شيئاً، ومن كانت أخطاؤه خطايا تاريخية للدول والأمم والشعوب، فليس من حقه أن يتشبث بقيادة عالم هو مَن انسحب منه، ويريد ممارسة الأخطاء نفسها والخطايا ذاتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«إيران النووية» و«خطايا الديمقراطية» «إيران النووية» و«خطايا الديمقراطية»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon