بقلم: عبدالله بن بجاد العتيبي
قوة القيادة ووعيها وإنجازاتها تحولها لرمزٍ تاريخي يعبر عن مرحلة استثنائية من النجاح والإنجاز لدولها وشعوبها، وملهمٍ وأملٍ للشعوب الأخرى، وتزداد الرمزية كلما اقتربت المشتركات الكبرى وتكاثفت الآمال وتراكمت المنجزات.
جولة ولي العهد السعودي على دول مجلس التعاون الخليجية، كانت تعبيراً عن قوة هذا المجلس، وسعياً جاداً لتعزيز مكانته واستئناف دوره وتطوير آلياته وطموحاته، وهي رسالة ذات أبعادٍ تستحق القراءة والتأمل.
قوة الدول تنطلق ابتداءً من وحدة الصف الداخلي بما تشمله من استقرارٍ وأمنٍ وتنمية ورفاهٍ، والمبنية على هوية راسخة وعمقٍ تاريخي وشرعية سياسية وقوة اقتصادية، وما تعد به من مستقبلٍ أفضل عبر رؤية واضحة وخططٍ ومشاريع معلنة وغاياتٍ تتحقق وتتطور، وهو ما يجري في السعودية ودول الخليج العربي.
وقوة الدول تأتي من علاقاتها بجوارها الأقرب من الدول المحيطة، وأقرب الدول للسعودية هي دول الخليج، عمان والإمارات وقطر والبحرين والكويت، وهي التي شملتها جولة ولي العهد، وتماسك مجلس التعاون وقوته هي قوة للسعودية وكل دوله عبر تقوية التحالف وزيادة التكامل بين أعضائه في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، التي تبنى في الأساس على متانة المشتركات الكبرى بين هذه الدول وشعوبها جميعاً من دين ولغة وثقافة وتقاليد ثابتة وأعراف متوارثة، ما يسهل من مهمة البناء عليها نحو مستقبلٍ أفضل وقوة أكبر وأبلغ تأثيراً.
يأتي بعد هذا القوة الإقليمية، عبر المنظمات وعبر الدول، كالجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومثيلاتهما، وكالعلاقات الراسخة مع الدول العربية جميعاً مع استثناءاتٍ لدولٍ تمر بظروفٍ خاصة واستثنائية يتم العمل عليها وتذليل صعابها وتجاوز تحدياتها، ومن ذلك التحالف العربي السعودي الإماراتي المصري الذي أنقذ عدداً من الدول العربية من خطر ما كان يعرف بـ«الربيع العربي»، وإنقاذ اليمن الذي لم يزل قائماً. وأخيراً وليس آخراً، قوة التحالفات الدولية والشراكات الاستراتيجية، التي تشكل داعماً حقيقياً لقوة الدول حين تدار بالوعي والحكمة والمصلحة، وهي تحالفاتٌ تتطور بتطور التاريخ وتختلف باختلاف المصالح والغايات، والسعودية ودول الخليج لا تعتمد على جهة واحدة، بل تنسج تحالفاتٍ متعددة مع كافة القوى الكبرى في العالم، ما يضمن تأثيراً وفاعلية في كافة الملفات التي تعني هذه الدول إقليمياً ودولياً.
في المنطقة ثمة مشروعان كبيران معاديان للدول العربية، وعلى رأسها دول الخليج، أحدهما مشروعٌ أصولي توسعي يتمثل في جماعات الإسلام السياسي وتنظيمات الإرهاب الديني، وقد أظهر معاداته لدول الخليج عبر سياسياتٍ ثابتة واستراتيجياتٍ ومواقف معلنة وتدخلاتٍ عسكرية وغير عسكرية، ولكن هذا المشروع أفضى إلى فشلٍ ذريعٍ، وبات يتخلى عن غاياته السابقة وسياساته المعادية.
المشروع الآخر هو مشروعٌ طائفيٌ توسعيٌ، وهو متطرفٌ آيديولوجياً ومسكونٌ بالمذهبية ويستخدم الطائفة كسلاحٍ سياسي وعسكري، وقد نسج تحالفاتٍ عميقة مع جماعات الإسلام السياسي وتنظيمات العنف الديني، سنياً وشيعياً، وهو أكثر نجاحاً وخطراً من سابقه، والدول الكبرى في العالم تتعامل معه بتدليله، والخضوع له لا بمواجهته بحزمٍ وإدراك يليق بطموحاته وسياساته المعادية للعالم بأسره لا للدول العربية فحسب.
هذا المشروع نجح في اختطاف الدولة اللبنانية فقاطعتها دول الخليج، ونجح في اليمن عبر ميليشيا الحوثي الإرهابية ودول الخليج تحاربه سياسياً وعسكرياً، والسعودية تقود «التحالف العربي» لإنقاذ اليمن من براثنه بالقوتين الناعمة والخشنة، والنجاحات تتوالى مؤخراً في ضربه وتحجيمه، أما في العراق فأقوى خصوم هذا المشروع هناك هو الشعب العراقي الذي جرب على مدى سنواتٍ طوالٍ كيف دمره هذا المشروع، وسعى لإسقاط دولته واستتباع بعض أحزابه وقيادته، وعبر عن ذلك بطرقٍ شتى ليس آخرها نتائج الانتخابات الأخيرة، والسعودية ودول الخليج تساعد الشعب العراقي والدولة العراقية على استعادة كامل استقلالها وسيادتها، وسوريا برسم الإنقاذ والمساعدة حين تتماسك الدولة والشعب مجدداً في ظل المخاطر الكبرى.
جولة الأمير محمد بن سلمان، تستهدف هذا كله وأكثر، وتتبنى المشاريع المشتركة وتدعم «مجالس التنسيق»، وتعيد ربط دول مجلس التعاون بقوة أكبر وتقاربٍ أقوى ومصالح أشمل وعياً منها بالخلل الجاري في مراكز القوى الدولية ومواقفها وسياساتها تجاه الملفات الكبرى في المنطقة، وقوة مجلس التعاون في هذه المرحلة هي خير داعمٍ لدوله وشعوبه على تجاوز المشكلات ومواجهة التحديات.
لا تخطئ العين المشاهد العفوية لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي وهو يرحبون بولي العهد السعودي، بعباراتٍ صادقة ونابعة من القلب، لما يرونه فيه من رمزية يستحضرها الفرد فتتدفق بها مشاعره وكلماته، فالقائد الناجح يحمل الناس على شخصه كل آمالهم الفردية من عزة وكرامة وقوة ومنعة وفخارٍ، وهو ما تنطق به كل المقاطع المصورة والمتداولة عبر هذه الجولة الخليجية. حدث هذا في دول الخليج العربي، حيث التوافق بين القيادات والدول كبيرٌ وثابتٌ، ولكنه حدث من قبل من عددٍ من الشعوب العربية الأخرى، حيث عبر كثيرون عن ذات المشاعر وعين الأفكار، التفتيش عن الحلم والأمل متجسداً في شخصٍ ورمزٍ يقدم نموذجاً مميزاً يرغبه الجميع ويمكن اقتفاء أثره والسعي على منواله.
الحليف التقليدي للسعودية ودول الخليج العربي هي الولايات المتحدة والدول الغربية، ومع هذا فهي تبني علاقاتٍ مميزة مع كل دولة غربية كبرى على حدة وتبني علاقاتٍ مميزة مع الدول العظمى في روسيا والصين، ومع محيطها من الدول المسلمة من باكستان ودول جنوب شرقي آسيا وكافة الدول المؤثرة حول العالم. ما يعزز من مكانة السعودية ودول الخليج أنها لا تمتلك مشروعاً توسعياً، بل تركز اهتمامها على النجاح والإنجاز والتنمية والتقدم والرقي، وتحرص على استقرار دولها ورفاه شعوبها بعيداً عن المغامرات غير المحسوبة، أو السعي لتصدير المشكلات الداخلية عبر خلق أزماتٍ إقليمية ودولية، وهو ما نجحت فيه هذه الدول عبر عقودٍ من عمر الدولة الحديثة استطاعت به تجاوز كل التحديات الكبرى إقليمياً ودولياً، وسقط الخصوم.
أخيراً، فالدولة القوية تزداد قوة بتحالفاتها، وأميركا الإمبراطورية الأقوى تتقوى بتحالفاتها ولا تكتفي بنفسها، وتحالفات السعودية عربياً وإقليمياً ودولياً تزداد تماسكاً وقوة ودول الخليج أولاً.