توقيت القاهرة المحلي 18:05:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السعودية والنقد «الشيعي» الداخلي

  مصر اليوم -

السعودية والنقد «الشيعي» الداخلي

بقلم: عبدالله بن بجاد العتيبي

النقد الفلسفي والفكري للخطابات والتيارات والأشخاص هو عامل بناء وتطوير، وإن كان يتناول السلبيات غالباً فهو يدفع باتجاه التصحيح والمراجعة عبر المساءلة والمقارنة، ويستخدم كل الآليات العقلية والمنهجيات المتطورة لإيصال الأفكار وإقناع القارئ، ودوره وأهميته لا جدال حولهما.
نقد حركات الإسلام السياسي مهمّ، بناء على أهمية وعمق تأثير هذه الحركات وسعة انتشارها وطبيعة آيديولوجياتها وخطاباتها ومفاهيمها الحاكمة وطرائقها العملية، وهذا النقد مهمة قام بها كثير من النقّاد من داخل هذه الحركات ومن خارجها، وهو شأن سيستمر في المستقبل.
في السعودية ودول الخليج قامت صراعاتٌ ثقافية واجتماعية حامية الوطيس في نقد حركات الإسلام السياسي المنتمية لمذهب الأكثرية، وهو المذهب السني، وشواهدها كثيرة، وتاريخها قريبٌ وحاضرٌ في الذهن، وقد نجحت بعض دول الخليج في التعامل مع هذه الحركات، وتمّ تصنيفها إرهابية في السعودية والإمارات، وهو ما سهّل نقدها بعد طول معاناة، مع التأكيد على المناورات التي تستخدمها هذه الحركات لتجاوز هذا التصنيف أو الالتفاف عليه.
كتب الأستاذ حسن المصطفى مقالة في موقع «العربية نت»، تحت عنوان «سعوديون في معسكرات حزب الله»، وأشار لها الأستاذ مشاري الذايدي في هذه الصحيفة، الجمعة الماضي، وقبل هذا نشر الأستاذ كامل الخطي مقالة في صحيفة «عكاظ»، نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تحت عنوان «الإسلام الحركي الشيعي يطل على القطيف مرة أخرى»، وهذان مقالان بالغا الأهمية، وجديران بالتعليق.
المقالان المهمان يشيران بوضوح لعملية نقدٍ شيعي داخلي يتسم بالعلم والموضوعية، ومبنيان على معلوماتٍ تفصيلية ورؤى تحليلية لا يتقنها غير الكاتبين الكريمين؛ حسن المصطفى ابن حركات الإسلام السياسي بشقها الشيعي، وقد خرج منها بسبب ثقافته واطلاعه وتجربته، وحوّل ذلك إلى نقدٍ وتحليلٍ مهمٍ، بينما كامل الخطي يقدم نقداً ثقافياً وفكرياً عميقاً، وإن لم ينتمِ لهذه الحركات يوماً.
النقد الشيعي الداخلي بغض النظر عن منطلقه وخلفية كاتبه الاجتماعية والفكرية هو ضرورة، وليس مجرد حاجة؛ فهو يختصر كثيراً من الجدل الذي قد يثيره تناول موضوعٍ بهذه الحساسية وبهذا التعقيد، والنقد الموجه للأقليات من داخلها يستوجب علماً وشجاعة أدبية تزيد عما يتحمله ناقد الأكثرية لأسباب متعددة دفعت كثيراً من المثقفين والمفكرين المنتمين لهذه الأقلية الكريمة إلى الإحجام عن تقديم أي نقدٍ حقيقي داخلي عبر سنواتٍ طويلة.
تهم كـ«شق الصف» و«الطعن في الظهر» جاهزة داخل أي أقلية لمن يغرد خارج السرب من أبنائها، ولمن يستشرف المستقبل ويراهن على الوطن ويحسم خياراته ويكون رائداً، والرائد لا يكذب أهله، وما فعله هذان الكاتبان يحرض غيرهما على سلوك الطريق ذاتها، ونشر عين الثقافة، وفي توسع النقد فتح لأبواب المعرفة وإخراج لجدالات كانت تدور في الظلام إلى النور، وهي أولى خطوات أي إصلاحٍ منشودٍ وتطويرٍ مستحقٍ.
تخوض السعودية تجربة انتقال حضاري كبرى في ظل «رؤية السعودية 2030»، والتطورات التي تشهدها السعودية في كل المجالات هي أشبه ما تكون بـ«الثورة»، لولا أن «الثورة» مفهومٌ سلبي في أبعاده الفلسفية والتاريخية إلا لدى بعض التيارات الآيديولوجية من يسارٍ وقومية وإسلامٍ سياسيٍ، والجانب الفكري لهذه الرؤية المبهرة يحتاج لمزيدٍ تركيزٍ وعملٍ وتنظيرٍ، ومن هنا تأتي أهمية ما طرحه المقالان من نقدٍ شيعي داخلي ربما تأخر، ولكنه وصل في النهاية، وأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي.
تخوض السعودية صراعاً سياسيا مع «النظام الإيراني» في المنطقة، وتقف ضد مشروعه التوسعي الإرهابي على جميع المستويات، وهي تدرك جيداً أن هذا المشروع التوسعي قام على مبدأ «تصدير الثورة»، وقد طوّره المرشد الحالي خامنئي ليعتمد على «الميليشيات» الشيعية و«جماعات الإسلام السياسي» و«تنظيمات العنف الديني» السنية والشيعية، وتستهدف إيران السعودية بشكلٍ معلنٍ وتركيزٍ آيديولوجي وطائفي واضحٍ، وميليشيا «حزب الله اللبناني» و«ميليشيا الحوثي» في اليمن خير مثالٍ على هذا الاستهداف، والنقد الشيعي الداخلي يكشف تفاصيل وأسماء التيارات المنتمية بوعي أو من دونه لهذا المشروع التوسعي الإيراني.
بسبب الإحساس بالحساسية الشديدة تجاه تناول موضوع الطائفية والمذهبية توقف كثيرٌ من النقد عن مساره الطبيعي، وتباطأ تطوره، والمثقف الشيعي هو مواطنٌ وإنسانٌ قبل كل شيء، يحدد مجالات اهتمامه وطبيعة طرحه بنفسه، وليس شرطاً أن يقدم نقداً داخلياً لطائفته الكريمة وبعض تياراتها حتى يؤدي دوره الثقافي المطلوب، ولكن أولئك الذي يختارون الطريق الصعب ويبذلون فكرهم وثقافتهم ونقدهم لمصلحة المواطن الشيعي ومصلحة الوطن، وإن تعرضوا للهجوم والتجريح، يستحقون الإشادة على جرأتهم وشجاعتهم وتصديهم لأدوارٍ قد تجلب لهم شيئاً من المصاعب.
كثيرٌ من الناس لا يعرفون الإرهابيين السعوديين أحمد المغسل وباقر النمر، ولا يعرفون كثيراً عن تيارات ورموز وعناصر «التنظيمات الإرهابية» الشيعية، وبعض وسائل الإعلام تجد حرجاً في تناول تفاصيل أدوار وجماعات ورموز هذه التنظيمات والتيارات الدينية الشيعية التي تقف وراءها وتشجعها أو تمهد لها الطريق، ولا يعرفون تفاصيل «الجمعيات» التي تجمع التبرعات أو التي تتحكم في مصارف «الخمس» والجهات التي ينتهي إليها، ومعرفة كل هذا واجب وطني يحمي المواطنين الشيعة أولاً، ويحمي الوطن ومكتسباته من أعداء الداخل والخارج.
في فترات سابقة، وبعدما تطوّرت «التنظيمات الإرهابية الشيعية» في بعض مناطق السعودية، شكّلت هذه التنظيمات في «العوامية» وغيرها تهديداً مباشراً، ومارست إرهاباً عنيفاً واضطهاداً ضاغطاً على المواطنين الشيعة في مدنهم وقراهم وحياتهم اليومية، فلم يكن دور هذه التنظيمات منصباً على تخطيط وتنفيذ الأعمال الإرهابية الكبرى الموجهة ضد الدولة فحسب، مثل تفجيرات «الصدف» أو تفجيرات «الخبر»، ولكن دورهم المسكوت عنه هو في التعامل المتطرف والعنيف ضد أبناء طائفتهم من المواطنين المسالمين والمبدعين في جميع المجالات.
حقوق المواطنة للأقليات راسخة في الدولة السعودية بأطوارها الثلاثة، وقد حرص عليها المؤسس الملك عبد العزيز، وثبّتها أبناؤه، وهي تزداد تطوراً مع رؤية 2030 ويسعى المتطرفون من «السنّة» و«الشيعة» للتشغيب على هذه الحقوق زيادة ونقصاناً، والمتطرفون يتغذون على بعضهم، وأصول الإسلام السياسي واحدة في الطرفين، وإن اختلفت بعض التفاصيل.
أخيراً، فالمواضيع ذات الحساسية الاجتماعية مثل «الطائفية» أو «القبلية» ونحوهما تحتاج في تناولها إلى العقل والحكمة والعلم والموضوعية، ولكن تناولها ضرورة حقيقية لبناء مستقبل أبهى وأزهى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية والنقد «الشيعي» الداخلي السعودية والنقد «الشيعي» الداخلي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon