توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السعودية و«القاعدة»... تغفر ولا تنسى

  مصر اليوم -

السعودية و«القاعدة» تغفر ولا تنسى

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

عشرون عاماً مرت على تفجيرات تنظيم «القاعدة» في مايو (أيار) 2003 بشرق الرياض، حين صدم الشعب السعودي بأبنائه وفلذات كبده ينشرون الخراب والدمار والقتل والدماء في أرجاء بلاده وبين مدنه وقراه وفي كل ربوعه، كانت الصدمة كبيرةً والحدث مروعاً.

حتى لا ننسى، فثمة قصص ثلاث تستحق أن تروى، إنها قصة كيف وصلنا إلى لحظة تفجر الإرهاب داخل السعودية، ثم قصة العمل البطولي والتاريخي في مواجهة الإرهاب حين استمر لسنواتٍ طويلةٍ وقاسيةٍ، ثم قصة الوصول إلى منبعه وقطع جذوره بالوعي والرؤية والمستقبل.

قصة التشدد والتطرف قديمة في التراث، وهي بدأت مبكراً في الإسلام مع فرقة الخوارج، ومن بعد افترق المسلمون فرقاً في العقيدة، ومذاهب في الفقه، ومدارس في السلوك، وفي لحظات التخلف كانت تطغى الخطابات المتشددة المنغلقة، وفي لحظات التحضر كانت تطغى خطابات الانفتاح والتسامح، وكعادة الدعوات التجديدية كان بعضها ينطوي على جيوب تطرفٍ وتشددٍ، إن لم تعالج فإنها تتفاقم وتتفشى.

كانت حركة «إخوان السبلة» حركة متشددةً لها داعمون ومنظرون دينيون جهلة ومتطرفون، وقضى عليها الملك عبد العزيز (1929)، وخرجت بعض الحركات المتشددة التي هاجمت مقر التلفزيون في الستينات، وخرجت جماعة «جهيمان» (1979)، التي احتلت الحرم المكي الشريف بالسلاح.

هذا في الشق المحلي من القصة المتعلق ببعض المتطرفين، أما في الشق الأصولي المنظم منها، فقد سعت جماعة الإخوان المسلمين المصرية التي نشأت عام 1928، لبناء علاقات مع السعودية، خلال الثلاثينات، ورفض الملك عبد العزيز بوعيه الحاد طلب حسن البنا مؤسس الجماعة، افتتاح فرعٍ لها في السعودية، ويذكر فؤاد شاكر هذه القصة بقوله: «كانت مواسم الحج تحفل بعلية القوم، من كبراء المسلمين وزعمائهم، وكان الشيخ حسن البنا، من شهود أحد هاتيك المواسم، فتقرب من الملك عبد العزيز، وقال لجلالته، ما معناه، إن هذا بلد إسلامي؛ هو عاصمة الإسلام، ونحن مسلمون وإخوان، وأريد أن تسمح لي بإنشاء شعبة للإخوان المسلمين في هذا البلد الأمين... لقد أجابه (عبد العزيز) في ابتسامة مشرقة، وفي حزمٍ قويٍ، جواباً مسكتاً لا ردّ له ولا تعقيب عليه، قال له: يا أخي، لماذا ننشئ في بلادنا تحزباً وعصبيةً، والحقيقة، أننا كلنا مسلمون وكلنا إخوان؟». وبعد ضرب عبد الناصر للجماعة في مصر بعد محاولة اغتياله في حادثة المنشية (1954)، لجأت للسعودية ودول الخليج وغيرها، وقامت قياداتها بإنشاء فروع للجماعة داخل السعودية، وتغلغلت في كثير من المؤسسات الحكومية والأهلية، وفي التربية والتعليم والجمعيات الخيرية وكل المجالات، وولدت من رحم الجماعة جماعاتٌ أخرى مثل «السرورية» و«السلفية الجهادية» مشكّلة ما يعرف بـ«الصحوة الإسلامية»، وبعد الأحداث الكبرى دولياً وإقليمياً وفي النصف الأول من التسعينات، كشّرت الصحوة عن أنيابها، وأعلنت معارضة سياسية للدولة وهجوماً شرساً ضد كل المختلفين معها من المجتمع.

في منتصف التسعينات، اعتقل رموز الصحوة وأوقف التهييج السياسي الديني ضد الدولة والمجتمع، وحدث «تفجير العليا» (1995)، وبغياب رموز الصحوة خرج تيار جديد عرف حينها بـ«تيار التنوير»، وتصاعد حضور تيار «السلفية الجهادية»، ودخلت «منتديات الإنترنت»، واصطدم «التنويريون» بكل تيارات الصحوة حتى حانت لحظة الحقيقية وحدثت تفجيرات شرق الرياض (مايو 2003).

القصة الثانية قصة المواجهة مع الإرهاب حين كشر عن أنيابه؛ وهي ملحمة حكومية مجتمعية إعلامية تستحق أن تروى، أبطالها رجالٌ صادقون حملوا أرواحهم فوق أكفهم دفاعاً عن الوطن والاستقرار والأمن والدين، وتوالت عمليات القتل والتفجير والتخريب والتفخيخ والاغتيال، وقد نجحت الدولة وهزم الإرهاب في النهاية، وكان طبيعياً أن تعتور تلك المرحلة أخطاء فردية أو أخطاء في الرؤية الكبرى لطبيعة المواجهة، وكشفت الدولة عن بعض الاختراقات، مثل الأدوار التي مارسها الخائن المعروف «سعد الجبري» من موقع المسؤولية في سنواتٍ عصيبةٍ على الدولة والمجتمع.

القصة الثالثة قصة تصنيف جماعات الإسلام السياسي جماعاتٍ إرهابيةً بقوة القانون؛ وهي اللحظة التاريخية المهمة التي وصلت فيها المواجهة مع الإرهاب إلى النقطة المهمة والحاسمة، ومع رؤية «السعودية 2030» وتصريحات عرّابها وقائدها الأمير محمد بن سلمان المكتوبة والمرئية داخلياً وخارجياً، فإن البوصلة واضحة والأولويات الوطنية النهضوية الطاغية على المشهد جلية، ويبقى جهد المؤسسات القائمة وجهد الأفراد كل في مجاله، في دعم وتمكين هذه الرؤية وقائدها من تحقيق المنجزات وصناعة المستقبل.

لقد تمت عمليات منظمة للعبث بهذا التاريخ المظلم، وأصدرت جماعات الإسلام السياسي وبعض عناصرها والمتعاطفين معها كتباً وأبحاثاً ومقالاتٍ للعبث بهذا التاريخ، وإعادة رسمه وكتابته بطريقة تدين كل أحدٍ إلا تيارات الإسلام السياسي ورموزه وخطابه، ولديهم مراكز دراساتٍ إقليمية وشبكاتٍ إعلامية ومواقع إلكترونية، ويستخدمون كل وسائل التواصل القديمة والحديثة لبث ذلك العبث ومواصلة التشويه ونشر الخلط المانع من الوعي في محاولات جادةٍ وحثيثة للبقاء في المشهد لحين العودة إليه حين تتغير الظروف.

خرافة «نهاية الصحوة» خرافة بالغة الضرر على المستقبل، ولنأخذ عبرةً بالأمم الحية والمتقدمة علماً ووعياً، فالدول الغربية بعد هزيمة «النازية» بسبعين عاماً ما زالت جامعاتها وأكاديمياتها ومراكز أبحاثها تنشر الكتب والرسائل العلمية ضد «النازية»، وما زالت وسائل إعلامها تنتج الأفلام الوثائقية والمسلسلات والأفلام الدرامية في هوليوود وغيرها ضد تلك الظاهرة البشعة في تاريخ الغرب وتاريخ البشرية، ولم تكفهم سبعة عقودٍ من الجهود المكثفة والعمل المتواصل حتى يتوقفوا أو يتراجعوا أو يقتنعوا بنهاية الفكرة وانقضائها.

بالخطأ أو التواطؤ يستسهل البعض الزعم أن سنيّات معدودةٍ قادرةٌ على القضاء على خطرٍ بحجم «النازية»، وأن «الصحوة» انتهت دون جهودٍ حقيقيةٍ مثمرةٍ ودون مشاريع علمية باقية، ودون منظومة متكاملة سياسياً وتشريعياً واجتماعياً وتعليمياً وثقافياً وإعلامياً وبحثياً، هذا أمرٌ دونه خرط القتاد، وهو لا يمكن أن يقف لأي جدلٍ علميٍ رصين.

حتى لا ننسى ولا نلدغ من الجحر نفسه مرتين فإنه يجب تحصين الأجيال الجديدة، التي ربما لا يعرف أكثرها تلك الجرائم والأخطار الكبرى ضدها وضد خطابها وآيديولوجيتها وتياراتها وجماعاتها، وضد الدول الداعمة لها إقليمياً ودولياً.

أخيراً، فإن الدول والأمم قد تغفر ولكنها لا تنسى، فمواجهة الأفكار والآيديولوجيات تحتاج استراتيجيات شاملة وممتدة تقضي على المشكلة وتحمي المنجز وتحصن الأجيال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية و«القاعدة» تغفر ولا تنسى السعودية و«القاعدة» تغفر ولا تنسى



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon