توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الربيع العربي»... الصناعة الثانية للفوضى

  مصر اليوم -

«الربيع العربي» الصناعة الثانية للفوضى

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

بعض الصور تختزل السياسة؛ قبل أيامٍ نقلت الفضائيات خطاب رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، في حضورٍ حاشدٍ من طهران، وعلى شاشة قناة «العربية» قسمت الشاشة لأربعة أقسامٍ؛ هنية من طهران، والمستمعون له في حضورٍ حاشدٍ من العراق ولبنان واليمن، فمحور المقاومة يعبّر عن حضوره في المشهد، وأنه لم ينتهِ بعد، ويخطط للمستقبل.

قبل أشهرٍ، بدأت أحداث غزة بعملية عسكرية لحركة «حماس» خارج العقل والمنطق في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وفي 8 من الشهر نفسه، نشر كاتب هذه السطور في هذه الصحيفة وهذه المساحة تعليقه على الحدث الساخن، بالقول: «فتِّش عن المستفيد تكتشف أبعاداً أكبر للقضية الساخنة، فمنذ سنواتٍ ومحور السلام ينتصر عربياً، ومحور المقاومة الإيراني يخسر، ولا حديث يعلو فوق حديث السلام والمستقبل والبناء والتنمية، وكان صمت محور المقاومة غريباً، وها هو يتحرك بنفس الطرق السابقة وفي نفس المكان وبذات الأيدي، والضحية الأكبر هو المواطن الفلسطيني المسكين في غزة المسكينة»، هكذا كان قبل أشهرٍ وبعد يومٍ واحد فقط من الحدث.

تبرَّأ محور المقاومة من أي علاقة بالحدث، وتبرأت قيادات «حماس» - الخارج منه، وتفذلك المتفذلكون من أدعياء التحليل السياسي في قراءة الحدث وأبعاده، وبرَّأوا محور المقاومة، واليوم تعلن طهران مسؤوليتها المباشرة عنه، وتحرّك أذرعها في المنطقة.

الأخطر من غزة هو استغلالها لحرق العالم العربي، من عدوٍ خارجي وعدوٍ داخليٍ، فنحن أمام إرهاصات ربيع عربي جديد تتم صناعته بنفس الأدوات وذات الداعمين وعين الفاعلين، ولئن كانت الأولويات في الربيع العربي المدمَّر قبل أكثر من عقدٍ من الزمان تقودها «جماعات الإسلام السياسي» وإيران وأوباما، ولكن تحت غطاء رقيق من مفاهيم حديثة مثل «الديمقراطية» و«الحقوق» لم تلبث أن تلاشت ورجع الأصل حينذاك، فإن الأولويات اليوم تتعلق بمحور المقاومة وجماعات الإسلام السياسي، ولكن تحت غطاء «القضية الفلسطينية»، هذه المرة من منظور جماعات الإسلام السياسي وحركة «حماس» لا من منظور الشعب الفلسطيني ودولته والدول والشعوب العربية، ولن تلبث أن تتلاشى ويعود التوجه صراحة لتخريب الدول العربية.

في خطاب قائد «حماس» من طهران، يوجه خطابه للشعوب العربية بشكل مباشر محرضاً إياها على صناعة الفوضى داخل بلدانها، بالتصعيد والتهييج والتخريب، ويخطب حسن نصر الله اللبناني قائد «حزب الله» من مكانٍ مجهولٍ يمجّد إيران ومحور المقاومة، واتحاد علماء المسلمين الإخواني الذي صنع تحديداً لهدم كل المؤسسات الدينية في العالم العربي يصدر بياناً يدعو إلى «الجهاد الشامل»، ويحرض الشعوب ضد حكوماتها، ويدعو للتظاهرات والمسيرات والاعتصامات في «جمعة الغضب»، كما سماها، وهذه تحركات تطابق بشكلٍ كبيرٍ ما جرى قبل عقدٍ ونيفٍ في الربيع العربي الأسود.

لا يتشكل الوعي ولا تتراكم المعرفة بتجارب الأفراد وخبراتهم، وإن كانت متفردة، ما لم يتم تبنيها من مؤسساتٍ ودولٍ ترعاها، ومن المهمات الجليلة التي لم تُنجَز رصد عامٍ قبل الربيع العربي المشؤوم؛ عام قبل الربيع السابق كان مليئاً بتحركات خطيرة لجماعات الإسلام السياسي ورموزها والدول الداعمة لها، ومترعاً بتحركات دولية وإقليمية للتحضير له، ولو تم رصد ذلك خلال السنوات الماضية بشكل علمي ومنهجيٍ، وتقديمه بشكل مكتوبٍ ومرئي ومسموعٍ، وطلب من منصات «السوشيال ميديا» ونجومها ترويجه والتقاط المعاني فيه لكان ذلك لبنة مهمة تساعد على بناء الوعي وتراكم التجربة، ومجالاً لتوسيع الرؤية في تفسير ما جرى وخير معينٍ على فهم ما يجري.

في أكثر من بلدٍ عربي تتمّ تحركاتٌ وتمهيدٌ لصناعة الفوضى من جديد، عبر خطبٍ وفتاوى وبياناتٍ وجمع تبرعاتٍ وعبر كل منصات «السوشيال ميديا» المختلفة، ويتم تسخين الأوضاع وإعادة صناعة السخط والإحباط، وتنظيمات الإرهاب تتحرك في روسيا وفي المنطقة، والميليشيات الطائفية تتأهب، والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان وعناصر الجماعة في الغرب تنشط وتتحرك، وجماعات الإسلام السياسي تزيد من تحركاتها في الدول التي لم تصنفها إرهابية كالكويت والبحرين والأردن والمغرب، ويعيدون ترتيب صفوفهم بقوة في السودان في ظل الحرب الأهلية والفوضى.

القنوات الإخبارية التابعة لمحور المقاومة ولجماعة الإخوان المسلمين تعاود خبرتها واحترافها في تحريض الشعوب العربية وتهييج المجتمعات، كما بدأ بعض الكتاب والمحللين السياسيين يتقافزون إلى محور المقاومة سراً وعلانية، ويمكن رصد ذلك بسهولة في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد بدأت بعض الأسماء في التعبير عن هذا الانقلاب الفكري والسياسي بلا مبررٍ، وستلحق بها غيرها إن لم تتم اليقظة وتسلط الأضواء على ما يجري.

ما جرى في الأردن من احتجاجاتٍ منظمة غيرت هدفها ووجهتها من موضوع غزة إلى الدولة الأردنية، والدولة الأردنية هي الدولة الوحيدة الباقية في بلاد الشام التي تمنّعت بقوتها ووحدتها ووعي قيادتها عن الرضوخ لتمدّد محور المقاومة إليها، وقد حذر الملك عبد الله الثاني قديماً وفي مطلع الألفية الجديدة من «الهلال الشيعي»، واتخذ مواقف قوية من حركة «حماس» داخل الأردن ومن فرع «الإخوان المسلمين» هناك، والأردن يخوض حرباً شرسة ضد الميليشيات الطائفية التي تحاول اقتحامه على طول الحدود مع سوريا والعراق.

في اتصالين هاتفيين مع ملك الأردن عبَّر رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة عن «وقوف الإمارات مع الأردن بما يصون أمنه ويحفظ استقراره»، كما عبَّر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان صراحة عن «دعم المملكة فيما تتخذه الحكومة الأردنية من إجراءات للحفاظ على أمن الأردن واستقراره»، مؤكداً على «وقوف المملكة مع الأردن الشقيق في هذه الظروف»، بحسب «وكالة الأنباء السعودية».

إسرائيل، رغم جرائمها في غزة، لا تتساهل مع تحركات إيران في المنطقة مثل أميركا، وضربتها العسكرية لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق مؤشرٌ على تصعيدٍ جديدٍ لمستوى المواجهة، وإيران وأتباعها في المنطقة حائرون؛ فإيران لن ترد على هذا الاستهداف المباشر لها ولسيادتها لأنها تدرك جيداً تبعات ذلك، كما لم ترد على استهدافاتٍ إسرائيلية لها في السابق، وستكتفي بتحريك أذرعها التابعة لها سنياً وشيعياً لمهاجمة الدول العربية حكوماتٍ وشعوباً.

أخيراً، فلن تخرج المنطقة من هذه الدائرة المفرغة إلا بصناعة أولويات جديدة ووعي حديثٍ يبتعد عن كل الأولويات الأصولية والطائفية ويتجه نحو البناء والتنمية والمنافسة على المستقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الربيع العربي» الصناعة الثانية للفوضى «الربيع العربي» الصناعة الثانية للفوضى



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon