توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السعودية والفضاء... طموح وتصميم

  مصر اليوم -

السعودية والفضاء طموح وتصميم

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

لحظات مدهشة تختطفها السعودية من فم الدهر، لتتوالى وتتراكم بانتظامٍ واستمرارية تبين عن عظم الرؤية وتماسك التخطيط وسلاسة الإنجازات، فتصنع حلماً وتبني أملاً وترشد أجيالاً، وتصنع نموذجاً جديداً.

بدأ العالم ببطء يستوعب معنى السعودية الجديدة، ودفع البعض من الدول والقيادات ضريبة عدم استيعابها مبكراً، فالإنجازات تتصف بالشمول والتكامل، وتنطلق من رؤية جامعة يدعمها قرار صارم، والدول لا تحتاج إلى أكثر من ذلك حين تدفعها رغبة جامحة للنهوض والترقي، والنموذج السعودي ما زال في طور البناء ولما يصل لمنتهاه بعد.

قصة العلم والتيارات المهيمنة في التاريخ العربي الحديث قصة طويلة، وهي ذات سياق خاص حين الحديث عن السعودية ودول الخليج العربي؛ فقد مرت بشباب الخليج تأثيراتٌ للتيارات الفكرية العربية السائدة في فترات زمنية مضت، فكانت القومية العربية وشعاراتها والشيوعية واليسارية ومزايداتها، ثم جاءت آيديولوجيات الإسلام السياسي واستمرت طويلاً، ولكن السعودية الدولة كانت تراهن على «العلم» أكثر وعلى «المعرفة»، وقد شهدت حراكاً ثقافياً وفكرياً استمر لعقودٍ مهَّد الطريق للنهضة التي تعيشها وتبنيها وتقودها السعودية الجديدة في المنطقة.

في عام 2007، نشر كاتب هذه السطور مقالة بعنوان «شمس ثقافة خليجية» جاء فيها ما نصه: «أحسب أن الحقبة المقبلة ستكون حقبة خليجية بجدارة، إن استمرت بعض المعطيات الحالية على ما هي عليه، وتمت تنميتها والاستثمار فيها». وهكذا كان، وبشكل لم يخطر ببال حينها، وما وصول ريانة برناوي وعلي القرني لـ«محطة الفضاء الدولية» إلا نتيجة لقصة طويلة توجتها «رؤية 2030» السعودية المبهرة.

القصة السعودية مع «الفضاء» هي أقدم القصص العربية؛ ففي منتصف الثمانينات كانت السعودية على موعد مع أول رائد فضاء عربي على الإطلاق، وهو الأمير سلطان بن سلمان الذي كان وصوله للفضاء حدثاً تاريخياً مهماً، وقد استأنفت السعودية المسيرة برؤية ولي عهدها، وأنشأت «هيئة الفضاء»، وبدأت برامج لإرسال الرواد إليه خدمةً للعلم وللبشرية وللوطن.

تابع السعوديون والعرب بشغفٍ لحظة تاريخية جديدة صُنِعت الأسبوع الماضي؛ بوصول أول رائدة فضاء سعودية عربية مسلمة إلى محطة الفضاء الدولية، هي العالمة ريانة برناوي، ورائد الفضاء السعودي الثاني علي القرني، وهما محملان بأحلام كبار وآمال عراضٍ، وكانت لحظة وصولهما لحظة تحكي بصدق تقدم دول الخليج العربي حقيقة وواقعاً بشكل لا مثيل له.

عند دخول الرائدين كان في استقبالهما رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي الذي سبقهما إلى المحطة، واحتفى بهما بطريقة خليجية خاصة، وقدم لهما «التمر»، الذي هو الغذاء الذي عاش عليه مواطنو الجزيرة العربية منذ قرون متطاولة وما زالوا، وهو رمز الكرم والضيافة والحفاوة، وكم هي لحظة معبرة كثفت التاريخ والحاضر والمستقبل في خدمة العلم والمعرفة والبشرية جمعاء.

ليس سراً أن السعودية والإمارات تتنافسان القمة عربياً في الوصول إلى النهضة والتقدم والرقي، وقد قالها ولي العهد السعودي صاحب الرؤية صراحة أمام الملأ قبل سنواتٍ، وما أعظمه مِن تنافس حين يكون في العلم والتقدم والمعرفة وخدمة الإنسانية، وتقود الدولتان اقتصادين ناجحين، وتنفقان بسخاء على التقدم، وفي الفضاء تحديداً لدى كلٍ منهما مسيرة عطرة، ورائدا فضاء، الأمير سلطان بن سلمان وعلي القرني سعودياً، وهزاع المنصوري وسلطان النيادي إماراتياً، وأول رائدة فضاء سعودية.

في مقطع موجزٍ ومكثفٍ شرح وزير الاتصالات وتقنية المعلومات عبد الله السواحة مهمة رائدي الفضاء السعوديين، وبماذا تخدم أبحاثهما البشرية في 3 مجالات رئيسية: علاج مرض السرطان وعلاج الالتهابات المزمنة والاستمطار، وأبان بتفصيل عن بؤرة البحث العلمي لكلٍ منها والتكامل بين رائدي الفضاء السعوديين والجامعات ومراكز البحوث السعودية والمؤسسات العالمية المعنية، وكل ذلك برؤية ودعم وتذليل للصعاب من ولي العهد السعودي مباشرة.

قصة الاستمطار قصة مهمة، وهي تكثف المعنى الذي تعبر عنه هذه الرحلة التاريخية علمياً وعملياً. السعودية بلد صحراوي، وفي رؤية السعودية 2030 اهتمام كبير بالمناخ والبيئة على جميع المستويات، وقد أطلق ولي العهد السعودية 3 مشاريع: «الرياض الخضراء» و«السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، وعمليات الاستمطار بدأت في السعودية منذ 2006 تقريباً، وصولاً للبرنامج الوطني للاستمطار والتجارب التي يجريها رائد الفضاء علي القرني، في «محطة الفضاء الدولية» تخدم هذه الرؤية وهذا المشروع بأبعاده المتعددة، ويستهدف رفع كفاءة الاستمطار بشكل ملحوظٍ في الفترة المقبلة، وهو مشروع سيخدم السعودية والمنطقة والعالم بأسره في المستقبل الذي ستصبح المياه فيه أغلى من كل شيء.

بُعد آخر أشار إليه الوزير السعودي، وهو فكرة خدمة البشرية في رؤاها المستقبلية لعمليات الاستمطار في كواكب أخرى، مثل المريخ، وهذا الشرح المبسط يوضح لكل متابعٍ الرؤيةَ والوعي الذي يقود مثل هذه التوجهات، والتفاصيل العلمية الدقيقة لكل تجربة، والنتائج المرجو تحققها مستقبلاً، وهو يسجل عودة تاريخية للعرب للمساهمة في التقدم الإنساني والبشري بعد انقطاع طويلٍ.

الكارهون للتقدم السعودي في كل المجالات كثيرون، ولكلٍ أسبابه، وهم ينتقدون إنفاق السعودية على العلم والمعرفة بشكل مخجلٍ، بينما بلدانهم تنفق أضعاف ما تنفقه السعودية لتقتل شعوبها، وتثير الحروب والصراعات والفوضى، وتياراتهم الفكرية عكفت عقوداً على خلق الكراهية والشعارات والمزايدات الفجة، وهذه المقارنة السريعة هي أبلغ ردٍ على كل هذا التحشيد المغرض المفضوح.

لحظات الفخار الوطني في تواريخ الأمم والشعوب حرية بالاحتفاء والاحتفال والتمجيد. إنها تلهم الأجيال وتوقد الوطنية وتجمع الصفوف وتوحد الجهود. إنها قبس من نورٍ يهدي وطاقة من حماسة تدفع للمزيد، وهنيئاً لمن كان فخاره الوطني دافعاً للمستقبل والتقدم والرقي لا للكراهية والفوضى والدمار.

رائدا الفضاء السعوديان ورائد الفضاء الإماراتي يرسلون صوراً ومقاطع متكررة ويومية تظهر بالصوت والصورة والنقاش الهادئ مبادئ وحقائق علمية لا تدع للخرافة ولا للمخرفين مجالاً سوى الانزواء في المناطق المظلمة من التاريخ والواقع، وهذا يحرق مراحل في تاريخ الأمم والشعوب، ويفتح للأجيال الجديدة طرقاً رحبة ومسالك مختلفة للمستقبل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية والفضاء طموح وتصميم السعودية والفضاء طموح وتصميم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon