بقلم :عبدالله بن بجاد العتيبي
«لا صوت يعلو فوق صوت كورونا» هو الشعار الأبرز لعام 2020 حتى الآن، فلم يزل هذا الفيروس الخطير حديث العالم وعلمائه ومفكريه وسياسييه، وكل طبقات الشعوب والأمم؛ بوصفه الوباء الذي أبان ضعف الاهتمام الدولي اللازم بالشؤون الصحية ومراكز أبحاثها وعلمائها وباحثيها، وهو ما سيتغير بعد انقضاء هذا الفيروس، وإيجاد العلاج واللقاح اللازمين، لجعله أحد الأمراض المنتهية من حياة البشر كغيره من الأوبئة والجوائح السابقة.
نشرت «وكالة الأنباء الإماراتية» (وام)، في اليوم الأول من شهر مايو (أيار)، خبراً مهماً على المستوى الدولي في مواجهة التحدي الأكبر الذي يواجه البشرية اليوم، وهو تفشي وباء «كورونا»، وقالت ما نصه: «تم منح براءة اختراع من قبل وزارة الاقتصاد، لعلاج بالخلايا الجذعية مبتكر وواعد لالتهابات فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19). وقد قام بتطوير هذا العلاج فريق من الأطباء والباحثين في (مركز أبوظبي للخلايا الجذعية)، ويتضمن استخراج الخلايا الجذعية من دم المريض وإعادة إدخالها بعد تنشيطها. مُنحت براءة الاختراع للطريقة المبتكرة التي يتم فيها جمع الخلايا الجذعية»، وأضافت الوكالة أنه قد «تمَّت تجربة العلاج في الدولة على 73 حالة، وشُفيت، وظهرت نتيجة الفحص سلبية، بعد إدخال العلاج إلى الرئتين من خلال استنشاقه بواسطة رذاذ ناعم. ومن المفتَرَض أن يكون تأثيره العلاجي عن طريق تجديد خلايا الرئة وتعديل استجابتها المناعية، لمنعها من المبالغة في رد الفعل على عدوى (كوفيد – 19)، والتسبب في إلحاق الضرر بالمزيد من الخلايا السليمة».
هذا النقل، رغم طوله النسبي، مهم لتوضيح تفاصيل الخبر الذي سيكون في صدارة أولويات العالم بأسره حين اكتمال البروتوكولات اللازمة لاعتماده، وحينها سيتغير العالم، وسيتم تسجيل الإنجاز التاريخي لدولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة الخليجية والعربية التي لم تزل تسجّل الإنجازات في مختلف المجالات، وسيكون هذا الإنجاز الإنساني في مقدمة الإنجازات التي سيخلدها التاريخ.
كما نقلت الوكالة أنه «وقد خضع العلاج للمرحلة الأولى من التجارب السريرية واجتازها بنجاح، مما يدل على سلامته»، وأكملت باستمرار «التجارب لإثبات فعالية العلاج. ومن المتوقَّع أن تستكمل في غضون أسبوعين»، وهذا قبسٌ من أمل للقضاء على الفيروس بطريقة مبتكرة وتفكير خارج الصندوق.
سينتهي فيروس «كورونا» كما انتهت الأوبئة من قبله بانتصار البشرية وهزيمة الوباء، وكم سيكون عظيماً أن يتم اختراع الدواء في دولة عربية يُسجل باسمها تاريخياً، ويبعث رسالة للعالم أجمع بأن البشرية كلها متحدة في مواجهة فيروس بهذا القدر من الخطورة، خاصة أن «كورونا» في القرن الحادي والعشرين قد أعاد البشرية قروناً إلى الوراء، وعزل البشر، وباعد بينهم، ومنع تواصلهم الطبيعي.
في كثير من دول العالم، اتجهت غالب مراكز الأبحاث المتخصصة إلى مسابقة الزمن في إنتاج أي دواء يعيد البشر لطبيعتهم، ويهزم هذا الداء العضال، وينهي معاناة البشرية، ويمكّنها من العودة إلى الحياة الطبيعية.
هناك جهود حثيثة في كل دول العالم لإنتاج الدواء المضاد لهذا الفيروس، وبطبيعة الحال وبحكم الإمكانيات والقدرات وكذلك الضرورة، فإن الولايات المتحدة تبدو مهيأة أكثر من غيرها لإنتاج ذلك الدواء، أو اعتماد بعض الأدوية المستعملة لأوبئة قديمة لعلاج فيروس «كورونا المستجد»، وهناك تجارب في الصين وألمانيا وفرنسا، وفي أكسفورد في بريطانيا، بمشاركة فريق علمي سعودي، وأياً كان مَن سيجد العلاج فإنه سيُخلّد في التاريخ دون شكٍ.
ما جعل هذا الخبر مهماً هو الاهتمام البالغ من قيادة الإمارات للاحتفاء بهذا العلاج المبتكر والواعد، حيث تحدثت القيادة من رئيس الدولة ونائبه ومحمد بن زايد عن «خالص شكرهم وتقديرهم وشعب الإمارات لفريق الأطباء والباحثين والعاملين في مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، على جهده الكبير في التوصل إلى هذا الإنجاز العلمي»، وكم كان التواضع العلمي مهمّاً باعتبار أن هذا الإنجاز «من شأنه أن يساهم ضمن الجهود الدولية التي تُبذل حالياً للقضاء على فيروس (كورونا المستجد)».
في مواجهة هذا الفيروس اتحدت البشرية جمعاء، وذهبت الفروق التي فرضتها الهويات القديمة أدراج الرياح؛ فالكل يسعى لخدمة الكل، والجميع يسعى للحفاظ على صحة الجميع، فالمجد هنا للعلماء والأطباء والباحثين بغض النظر عن انتماءاتهم، ومهما اختلفت أديانهم وأعراقهم ومذاهبهم، فلا صوت يعلو على صوت العلم في مواجهة صوت «كورونا» المزعج، والتسامح والتعايش الذي وصلت له البشرية بالعلم والعقل أصبح يفرض نفسه بسبب الحاجة والضرورة.
إحدى المشاكل المستقبلية في هذا السياق، هي أن ما تفرضه الضرورة قد ينتهي بانتهائها، وبالتالي فإن جهود نشر التسامح والتعايش يجب أن تستمر بعد القضاء على «كورونا» لتوسيع نطاقها، وتثبيت مكتسباتها قدر الإمكان، والبناء عليها لبناء مستقبل أفضل للبشرية جمعاء.
قدوم مثل هذا الخبر المفرح من الإمارات، دليلٌ على نجاح رؤية دول الخليج العربي منذ عقودٍ في التركيز على الاستثمار في الإنسان، والحرص على ابتعاث الشباب لكل دول العالم المتقدمة وجامعاتها المميزة، والاستثمار الكبير في التعليم وبناء مؤسساته العامة والعليا التي تتيح مشاركة العالم في نجاحاته وأزماته على حدٍ سواء.
اليوم، تشهد جامعات العالم ومستشفياته على مئات الشباب من دول الخليج، خصوصاً السعودية، بالمساعدة المباشرة في مواجهة فيروس «كورونا»، وهذا ليس نتيجة استثمار عامٍ أو عامين، بل نتيجة رؤية بعيدة المدى بُنِيت على الاستثمار في العقول، وعندما جاءت الضرورة كانت المشاركة فاعلة على المستوى الدولي.
منذ سنواتٍ طويلة والخليج العربي أصبح قائداً في العالم العربي؛ في التعليم والعلم، وفي المؤسسات الرسمية، كما في الثقافة والقوة الاقتصادية والسياسية، بل والعسكرية، وقد انتقل إليها مركز الثقل العربي في جميع المجالات، وقد تمت الإشارة لهذا مراراً في هذه المساحة.
أخيراً، فهل يمكن لدولة مثل الإمارات أن تقود العالم في إيجاد دواء ناجع لهذا الفيروس؟ هذا سؤال سيطرحه كثير من المشككين، خصوصاً أعداء الإمارات ودول الخليج الرائدة في المنطقة، من عملاء إيران وكوادر جماعة الإخوان، وأيتام اليسار العالمي. ولكنّ الجواب السهل والمباشر هو: نعم وبالتأكيد؛ فالعلم ليس حصراً على أحدٍ، بل هو للمجتهد القادر الذي يمتلك أدوات العلم والإنجاز.