توقيت القاهرة المحلي 17:00:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الداعشيات» يعزفن ويغنين

  مصر اليوم -

«الداعشيات» يعزفن ويغنين

بقلم: عبدالله بن بجاد العتيبي

شيء جميل يحدث في سجون المباحث العامة السعودية، سجناء الإرهاب و«إدارة الوقت» تجربة تستحق أن تروى، ونموذج مختلفٌ يسترعي الانتباه في رؤيته الفكرية والسياسية والأمنية التي يمكن للجميع الحكم عليها بمجرد معرفتها.
الحدث هو «المهرجان الثالث لبرنامج إدارة الوقت» مهرجان فنيٌ يشتمل على الغناء والعزف على الآلات الموسيقية وفيلم قصير ومسرحية درامية.. المغنون والمغنيات والعازفون والعازفات والممثلون والممثلات، جميعهم من سجناء تنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين و«خلايا إيران» الإرهابية، والحضور الذين امتلأ بهم «المسرح» لفيفٌ من الإعلاميين والفنانين والمسؤولين من جهاتٍ متعددةٍ.
فيما مضى، وقبل اثنين وثلاثين عاماً، كان كاتب هذه السطور سجيناً في نفس المكان، بتهمة «تكفير الدولة» وكان الترفيه الوحيد الذي نحظى به حينذاك هو إنشاد «الزامل» اليمني بكلمات تتغنى بـ«الجهاد» يقوم بها السجناء في غرفهم المغلقة، وقبل 7 سنواتٍ تقريباً بدأ «برنامج إدارة الوقت» وبدأ النموذج يتشكل ويتطوّر.
قبل سنواتٍ ثلاثٍ، زرت نفس المكان، واطلعت على «سجنٍ» ليس كالسجون، يسكنه «نزلاء» لا «سجناء» كما هي التسمية المعتمدة هناك، والتقيت بعازفٍ على «العود» وآخر على «البيانو» وثالث يغنّي بصوت جميل، وتجوّلت على غرف «إدارة الوقت» التي يقضي فيها النزلاء محكوميتهم، وهي غرفٌ «جماعية» فيها تجهيزاتٌ وخدماتٌ خاصةٌ «تشميس خاصٌ» تضمن حداً معيناً من الرفاهية في مثل هذه الظروف، ولديهم «مقهى» و«مكتبة» يجتمع فيهما أهل الغرف جميعاً، ولديهم نشاط خارج الأسوار يشمل «الزراعة» و«الحدادة» و«النجارة»، ومرسمٌ فنيٌ، وعندهم «نشرة إعلامية» مطبوعةٌ يحررونها بأنفسهم، و«أستوديو» احترافي للتسجيلات، وكتبت لهم في مرة تلك النشرة: كنت قبلكم هنا، أتمنى لكم التوفيق.
قبل أيامٍ، وفي المهرجان، تغنّى سجناء وسجينات «القاعدة» و«داعش» ببعض الأغاني الوطنية المشهورة، وقاموا بغناء أغنية من كلماتهم وألحانهم تشيد بالوطن ومنجزاته و«رؤية السعودية 2030» وجاء ذكر «الرؤية» في المسرحية كمشروعٍ عمليٍ طموح مع غمزٍ ساخر ممن يعتمد على «رؤيا» المنام لتبرير الإرهاب ويتركون «رؤية» الواقع التي تقود السعودية نحو المستقبل.
السؤال هنا، هل هذا كافٍ؟ هل هؤلاء الشباب والشابات صادقون في تغيرهم وتحوّلهم؟ أم أنه مجرد تعايشٍ مع ظروفهم؟ وللجواب اتجاهان؛ الاتجاه الإنساني الذي يتمنى فيه الجميع أن يكونوا صادقين ومقتنعين، والاتجاه الأمني الذي لا يثق بسهولةٍ في مثل هذه التغيرات ضمن ظرفها الطبيعي، ولكن من تحدث مع هؤلاء «النزلاء» لا يستطيع إنكار الحرارة التي يتحدث بها بعضهم.
المسار القانوني أساسٌ، فبعض هؤلاء قد ارتكب «جرائم» وشارك في عملياتٍ «إرهابيةٍ» وصدرت بحقهم أحكام قانونية نافذةٌ، وعليهم «ضريبةٌ» يدفعونها للدولة والمجتمع، وهذه لا نقاش فيها، فهم في هذا المكان تنفيذاً لتلك الأحكام ودفعاً لتلك الضريبة.
هؤلاء «النزلاء» هم ضحيةٌ لخطابٍ آيديولوجيٍ متطرفٍ عاث في البلاد طولاً وعرضاً وفي عقول الشباب عقوداً، وهم ضحيةٌ لنماذج «مناصحة» فاشلةٍ أخرجت أمثالهم سابقاً فعادوا إلى الإرهاب مجدداً، وعلى الرغم من ذلك فيمكن تناول هذا الملف برؤية «أمنية سياسية» و«اجتماعية نفسية» قادرة على الفرز بين من يستحق تعجيل منحه «فرصة ثانية» ومن يجب أن يقضي مدة حكمه كاملة، ولكن هذه المرة من دون تدخلٍ من «صنّاع التطرف» ورموزه مطلقاً.
«برنامج إدارة الوقت» استقطب أكثر من خمسين في المائة من هؤلاء «النزلاء» وهي نتيجة مشجعة مقارنةٌ بالشحن الفكري والعاطفي والحماسي الذي أوصلهم لهذا المكان بدايةً، وهو برسم التطوير الدائم.
«صناعة الفخر» وتعزيز «الهوية الوطنية» وتحقيق «المنجزات» قادرةٌ على تغيير العقول والقلوب، ونجاحات مشاريع «رؤية 2030» وبرامجها المساندة التي تملأ عقول السعوديين وقلوبهم تؤثر بهذه الدرجة أو تلك في هؤلاء أيضاً، وأذكر قبل أكثر من ثلاثة عقودٍ عندما كنت «نزيلاً» في هذا المكان، كان معنا ضابطٌ عراقيٌ بعثيٌ أخذ يتهجم على «السعودية» بكلامٍ سيئ فثارت «حميةٌ وطنيةٌ» لدى شباب دخل السجن أصلاً لأنه «يكفّر» هذه الدولة، وهذه مفارقة تحتاج التأمل.
يمكن لمن حضر هذا «المهرجان» أن يستوعب حجم الجهد الفكري والأمني والإنساني المبذول لإنجاحه، ولكن الناقد بصيرٌ، والمراقب ليس كمن يده في العمل رؤيةً وتخطيطاً وتنفيذاً، ففنياً، وقتُ المهرجان يمكن اختصاره إلى النصف لمزيد إتقان وتشويقٍ، وفقراته توضح ضعف الحصيلة العلمية لدى المشاركين فيه من «النزلاء» «شرعياً» و«لغوياً» وهذا ضعفٌ يمكن تفهمه وإدراك أسبابه، ويمكن تداركه.
في الوقت الضيق الذي تلا نهاية المهرجان تسنى لي الحديث مع عناصر الحدث عزفاً وغناءً وتمثيلاً من «النزلاء» ولم يكن مستغرباً أنهم يعرفونني بالاسم و«الكنية» وقرأ عليّ أحدهم ما كتبه عنّي في كتابٍ كتبه داخل «الحائر» ناقداً للصحوة والإرهاب، وأنه اعتقد لفترةٍ أن «مركز المسبار للدراسات والبحوث» الذي شاركت في تأسيسه وإدارته في سنواتٍ سابقة هو عبارة عن «حوزةٍ ليبرالية» ولا يخفى ما تكتنزه هذه العبارة من أبعادٍ مذهبيةٍ وفكريةٍ وسياسيةٍ.
كان الحرص ظاهراً لدى غالبيتهم برغبةٍ صادقةٍ للحديث معي، وكنت بدوري حريصاً على ذلك، وقد استأذنت المسؤولين عن «برنامج إدارة الوقت» و«المباحث العامة» فأبدوا الترحيب بهذه الخطوة، وأحسب ولا أجزم أن بعضهم وإن اختلف معي - كما حرص بعضهم على التأكيد - إلا أنهم ربما وجدوا قدرة على فهمهم بحكم «التجربة» و«الخبرة» وربما «التشابه» في مرحلة قديمة سابقة.
«برنامج إدارة الوقت» مشروعٌ يمثل تجربةً أمنيةً وسياسيةً متكاملة الأطراف للتعامل مع هذه الشريحة من المجتمع التي انخرطت في الإرهاب إلى أقصى حدوده، وهو يستحق أولاً الكتابة عنه ممن صنعوه فكراً ورؤية وطبقوه عملياً في سجون المباحث العامة في السعودية، ويستحق ثانياً جعله نموذجاً يحتذى به حول العالم في التعامل مع هذه الشريحة من المجتمع.
هناك نماذج عربية وإسلامية وغربية سابقة، أشهرها «سجن أبو غريب» و«سجن غوانتنامو» الأميركيان، وهما نموذجان أثارا وما زالا يثيران الكثير من الجدل، ونتائجهما غير مُرضية وفي بعضها وخيمةٌ.
أخيراً، فالأمن أولاً بلا جدالٍ، ولكن مسؤولاً أمنياً كبيراً أكّد أنه من المهم أن يعلم هؤلاء «النزلاء» أنهم ليسوا مكروهين من «الدولة» و«المجتمع» وأنهم ينفذون أحكاماً قانونية، ومن المهم - بحسبه - أن يعرف الجميع الفرق بين «الجريمة الغريزية» و«الجريمة الآيديولوجية».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الداعشيات» يعزفن ويغنين «الداعشيات» يعزفن ويغنين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon