توقيت القاهرة المحلي 14:49:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الاتفاق النووي» وصعود الأصوليات

  مصر اليوم -

«الاتفاق النووي» وصعود الأصوليات

بقلم :عبدالله بن بجاد العتيبي

الأصوليات تمرض، ولكنَّها لا تموت. هذا بكل بساطة ما يقوله التاريخ والمنطق، فالأصوليات الأوروبية لم تنتهِ وما زال لها أنصارٌ ومؤيدون، ورغم كل التقدُّم البشري والوعي العميق، فإنَّها لم تتلاشَ، وإن كانت على هامش التاريخ اليوم.
الأصوليات المنتسبة للإسلام في منطقة الشرق الأوسط والعالم لم تنتهِ كذلك، وهي أكثر حضوراً من سابقتها في الواقع المعيش بحكم الجِدة وقصر العمر نسبياً، وقد ظنَّ البعض أنَّها انتهت بمجرد تصنيف جماعاتها وتنظيماتها إرهابية في بعض الدول العربية، والأمر ليس كذلك للأسف.
الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما كانت لديه رؤية في هذا الموضوع؛ فهو يرى أنَّ مواجهة هذه الأصوليات غير مفيدة، وبالتالي فالأفضل هو التحالف معها، كما فعل فيما كان يُعرف بالربيع العربي، وتحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين، ودعم وصول الأصوليين للحكم في الدول العربية، أو التصالح معها، كما فعل مع النظام الثيوقراطي الإيراني في «الاتفاق النووي».
ما يشي بصعودٍ جديدٍ للأصوليات هو مواقف الإدارة الأميركية تجاه رفض تصنيف الإرهابيين الصريحين بالإرهاب، فضلاً عن الجماعات الأصولية الأوسع انتشاراً، وذلك في الموقف من ميليشيا الحوثي في اليمن، التي تمّ سحب تصنيفها إرهابية، ويمكن تفهُّم الحاجات العملية لذلك، لو لم يقف وراءه ترسانة من التنظير والرؤية لمثل هذا الاتجاه.
تكاثف الأحداث وسرعتها يساعد على سهولة رصد التناقضات، والنظام الإيراني يخاف ولا يستحي، بمعنى أنه حيث كان خائفاً في مرحلة الرئيس الأميركي ترمب كان يترقب ويتبرأ من الأعمال الإرهابية علناً وبسرعة، ويأمر الجماعات الإرهابية التابعة له، سنية كانت أم شيعية، بالتروي والهدوء، ولكنه بمجرد تغير الإدارة الأميركية، أقام سوق الإرهاب على قدميه، ونشر التخريب والصواريخ الباليستية والمسيّرات، وحرّك الميليشيات في كل مكانٍ، وصعّد من تطوير السلاح النووي، وتبجّح بمنع المفتشين الدوليين من أداء أدوارهم المنوطة بهم، لأن مَن أمن العقوبة أساء الأدب.
بالمقابل، تضخَّم دور الرسائل السياسية مع النظام الإيراني من أميركا والدول الأوروبية، وأصبحت الدول الأوروبية تتسابق في الوساطة بين أميركا وإيران، وتدفع باتجاه استعادة الاتفاق النووي بأي شكل وأي صيغة، وكأنَّ هذا الاتفاق المعيب والسيئ هو طوق النجاة الوحيد للمنطقة والعالم، والنظام الإيراني وحده هو مَن يملك هذا الطوق، ولظروفٍ متعددة بدت بعض هذه الدول وكأنها تستجدي وتتوسل.
ستدفع الدول الغربية مستقبلاً ثمن تساهلها مع الأصوليات التي تغلغلت داخل مجتمعاتها ومؤسساتها السياسية عبر عقود من الزمن، وستكتشف لاحقاً مدى خطورة هذا التساهل والتراخي، كما اكتشفت فرنسا من قبل، والخطر على الدول الغربية أصبح أكبر من الخطر على الدول العربية، بعدما أصبحت تلك الدول هي مركز الثقل للجماعات الأصولية المسلمة، وليس الدول العربية.
صحيح أنَّ ثمة تصريحات عاقلة تأتي من أميركا والدول الأوروبية، وتتحدث عن خطر النووي الإيراني وخطر دعم الإرهاب ونشر الميليشيات الطائفة المسلحة، وبدرجة أقل رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولكن هذا أقرب ما يكون لذرّ الرماد في العيون، وذلك بحكم التجربة؛ فقبل التوقيع على الاتفاق النووي المشين كانت مثل هذه التصريحات متداولة، وكانت أشبه بالتغطية على المصيبة التي حدثت لاحقاً، والعهد قريب، والتفاصيل حاضرة.
التصريحات الغربية، مؤسساتٍ ودولاً، كلها تدفع بنفس الاتجاه؛ فوكالة الطاقة الذرية سترفع تقريراً «لاذعاً» بعد العثور على اليورانيوم في بعض المواقع الإيرانية، وتبدو المستشارة الألمانية ميركل أكثر المتحمسين لاستعادة الاتفاق النووي، مع أنها «قلقة» بخصوص انتهاكات طهران، والبيت الأبيض يقول إن الإدارة الأميركية «لا تخطط» لرفع العقوبات عن النظام الإيراني قبل محادثاتٍ مع أوروبا، ووزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية يتحدث عن أنه «لا ينبغي على الغرب إرسال إشارات توحي بأنه مستعد للتغاضي عن خروقات طهران».
هذه مجرد نماذج سريعة من التصريحات التي لا تقول شيئاً، ولها مثيلات أكثر توضح مدى الجدية في التعامل مع النظام الإيراني، وكيف أن استخدام بعض المصطلحات هو للإيحاء بوجود موقف سياسي حازم، بينما الأمر لا يبدو كذلك بأي حالٍ من الأحوال.
من دون موقف حاسم وحازم من سياسات النظام الإيراني المعادية، فإنَّ الدول الغربية لا تصنع شيئاً سوى تأجيل الشر لا إلغائه، وكان الخلل الكبير سابقاً في الاتفاق النووي هو تغاضيه عن صواريخ إيران الباليستية وتدخلاتها في الدول العربية، ويبدو التهافت على الاجتماع مع إيران أسرع من إلزامها؛ فهاتان المسألتان المهمتان.
كل ما تصنعه إيران اليوم على الأرض، وعبر التصريحات، هو محاولة الانعتاق بأسرع وقت ممكن من العقوبات القاسية التي فرضتها إدارة ترمب عليها، وتسببت بمشكلات حقيقية للنظام الإيراني، ويبدو أن أميركا مستعدة لذلك منذ البداية، وواضح أن رفع العقوبات، ولو جزئياً، سيمنح إيران متنفساً لتطيل التفاوض لسنواتٍ مقبلة، من دون أي التزاماتٍ حقيقية.
الأصوليات المعاصرة مرتبطة بالنظام الإيراني، شيعية كانت أم سنية، وجماعة الإخوان وجماعات الإسلام السياسي التي هي الجذر الحقيقي للإرهاب متحالفة بشكل كامل مع هذا النظام، وبالتالي فستشهد المرحلة المقبلة انتعاشاً وصعوداً لهذه الأصوليات، وسيكون على العالم أن يشاهد ويراقب هذا الصعود الأصولي، من دون قدرة حقيقية على التعامل معه.
قائمة الأسماء والمناصب والملفات في الإدارة الأميركية توحي بسعي لاستعادة المواقف القديمة من النظام الإيراني، فالفرد قد يتغير، ولكن المجموعات ذات الخطاب المعلَن لا تفعل، ومن الجيد معرفة التوجهات السياسية والرؤى الحاكمة لها، والتعامل معها كما هي من دون سعي لتزيينها أو التهوين من شأنها، لأن ذلك وحده حاكم على نجاح المساعي الجادة لمواجهة المواقف والسياسات المقبلة، وحماية المصالح الضرورية والحيوية.
العلاقات مع الحلفاء الغربيين مرت عبر عقودٍ طويلة بشد وجذب واتفاق واختلاف، وهذا شأن السياسة على الدوام، وهي ستستمر كذلك في المستقبل، ومصالح الحلفاء تختلف، والأولويات تتباين، وعلى الأرض ثمة واقع جديد وأوراق متعددة، والقوى الدولية لها توجهات واستراتيجيات مختلفة، والمستقبل مفتوح على جميع الخيارات.
أخيراً، صرّح الرئيس الأميركي جو بايدن في «مؤتمر ميونيخ للأمن»، الجمعة الماضي، بأن على الولايات المتحدة العمل مع القوى الكبرى في العالم للتعامل مع أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، وهذا جيدٌ، وستبقى معرفة كيف سيكون هذا التعامل لاستبانة المشهد بتفاصيل أدق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الاتفاق النووي» وصعود الأصوليات «الاتفاق النووي» وصعود الأصوليات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon