توقيت القاهرة المحلي 05:04:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران وتركيا: الخلاف لا الصدام

  مصر اليوم -

إيران وتركيا الخلاف لا الصدام

بقلم :عبدالله بن بجاد العتيبي

بوادر خلافٍ بين تركيا وإيران تلوح في الأفق، وهما الدولتان المتحالفتان في مشروعين متكاملين لنشر الفوضى والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، فمشروع إيران الطائفي لا يختلف كثيراً عن مشروع تركيا الأصولي، وهما تعملان معاً في مواجهة مشروع الاستقرار والاعتدال العربي.
سبب الخلاف قصيدة لشاعر أذربيجاني استشهد بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بمناسبة احتفال أذربيجان بانتصارها في صراعها مع أرمينيا في حرب دعمتها تركيا منذ البداية.
والقصيدة تذكر أجزاء من أذربيجان تقع ضمن الدولة الإيرانية، ما أشعل الغضب الإيراني، وذكّر ببعض إحن التاريخ التي لا تنطفي بين تركيا وإيران، تركيا وارثة العثمانيين وإيران وارثة الصفويين. وكم هو مثيرٌ ما نقلته هذه الصحيفة في عدد الجمعة الماضي عن إيران، من أنه «تم إبلاغ السفير التركي أن (حقبة ادعاء السيادة على الأراضي، والترويج للحرب والإمبراطوريات التوسعية، قد ولت)، وفقاً للخارجية التي أشارت إلى أن إيران (لا تسمح لأحد بالتدخل في وحدة أراضيها)».
من كان يتخيل أن النظام الإيراني، صاحب استراتيجية التوسع وبسط الهيمنة وانتهاك سيادة الدول، يتحدث عن رفضه للترويج للحرب والإمبراطوريات التوسعية؟! وفي التاريخ عجائب وعبر؛ واصطدام مشروعين توسعيين ببعضهما جدير بالمراقبة.
الأقرب أن هذا الخلاف، رغم التصعيد الحالي، سيجد طريقه للحل قريباً، فالدولتان ليستا مستعدتين للصراع، فلدى كل منهما مشروعٌ توسعي داعمٌ لاحتلال الدول ونشر الفوضى وبث الإرهاب، ولكن بعض الأحداث السياسية توقظ التاريخ المغفل والفتنة النائمة، والتاريخ يتم استحضاره بقوة في المشروعين التوسعيين الاستعماريين لكل من الدولتين، وإنْ تحت شعارات متناقضة.
يفتك فيروس كورونا بالشعبين الإيراني والتركي بعشرات الآلاف من الإصابات يومياً، ويسجل البلدان أرقام إصابات مرتفعة جداً، في مقابل كثير من دول العالم، ومع ذلك فالنظامان السياسيان في البلدين مشغولان بأوهام التوسع وبسط النفوذ، وهما يخضعان لعقوبات قاسية بالنسبة لإيران، وأميركا وأوروبا تتجهان لفرض عقوباتٍ جديدةٍ على تركيا.
العقوبات أثرت سلباً على النظام الإيراني، وستؤثر سلباً على النظام التركي مستقبلاً، ما لم يتخليا عن مشاريع التوسع، والعودة لاحترام القوانين الدولية الراسخة، ويقرّا باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. واقتصاد البلدين شبه المنهار خير دليل على فشل سياسات التوسع وبسط الهيمنة. ولئن كان النظام الإيراني منبوذاً منذ عقودٍ، فإن تركيا تتجه لتصبح مثله، ما لم تنقذ نفسها من تلك السياسات العقيمة.
الليرة التركية بلغت انحداراً قياسياً تاريخياً، وهي مهددة بانهيارات أكثر فيما لو تم تطبيق عقوباتٍ أميركيةٍ - أوروبيةٍ على تركيا، وهو ما سيضمن فشلاً ذريعاً لكل سياسات إردوغان، وسيقوي مواقف معارضيه السياسيين داخل تركيا، خاصة بعدما بدأ التذمر الداخلي من سياسات إردوغان وحزبه يأخذ شكلاً أكثر حدة، وأثراً أكثر شمولاً، بين صفوف الشعب التركي وأحزابه وسياسييه.
رغم كل التقدم الذي تحرزه الأمم المتحدة، والدول الداعمة للشعب الليبي، فإن إردوغان لم يزل يعتقد أنه المستعمر الأقوى على الأرض في ليبيا، وهو يستدعي فائز السراج لتركيا للتأثير على مسار المفاوضات الجارية هناك، ويتناسى أن الدول التي تنهار اقتصادياً تسقط داخلياً قبل أن تسقط في مستعمراتها.
محكمة الحريري أصدرت حكمها النهائي ضد سليم عياش، العضو الفاعل في «حزب الله» اللبناني التابع لإيران. ولئن لم تدن المحكمة الدولية «حزب الله» بشكل مباشر حتى لا تتهم بتسييس القضية، فإن الإدانة تنصرف تلقائياً للحزب نفسه. وإدانة الحزب بهذه القضية هي إدانة له بكل قضايا الاغتيالات السياسية التي عمّت لبنان ما بعد اغتيال الحريري، في مسار فرض «حزب الله» سلطته على الدولة اللبنانية، وهو الحزب الذي بدأت تنتشر فضائحه الإرهابية في كثير من الدول حول العالم، ما يشكل ضربة لإحدى أقوى ميليشيات إيران في المنطقة.
الخرق الكبير داخل حلف الناتو صنعته تركيا بصفقة صواريخ «إس - 400» الروسية، وهو السبب المباشر لفرض عقوبات أميركية ضدها. والعبث التوسعي الذي يحدوه الطمع والجشع في ثروات شرق المتوسط، والاعتداء على سيادة الدولة القبرصية والدولة اليونانية، الدولتين العضوين في الاتحاد الأوروبي، هو السبب المباشر لفرض عقوباتٍ أوروبية على تركيا؛ هذا مع ملفات الاستعمار الجديد التركية، ودعم الإرهاب وصنع الميليشيات المتنقلة من المرتزقة الإرهابيين، ونشر الفوضى في منطقة القوقاز، هي ملفات سيكون على إردوغان مواجهتها، والتعامل مع دول العالم بشأنها.
مع قرب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال مهندس الإرهاب الأكبر في المنطقة، قاسم سليماني، الشهر المقبل، تزامناً مع المرحلة الانتقالية في أميركا، من المتوقع أن يرتكب النظام الإيراني بعض الحماقات، خاصة ليخيف الإدارة الأميركية الجديدة بعدما أخاف إدارة أوباما لأنه يعتقد أنها استمرار لها، ولكن أميركا ترمب أوضحت بجلاء أنها مستعدة لذلك، ومنظر المقاتلات السعودية وهي ترافق طائرات الـ«بي - 52» الأميركية المتوجهة للخليج العربي يحمل رسالة قوة، مضمونها تهديد أي نية للعبث في المنطقة.
الاستراتيجيات التوسعية للمشروعين الإيراني والتركي تجعلهما عرضة للعقوبات الدولية، والتخاذل الدولي عن مواجهتهما يمنحهما مؤشرات خاطئة بإمكانية الاستمرار دون عقابٍ أو محاسبةٍ، ولكن هذا الإصرار على التوسع والاستخفاف بالقوانين الدولية يمكن أن تكون له عواقب مؤثرة على النظامين.
يؤمل النظامان الإيراني والتركي على الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، وأن كلاً منهما يستطيع أن يجد مخارج لسياساته التوسعية بالتفاهم مع هذه الإدارة، ولكل أدواته وأساليبه، وهما مخطئان حين يعتقدان أنها ستكون امتداداً كاملاً شاملاً لإدارة أوباما، وأنهما سيستطيعان إخضاعها كما فعلا مع تلك السابقة، وينسيان أن التاريخ لا يعيد نفسه، وأن المتغيرات كبيرة، والمعطيات مختلفة، ومن أهمها يقظة الدول العربية في المنطقة، واتخاذها مواقف صارمة تجاه هذين النظامين التوسعيين.
أثبتت الدول العربية أنها قادرة على تجاوز أي انحرافٍ سياسي لدى الحلفاء الدوليين الأقوياء في مرحلة أوباما، وبالتالي فهي أقدر على تجاوز أي جديد بالاتجاه ذاته.
أخيراً، فقد استدعت طهران السفير التركي، وعاملتها أنقرة بالمثل، وكل هذا للتعامل مع الخلاف الذي ثار فيما يتعلق بأذربيجان، وهو تصعيد محسوب قبل اصطدام المشروعين التوسعيين الذي لم يحن وقته بعد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وتركيا الخلاف لا الصدام إيران وتركيا الخلاف لا الصدام



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon