توقيت القاهرة المحلي 13:01:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أميركا بين «خيال المآتة» و«الأسد الجريح»

  مصر اليوم -

أميركا بين «خيال المآتة» و«الأسد الجريح»

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

المناظرة الرئاسية الأميركية الأولى بين «بايدن» و«ترمب» كانت بحقٍ حديث العالم وشاغلة الناس، لمكانة أميركا بوصفها أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ، ولسبب آخر جديرٍ بالملاحظة، وهو أنها المرة الأولى في التاريخ التي يظهر فيها أحد طرفي المناظرة وكأنه «خيال المآتة» أو «فزّاعة» الطيور، فهو شبه جامدٍ ومتلعثم ومتردد وواجمٌ في بعض الأحيان، وهو ما جعل قيادات مهمة في الحزب الديمقراطي تصف المناظرة بـ«الكارثة» وتسعى لإيجاد بديلٍ عن «بايدن» حتى لا يخسر الحزب قواعده الشعبية، فضلاً عن الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني).

طروحات الحزب الديمقراطي أكثر تماسكاً وقوةً مما مثله «بايدن» في المناظرة، ولو كان لدى الديمقراطيين شخصٌ مثل «أوباما» لاختلفت نتيجة المناظرة، والسؤال المهم ليس عن مستقبل أميركا، بل هو كيف استطاع شخصٌ بهذه القدرات أن يكون رئيس أميركا لأربع سنوات؟ وكيف أن الصراع غير المسبوق داخل أميركا قد دفعها باتجاه انتخاب شخصٍ غير قادرٍ فعلياً على القيادة؟ مع الاعتراف الكامل بتاريخ «بايدن» السياسي الطويل والجدير بالاحترام.

في المقابل، كان ترمب في المناظرة حاضر الذهن حاد التركيز يتحكم في وقته المخصص له بين عرض أفكاره والرد على خصمه أو طروحات خصومه، ويحوّر الأسئلة لما يريد أن يقوله بذكاء، ويجول في معارك الفكر والسياسة كالأسد الجريح، وبغض النظر عن الاتفاق مع ترمب من عدمه، فإن الواضح والجليّ في المناظرة أنه انتصر انتصاراً لا يجادل فيه أحدٌ، وترك قادة الحزب الديمقراطي في ريبةٍ وارتباكٍ وتشتتٍ بين الاستمرار في دعم الرئيس الحالي «بايدن»، والتفتيش في مدة قصيرة جداً عن بديلٍ له يكون قادراً على مواجهة «ترمب» في الانتخابات القادمة.

ثمة أمرٌ جديرٌ بالملاحظة، وهو أن «ديمقراطيي» العرب في بلداننا أو داعمي «الحزب الديمقراطي» الأميركي من العرب، ملوثون فكرياً وثقافياً وسياسياً، وهم منتشرون في الإعلام والثقافة وأكثر في «السوشيال ميديا»، ويشكلون ظاهرة جديرة بالدرس، بينما لا يوجد لدينا مؤيدون حقيقيون لـ«الحزب الجمهوري» الأميركي إلا حالات شاذة لا تشكل ظاهرة بالمعنى السياسي والاجتماعي.

هذه المناظرة غير المتكافئة كشفت عن كثير من المذيعين والصحافيين في وسائل الإعلام العربية المحترمة، وأنهم مندفعون خلف طروحات «اليسار الليبرالي» الأميركي بحماسة تثير الاستغراب، فبعضهم عاجزٌ عن رؤية ضعف «بايدن» الذي أقر به قادة الحزب الديمقراطي وأقرت به كبرى وسائل الإعلام الأميركية المنحازة للديمقراطيين، وهم سيعيدون التموضع في المستقبل القريب حتى لا يكون انحيازهم مكشوفاً.

في تغطية الانتخابات الأميركية دائماً ما تطرح وسائل الإعلام العربية تساؤلاً تقلبه في صيغٍ متعددةٍ؛ مفاده: ما موقف المرشحين للرئاسة أو الحزبين الأميركيين من «القضايا العربية»؟ وهو تساؤلٌ مخادع، لأنه يفترض أن ثمة «قضايا» عربية وأن الموقف منها «موحدٌ» عند جميع العرب، وهذا افتراضٌ غير واقعي وينتمي للأحلام أو الأوهام لا للواقع السياسي القائم.

لا يوجد ما يمكن تسميته «القضايا العربية» في السياسة الخارجية الأميركية، فالحقيقة أن العرب مختلفون تجاه غالبية تلك القضايا، ولهذا فالجامعة العربية في الأصل مؤسسة فاشلة منذ إنشائها، لأنها بنيت على توحيد المواقف وهذا مستحيل، في ظل دول وشعوب مختلفة المصالح والتوجهات، ولئن كانت القضية الفلسطينية مثالاً للإجماع العربي - على اختلافات معروفة تجاهها - فإن التباين فيما عداها هو الغالب. وأوضح الأمثلة على ذلك الموقف مما جرى فيما كان يسمى زوراً «الربيع العربي»، وهو ربيع الفوضى والإرهاب، أو الموقف مما يسمى زوراً «محور المقاومة»، وهو لا يعدو أن يكون غطاء للتوسع الإيراني في الدول العربية.

على مستوى الدول ثمة «إجماع عربي» على «المبادرة العربية للسلام» مع إسرائيل، ولكن على مستوى الجماعات والآيديولوجيات والتنظيمات والميليشيات المنتمية لـ«المحور الإيراني» فثمة رفضٌ لهذا الإجماع العربي، وهذا الرفض يتجلى في كثيرٍ من وسائل الإعلام والطروحات السياسية وله صوتٌ عالٍ وضجيجٌ قادرٌ على التشويش دائماً على الحلول العقلانية والواقعية، وما الموقف تجاه الحرب الإسرائيلية الظالمة تجاه غزة إلا مجرد مثال، حيث قامت سوق المزايدات الفارغة والشعارات الجوفاء من بعض الكتاب والمثقفين العرب، الذين صمتوا صمت القبور بعدما تجلت كل هذه الفظائع التي خدشت الشعور الإنساني بأكمله.

الحزب الجمهوري حزبٌ يمينيٌ محافظ، والحزب الديمقراطي حزب «ليبرالي» سيطر عليه في السنوات الأخيرة «اليسار الليبرالي» بقيادة «أوباما» الذي يعد «بايدن» امتداداً لطروحاته، واليسار الليبرالي تغوّل وتضخّم في الدول الغربية في العقود الأخيرة وهو ما استدعى بمنطق التاريخ أن يتحرك اليمين، وهو ما يجري في غالب الدول الأوروبية التي تشهد حالياً صعوداً لافتاً لتيارات اليمين وأحزابه ورموزه.

أخيراً، فانتخابات أميركا للأميركيين، وما يهمنا منها هو مصالح دولنا واستقرارها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا بين «خيال المآتة» و«الأسد الجريح» أميركا بين «خيال المآتة» و«الأسد الجريح»



GMT 04:09 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

حصان طروادة

GMT 04:07 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

لكي ننقذ أهرامات الجيزة والمتحف المصري الكبير

GMT 04:05 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

على أبواب الجحيم!

GMT 04:04 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

العالم القديم يتآكل

GMT 04:03 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

عزيزتي الحكومة مجددًا

GMT 04:01 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

الإخوان ألَدّ الخصام

GMT 04:00 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

.. وفرنسا أيضًا إلى اليمين

GMT 03:59 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

ويصبح الخيال سجينًا

نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 13:37 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

الجمبسوت الخيار الأول لهيفاء وهبي بلا منازع
  مصر اليوم - الجمبسوت الخيار الأول لهيفاء وهبي بلا منازع
  مصر اليوم - أفكار للكراسي المودرن الخاصة بالحديقة المنزلية

GMT 11:10 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابطين في قطاع غزة
  مصر اليوم - الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابطين في قطاع غزة

GMT 10:22 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن موسم دراما رمضان 2025
  مصر اليوم - محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن موسم دراما رمضان 2025

GMT 07:06 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

الهلال السعودي يعادل ريال مدريد برقم قياسي مميز

GMT 01:01 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

يسيتش يسعى لتكرار فوزه على الجزيرة الإماراتي

GMT 06:52 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

النجم التركي كيفانش تاتليتوغ يخفي حمل زوجته

GMT 18:54 2015 الإثنين ,11 أيار / مايو

ضبط 2 قيراط "بانغو" مخدر في الفيوم

GMT 08:59 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

المؤلف مجدي صابر

GMT 20:48 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريهام سعيد تظهر بوزن زائد في "سبوع" ابنها طارق

GMT 09:12 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه في إطلالة فاضحة على خطى ليل كيم

GMT 12:27 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد سليمان يكشف تفاصيل محاولته لخطف رمضان صبحي من الأهلي

GMT 09:00 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

هيفاء وهبي تخطئ في تنسيق إطلالتها الأخيرة في باريس

GMT 09:52 2022 الخميس ,22 كانون الأول / ديسمبر

تدهور الحالة الصحية لأسطورة الكرة البرازيلية بيليه

GMT 17:18 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

مدى التوافق في الزواج والحب للأشخاص من نفس البرج

GMT 18:12 2021 الثلاثاء ,18 أيار / مايو

عودة تطبيق "مناصري ترامب" مرة أخرى على متجر آبل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon