توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السحر والساحر... محسن فخري زاده

  مصر اليوم -

السحر والساحر محسن فخري زاده

بقلم :عبدالله بن بجاد العتيبي

الأنظمة السياسية تختار أسلحتها بناء على تعريفها لنفسها وهويتها وطموحاتها، والفوضى والإرهاب هما أحد أسلحة النظام الإيراني التي يستخدمها حول العالم، وكل ما يتفرع عنهما من تفجيرات أو اغتيالات أو مظاهرات دموية أو ميليشيات، وبناء على هذا كله فقد اختار النظام الإيراني أن تكون الاغتيالات أحد أسلحته المحببة.
لم يتوانَ النظام الإيراني عن استخدام سلاح الاغتيالات عبر أربعين عاماً حكم فيها البلاد بالحديد والنار ولاحق المعارضين في المنافي لتصفيتهم والقضاء عليهم في أقاصي الدنيا، وجميع أفرع النظام الإيراني في المنطقة تستخدم الطريقة نفسها، في العراق وسوريا وفي اليمن ولبنان، وربما كان للبنان النصيب الأكبر من الاغتيالات فقد قام «حزب الله» باغتيالات واسعة النطاق على مدى زمني طويل.
تضيق المساحة هنا عن سرد جرائم التفجير والاغتيال التي قام بها النظام الإيراني أو أحد فروعه الإرهابية في المنطقة والعالم، وقد تم شيء من ذلك سابقاً في هذه المساحة، ولكن الجديد اليوم هو أن نفس السلاح الإرهابي بات أداة لخصوم النظام الإيراني في تتبع عناصره وحلفائه داخل إيران، فمن اغتيال أبي محمد المصري القائد في تنظيم «القاعدة» في طهران إلى اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده قرب طهران أيضاً يوم الجمعة الماضي.
جرائم الاغتيال السياسي معروفة لدى غالب الأمم والشعوب من شتى الديانات والأعراق والثقافات، وهي بشكل عام عمليات تقوم على الغدر وتتمرس فيها الجماعات السرية أكثر من الدول والحكومات منذ «الحشاشين» إلى «النظام الإيراني» وتنظيم «داعش».
وبما أن هذه الجرائم هي أحد الأسلحة المفضلة لدى النظام الإيراني فيبدو أن بعض خصومه أحبوا مبادلته الحرب بنفس الطريقة التي يفضلها وبذات الأسلوب الذي يتبعه.
مهم أن يعرف الناس أن محسن فخري زاده لم يكن عالماً مدنياً يدرس في جامعة أو يعمل في مختبر بل هو قائد في وزارة الدفاع الإيرانية ومسؤول عن الملف النووي وأحد قيادات «الحرس الثوري»، وبالتالي فمن اختار اغتياله فقد اختار أن يسبب ألماً ممضاً للنظام بأكمله يوازي ما يصنعه النظام بخصومه حول العالم.
لا أحد يعرف على وجه التحديد من هي الجهة التي خططت وقامت بالاغتيال حتى الآن، هل هي إسرائيل كما يلمح النظام الإيراني على لسان وزير خارجيته محمد جواد ظريف أم هي بعض الجماعات المعارضة للنظام من الداخل؟ هل هي أميركا أو (الشيطان الأكبر) كما يسميها قادة النظام، أم هي دولة أخرى تعادي النظام؟
هذه أسئلة مشرعة للمستقبل ولكن الواضح أن ثمة موجة منظمة لتصفية عناصر مهمة وأسماء كبيرة من قيادات النظام الإيراني في مجالات متعددة، فأميركا لم تختبئ حين أعلنت عن تصفية قاسم سليماني والعراقي أبو ماجد المهندس، ولم تختبئ عندما قامت بتصفية أبي بكر البغدادي قائد تنظيم «داعش» وبالتالي فلو كانت أميركا هي من اغتالت محسن زاده لأعلنت ذلك على الملأ واعتبرته نصراً لها ومفخرة تستحق الإعلان والإشادة.
الاتهامات بدأت تطال النظام الإيراني في العديد من الدول الأوروبية؛ من فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا والسويد وغيرها من الدول التي لم تعد تستطيع الصمت على الانتهاكات الصارخة التي ترتكبها إيران وعناصرها من المخابرات والجيش ضد معارضي النظام في تلك الدول، فقد بالغ النظام في ردود فعله وتجاوز الكثير من الخطوط الحمراء وإصراره على الاغتيالات كاستراتيجية ستدفع الكثير من الدول إلى معاملته بالمثل وإلى نشر فوضى وإرهاب مماثل داخل بلاده يستهدف رموزه.
إحدى مشاكل النظام الإيراني هي أن أعداءه كثيرون جداً في العالم، فقلما يجد الإنسان دولة لم يتدخل النظام الإيراني فيها بشكل أو بآخر وبالتالي عندما تجري عنده عمليات اغتيال فإنه لا يستطيع توجيه أصابع الاتهام سريعاً لدولة بعينها بناء على معلومات موثقة، ومن هنا فهو يختار «إسرائيل» دائماً لتحويل فشله الأمني والاستخباراتي إلى تجييش ديني ومذهبي يرفع من شعارات النظام ويعزز من آيديولوجيته.
هذه العمليات المستمرة والمتصاعدة هي أحد المؤشرات المهمة على أن العقوبات الأميركية القاسية قد أثرت بشكل كبير وملموس على قدرات النظام وتماسك مؤسساته التي ضعفت جراء العقوبات وهو لم يزل يتجلد للمصائب المتتابعة عليه حتى لا يبدو بمظهر الضعيف الخائف.
بدء ظهور آثار العقوبات الأميركية لم يكن وحده هذه المرة ولكن معه التفشي الهائل لفيروس «كورونا» في طول إيران وعرضها والإصابات بعشرات الآلاف والوفيات بالآلاف والنظام الصحي في إيران متخلف جداً وهو على حافة الانهيار في مواجهة هذه الجائحة. وبالإضافة لهذا بدأت دول كثيرة تكتشف جرائم النظام واختراقاته لسيادتها واعتداءه على مواطنيها واللاجئين فيها، وما محاكمة الأسدي في بلجيكا إلا نموذج واحد سيتبعه أمثاله.
تجلد النظام للمصائب التي تحيق به ومحاولاته عدم إظهار ضعفه... كلها تصب في أمل النظام بأن ينتصر جو بايدن بالرئاسة الأميركية ويعيد سيرة إدارة باراك أوباما السابقة من الخضوع للنظام الإيراني والخوف منه وبالتالي العودة إلى الاتفاق النووي المعيب سياسياً وتاريخياً، ويتمنى النظام أن التاريخ سيعيد نفسه ويخضع بايدن كما خضع أوباما.
بعد العام 2003 ونشاط تنظيم «القاعدة» في السعودية دعت وزارة الداخلية عدداً من الباحثين والصحافيين وعرضت بعض تدريبات التنظيم في السعودية، ولفت نظر كاتب هذه السطور مقطعٌ مصور يظهر بعض عناصر التنظيم يتدربون على عمليات اغتيال مستخدمين دراجات نارية للهجوم على السيارات وقتل ركابها، وبعدما تكشفت الحقائق وظهرت العلاقة الوثيقة بين التنظيم والنظام الإيراني اتضح أن عناصره تدربوا في إيران وعلى أيدي عناصر «الحرس الثوري» في أكثر من بلد في المنطقة، وهذه العملية داخل إيران تم تنفيذها بهذه الطريقة ولكن باتجاه معاكس هذه المرة.
منذ العام 2007 واسم محسن فخري زاده يتداول دولياً من إسرائيل وأميركا ومجلس الأمن الدولي، وقد تحدث عن خطورته رئيس الوزراء الإسرائلي بنيامين نتنياهو قبل عامين تقريباً وأعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب تغريدةً تلمح لمعرفته بدور ما لتنفيذ هذه العملية الدقيقة.
أخيراً، فكما تدين تدان، ومن اختار أساليب الشر والاغتيالات والتفجيرات والإرهاب فيجب أن يعرف أن السحر قد ينقلب على الساحر وعلى الباغي تدور الدوائر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السحر والساحر محسن فخري زاده السحر والساحر محسن فخري زاده



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon