بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي
زار وزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف دولة قبرص، والتقى رئيسها ووزير خارجيتها، وتحدث عن توجهٍ لتطوير هذه العلاقات. ودولة قبرص دولة مستقلة ذات سيادة، وهي دولة عضوٌ في الاتحاد الأوروبي واقتصادها ناجح، وتعقد الآمال أن يرتفع اقتصادها مستقبلاً بسبب النفط المكتشف حديثاً في البحر الأبيض المتوسط.
هذه الزيارة هي جزء من رؤية السعودية الجديدة في بناء علاقات ناجحة وفعالة مع كل دول المنطقة والعالم، مبنية على المصالح المشتركة، ورؤية ولي العهد السعودي لجعل الشرق الأوسط «أوروبا الجديدة»، وبالتالي فجمهورية قبرص وتطوير العلاقات معها تأتي ضمن هذه الرؤية السعودية المستقبلية لدور السعودية الكبير في المنطقة والعالم.
ولدى السعودية علاقات إيجابية مع غالبية دول المنطقة والعالم، ولكنها ترفض المشاريع المعادية في المنطقة، سواء المشروع الإيراني الطائفي أم المشروع التركي الأصولي الإخواني، لأن هذين المشروعين يدعمان الإرهاب والجماعات الإرهابية، ويسعيان لنشر الفوضى في كثير من الدول العربية.
حديث التاريخ واضح بأن السعودية لا تسعى لعداوة أحد، ولكنها تتصدى - وبكل حزم - لمن يعاديها، ويتآمر ضدها، ويسعى لزعزعة استقرارها. لقد حاول الناصريون مهاجمتها فهزموا، وحارب البعثيون لإسقاطها فهزموا، وسقطت الناصرية، ولحقها بعث العراق، والتاريخ ماضٍ في مساره، إن في التعامل مع قطر أو إيران أو تركيا.
أبدى بعض المسؤولين الأتراك الذين أدمنوا مهاجمة الدولة السعودية استغرابهم الشديد وقلقهم العظيم جراء هذه الخطوة السعودية العادية، واستندوا إلى الصداقة التركية - السعودية، ولكنهم نسوا أو تناسوا اشتراك تركيا في المؤامرات التي تحاك ضد السعودية منذ سنواتٍ، فماذا تريد تركيا ببناء قواعد عسكرية في قطر، أو في الصومال، أو في جزيرة سواكن السودانية قبل أن تلغيها الدولة السودانية الجديدة بعد انتهاء حكم البشير وجماعة الإخوان المسلمين هناك؟
وضمن الرؤية السعودية لتطوير دورها الإقليمي والدولي، فهي تتوسع في علاقاتها وتأثيرها، وإن لم تكن هناك علاقات رسمية بين السعودية ودولة أرمينيا، فإن العاهل السعودي وولي عهده بعثا قبل عامٍ تهنئة لرئيس أرمينيا بمناسبة عيد الاستقلال، وهو أمرٌ يرجح أن يكون فاتحة لعلاقاتٍ جديدة متطورة تخدم الدولتين والشعبين السعودي والأرمني.
كما أن السعودية تتمتع بعلاقاتٍ طيبة مستمرة مع الأكراد في كل من العراق وسوريا، ولا تتدخل في أكراد تركيا ومعاناتهم، لأنها ملتزمة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بحسب ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما لا تفعله الدول الأخرى ذات المشاريع الكبرى في المنطقة.
إضافة لهذا، فالسعودية، وكعادتها مع بقية الدول، تتمتع بعلاقات جيدة مستمرة مع دولة أذربيجان ودولة جورجيا، والسائح السعودي أصبح شغوفاً بالبحث عن دول آمنة للسياحة، دول لا يُسرق فيها ولا يقتل، ولا تسرق استثماراته، ولا تهان كرامته في المطارات وفي الأماكن العامة.
دون مبررٍ سوى الآيديولوجيا، فإن السعودية، ومعها كثير من الدول، تصنّف جماعة الإخوان جماعة إرهابية، ودولة الإمارات ومصر كذلك، وهذه الجماعة التي تنشر الإرهاب في الدول العربية مدعومة مباشرة من قطر وتركيا، فهما تقدمان الملاذ الآمن لقيادات هذه الجماعة، وغيرها من جماعات الإسلام السياسي. ولم تتوقف تركيا يوماً عن مهاجمة الدولة المصرية، والسعي لضرب استقرار مصر بشتى السبل؛ ومصر هي عمق الدول العربية، وحليف استراتيجي للسعودية.
سؤالٌ آخر: ماذا تصنع القوات العسكرية التركية في ليبيا؟ لما تتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة العربية؟ لماذا تستمر في إرسال المعدات العسكرية والطائرات المسيرة والخبراء وقيادات الإرهاب إلى ليبيا؟ لماذا لا تهتم بشعبها ومصالحها، بدلاً من التعدي على الدول الأخرى؟
شيء غريب حقاً أنك لا تكاد تجد دولة مجاورة لتركيا إلا ولدى تركيا عداوة معها، ربما باستثناء دولتين هما إيران وإسرائيل. وهذه العداوات هي نتيجة استراتيجية تركية توسعية، يتوهم رئيسها أنه سيكون خليفة جديداً للمسلمين؛ وأوهام القيادات غير الواقعية تدهور الدول.
تعيش تركيا خسائر غير محدودة داخلياً، فاقتصادها يعاني، وعملتها شبه منهارة، والشعب عبّر عن تذمره من قيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وكانت نتائج انتخابات إسطنبول واضحة كل الوضوح في التعبير عن هذا السخط الشعبي.
أمرٌ آخر، هو الديكتاتورية القمعية التي مارستها السلطة ضد أتباع الداعية فتح الله غولن، بعد ما سمي حينها «محاولة الانقلاب»، وهو شيخ إردوغان الذي دعمه طوال مسيرته، ثم انقلب عليه كما انقلب من قبل على معلمه نجم الدين أربكان.
يعاني حزب العدالة والتنمية من الانشقاقات الكبرى في صفوف قياداته، من عبد الله غول إلى أحمد داود أوغلو إلى غيرهم الكثير. والتفكير جارٍ بين المنشقين لإنشاء حزب جديد يبتعد عن تفرد إردوغان بالسلطة السياسية والسلطة داخل الحزب. ومن يقرأ التاريخ يعرف أن هذه الخسائر المتتابعة والعداوات المتراكمة لا تذهب إلى مزيد من الخسائر والضعف.
مشاركة تركيا في التآمر على السعودية بشكل مكشوفٍ وفجٍ قبل فترة قصيرة لا تمنحها، ولا تمنح مسؤوليها الذين خرجوا يتباكون على الصداقة السعودية - التركية، أي مستوى من المصداقية، خصوصاً أن زمن العنتريات والمزايدات قد ولّى، ولم يعد صالحاً للاستعمال، ولا يصدقه أحد في تركيا، فضلاً عمن هو خارجها.
ستكون السنوات القليلة المقبلة صعبة على تركيا، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فهي في سوريا كانت داعمة لتنظيم داعش الإرهابي، وهي وعدت الشعب السوري بالدعم الكامل ثم تخلت عنه، وهي تسعى اليوم وتتوسل روسيا وأميركا لإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا لتعيد إليها اللاجئين السوريين.
ومن جهة أخرى، تحوّلت إلى دولة تبتز الدول الأوروبية بفتح حدودها للمهاجرين السوريين، وتطلب مقابلاً مادياً حتى لا تفعل ذلك، وهي تعاني معاناة كبرى في علاقاتها بالولايات المتحدة الأميركية التي أوقفت صفقة مع تركيا لبيعها طائرة «إف 35» بسبب سياسات تركيا المتخبطة عسكرياً.
وبالمقابل، فالسعودية تقود المنطقة ودولها نحو مستقبل مشرقٍ، وهي تمرّ بواحدٍ من أزهى عصورها، تنمية ونجاحاتٍ واستقراراً وتطويراً، وفرض هيبتها وقوتها في المنطقة، وتعزيز مكانتها في العالم، عبر بناء التحالفات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وهي تنجح في كل الملفات التي تعمل عليها، وكثير منها معلنٌ ونتائجه منشورة.
أخيراً، فعلاقات السعودية الخارجية هي حقها المطلق، ولا يحددها إلا مصالح السعودية فقط، وليس للآخرين أي شأن بها.