بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي
التاريخ لا يتوقف، بل هو في حراكٍ دائمٍ، إما صعوداً أو هبوطاً، للدول والمجتمعات والأفراد، وقد كان العام الماضي عاماً سيئاً على النظام القطري الذي مضى عامٌ وهو يرزح تحت مقاطعة أقرب أشقائه في دول الخليج والعالم العربي.
عامٌ على مقاطعة، كانت قراراً تاريخياً، في مواجهة شرورٍ دامت لأكثر من عشرين عاماً لم يترك فيها نظام الدوحة عدواً لدول الخليج والدول العربية إلا تحالف معه، ولم يدع سياسة تضرّ بهذه الدول والشعوب إلا اتبعها، وقد كان حليفاً قوياً لكل مخربٍ ومدمرٍ من الدول الإقليمية الداعمة لاستقرار الفوضى في الدول العربية كإيران وتركيا إلى الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية من جماعة الإخوان المسلمين، أم كل الشرور، إلى الجماعات المنبثقة عنها كالسرورية ومثيلاتها، وصولاً إلى تنظيمات القاعدة، وداعش، و«حزب الله» اللبناني، الإرهابية، وميليشيا الحوثي في اليمن والميليشيات الإرهابية في العراق.
الشعب القطري بريء مما اقترفته أيادي قيادته، فهو مثل جيرانه في دول الخليج تربطه بهم أواصر القربى ووشائج الرحم، ولكنه مغلوبٌ على أمره بقيادة لا ترقب فيه إلاً ولا ذمة، قيادة مردت على الغدر والمكر والكيد، ورأت في ماضيها وحاضرها أن تتحالف مع كل الأعداء والخصوم وأن تموّل الإرهاب الموجه لأشقائها في دول الخليج والدول العربية.
خنجرٌ مسمومٌ تمّ كسره وتهشيمه، ومقاطعته وإقصاؤه، وترك له الباب مواربا ليعود، ولكنه أبى واستمرأ الغي والانشقاق، ولم يأل جهداً في الارتماء في أحضان الخصوم الإقليميين بعد أن رفضه أشقاؤه ولفظوه لاتقاء شروره وتيهه ومؤامراته، ولم يزل يسعى جهده للتخريب وإثارة القلاقل ونبش الفتن في كل مكانٍ يستطيع العمل فيه.
حين وجد النظام القطري نفسه تحت المجهر الإقليمي والدولي هبطت قدرته على التخريب والخيانة والغدر، ووجد نفسه مجبراً على الكف عن تلك السياسات والمواقف لا قناعة وتودداً بل ترصداً للفرص للعودة لما كان عليه، ولكن هذه المرة ليست مثل كل مرة، هذه المرة مرهونة بشروطٍ معلنة عليه أن يلتزم بها بالكامل، وهي كفيلة بحجز شروره داخل حدوده بعيداً عن سياسات التدمير والأذى.
لجأ النظام القطري على مدار عامٍ لكل دول العالم، ولكنه نسي أن القرار في يد الرياض وليس في أي مكانٍ آخر، وقدّم كل التنازلات لدول الشرق والغرب، وفتح ملفات مخابراته وقدم معلومات عن حلفائه الإرهابيين ليحظى بأي دعمٍ يستطيع الحصول عليه، ولكنه عاد من كل تجواله في العالم بخفي حنين، وبقي نظاماً يخضع لمقاطعة صارمة لا تنفع معها الحيل ولا يخففها الدجل.
بدأ خسار النظام بعدم إدراكه للمتغيرات الكبرى في المنطقة بعد قمم الرياض الثلاث في العام المنصرم، واستمراره في دعم الإرهابيين في العراق وسوريا واليمن وغيرها، فلم يستوعب ولم يدرك أن صفحة جديدة من التاريخ قد فتحت وأن سابقتها قد طويت، فلم يكن له من حلٍ سوى المقاطعة التامة والصارمة والحازمة التي إن لم تعده إلى صوابه فإنها تمنع شروره من الانتشار، وهكذا كان.
بعد عامٍ على المقاطعة يبدو النظام القطري نظاماً يخسر كل يومٍ على جميع المستويات، السياسية والاقتصادية والإعلامية وغيرها، فسياسيا، حجم قطر صغيرٌ جداً مقارنة بالدول المقاطعة له، السعودية والإمارات ومصر والبحرين، وقوته السابقة كانت بسبب السكوت عنه فقط، وبمجرد انكشاف غدره وخيانته انحدرت قدرته على التأثير لأدنى مستوى، وقد خسر مراهنته على أميركا لتنقذه لأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعلم بنفسه وبمؤسسات دولته كل الأدوار التخريبية والإرهابية التي قادتها وخططت لها ودعمتها ومولتها قطر، كما خسر مراهنته على بعض الدول الأوروبية التي لم تعد قادرة على دعمه، لأنها مهددة بخسارة علاقاتها الأهم بالدول الأربع المقاطعة له.
لقد دعم النظام القطري كل الأشرار في الدول الخليجية والعربية، في الكويت والبحرين والسعودية والإمارات وعمان، وهؤلاء هم أشقاؤه في مجلس التعاون الخليجي كما دعم الجماعات والميليشيات والتنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومصر وليبيا والأردن وفلسطين والصومال وغيرها، وضحايا سياساته بعشرات الآلاف من الأبرياء من الشعوب العربية.
واقتصادياً، ها هي الأرقام تثبت يوماً بعد الآخر أن حبل الكذب قصيرٌ وعمر الضلال واهٍ، فبنوك قطر تعاني الأمرين، وشركاتها الكبرى تخسر خسائر فادحة، والنظام يضطر يوماً بعد آخر لبيع استثماراته ومدخراته، وخطوطه الجوية فارغة وسياحته وفنادقه خالية، ولئن لم يتضح حجم الخلل بعد، فإن ثقل المقاطعة يتضح بالتراكم ويزداد ثقلاً بمرور الزمن.
أما إعلامياً، فقد كانت الخسارة أكثر وضوحاً، فقناة «الجزيرة» تخلّت عن كل الأطياف التي كانت تجمعها وسرحت كثيراً من العاملين فيها، وأبقت على أفشل الإعلاميين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين أو المطايا لهذه الجماعات، ومعلومٌ أن هذه الجماعات هي أفشل الجهات في إدارة الإعلام، وبهذا انفضحت القناة التي راهن عليها النظام القطري بقراره وسياسته، وكما صرّح الوزير الإماراتي أنور قرقاش فقد هزم «تويتر» السعودي قناة «الجزيرة».
بعد عامٍ على المقاطعة، هزمت قناة «العربية» قناة «الجزيرة»، وهزم «تويتر» السعودي كل أذرع النظام من مواقع الإنترنت الإخبارية إلى حسابات ومعرفات الفتنة والفوضى، وانقلب السحر على الساحر، وصارت كل الأدوات التي استخدمها من قبل تعمل ضده بتأثيرٍ وفاعلية صارمة، وبمجرد أن صار الوعي قائداً ورائداً أصبحت قطر الصغيرة جداً جداً عاجزة عن إحداث أي تأثيرٍ أو تمرير أي كيدٍ.
بعد عامٍ على المقاطعة، وبعد إفشال وتحييد كل أدوات النظام القطري السياسية والإعلامية والشعبية تخبط النظام وارتبك، ففكر ثم قدر، فلم يجد من سبيل إلا العودة للحرس القديم، فأعاد حمد بن خليفة شريكه الأكبر في الغدر والخيانة والكيد حمد بن جاسم إلى الواجهة من جديد، أملاً في إيجاد أي اختراقٍ من أي شكلٍ أو نوعٍ في جدار المقاطعة الصلب، ولكنه لم يستطع أن يصنع شيئا يذكر، غير مزيد افتضاح لجرائمه وخططه المجللة بالخزي والعار.
وكأن التاريخ يعاقب الدوحة على نظامها، فدول المقاطعة تزداد نجاحاً وإنجازاً وقوة وتأثيراً، وتبني مستقبلاً أزهى وأبهى لأجيالها، بينما الدوحة تخسر وترتكس وتزداد ضعفاً ووهناً، والصغير لا يواجه الكبار.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع