توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

على المحك

  مصر اليوم -

على المحك

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

كل شيء في العالم أصبح على المحك، كل دولةٍ وحكومةٍ، كل سياسةٍ وقرارٍ، كل اقتصاد واستثمار، كل ذلك جرى بعد الأزمة الروسية الأوكرانية والتصعيد غير المسبوق والمتتابع من أميركا والدول الغربية ضد روسيا. هذا التصعيد بات يهدد كل شيء في العالم، المنظمات الدولية والمفاهيم والمنتجات العالمية التي استقرت لعقودٍ لدى البشر، وهو تصعيد هدفه المستقبل ومنع روسيا من تكرار نفس الفعل مرةً أخرى، ولكنّه نتيجة الماضي، لا القديم منه إبان الحرب الباردة، بل القريب أيضاً نتيجة استهداف روسيا ومحاولات إضعافها وإخضاعها.
قرابين هذه الحرب الباردة الجديدة ليست في أوكرانيا فحسب، مع الاعتراف بأن المواطن الأوكراني البسيط صار ضحية لأطرافٍ متنازعة، دوليةٍ ومحليةٍ، فأميركا تريد هزيمة روسيا في أوكرانيا بأي ثمنٍ مهما كان غالياً، وتوريد الأسلحة النوعية وضخ المليارات وتصعيد العقوبات كلها تفاصيل لها أثرٌ مباشرٌ على المواطن الأوكراني، وتوحيد الجبهة الداخلية الأوكرانية من قبل تيارٍ سياسيٍ معيّنٍ يريد هو الآخر القضاء على خصومه الداخليين وخوض معركة الغرب ضد روسيا على حساب هذا المواطن المغلوب على أمره.
من هذه القرابين، الشعوب الأوروبية التي أصبحت على أبواب شتاء بلا طاقة، أو بطاقة باهضة الثمن وغير كافية، والتململ الأوروبي من قسوة الموقف الأميركي وتصلبّه بات واضحاً في مظاهراتٍ واحتجاجات شعبيةٍ وفي تصريحات سياسية من بعض الحكومات الأوروبية ومن صفوف المعارضة، وسيشهد هذا الشتاء تغيير حكوماتٍ واضطراباتٍ سياسية وشعبية غير مسبوقة.
تسييس كل شيء هو ضريبة هذا الاستقطاب الذي يراد فرضه على العالم مجدداً، ودون فهم هذا الاستقطاب الحاد والحماسة له لدى صانع القرار الأميركي لا يمكن فهم التشنج والتسييس الأميركي الفج لقرارٍ تجاري له حساباته وأسواقه ومجاله وصادر من منظمة كبرى وهو قرار «أوبك بلس» لخفض الإنتاج.
الامبراطوريات المستقرة والمتزنة لا تسمح للصراعات الداخلية أن تؤثر على مواقفها الدولية، وأميركا هي أقوى امبراطورية عرفها التاريخ، ولكن صراعها السياسي الداخلي محتدمٌ بشكل غير مسبوقٍ في تاريخها، وهذا الصراع الداخلي الساخن بات يؤثر على قراراتها وسياساتها الدولية، وفكرة تصدير المشكلات الداخلية للخارج ليست قصراً على الدول الضعيفة بل هي خيارٌ لكل تيارٍ أو حزبٍ أو شخصٍ يعمل في السياسة ويجد نفسه في لحظة تاريخية أمام أمرين: قناعة راسخة بالصواب المطلق سياسياً -وهذا متعذرٌ منطقياً في السياسة- ومع هذه القناعة طموح جامح لإثبات تلك الصوابية وهذا في مقابل شعبيةٍ تتناقص وتشكيك عامٍ في القدرات على الفهم والتصور والمواجهة.
الخشية في مثل هذه اللحظات التاريخية هي في إمكانية ارتكاب الحماقات، أو اتخاذ قراراتٍ أقلّ حكمةً واتباع سياساتٍ تفتقد للوعي والتوازن، فتحلّ اللغة الخشنة محلّ الديبلوماسية ويتم ارتجال المواقف والقرارات فيقع التناقض ويصبح صارخاً يراه العالم بأسره بوضوح ما عدا من يرتجل تلك المواقف والقرارات.
محاولة قراءة المشاهد الساخنة ببرودٍ واتزانٍ مهمةٌ صعبةٌ، ولكنها ضرورية، وليس من مقصود هذا السياق التقليل من قيمة أميركا بأي حالٍ من الأحوال، لا حضارياً ولا حتى سياسياً، وحضارتها وتاريخها ومجتمعها وواقعها أكبر بكثيرٍ من أن يشكك فيه أحدٌ أو تقلل من شأنه جهةٌ ما، وإنما الحديث عن واقعٍ معقدٍ وتوجهاتٍ حادةٍ وسياساتٍ خاطئةٍ تراكمت وتدفعها حدة الاستقطاب للإيغال أكثر فأكثر في الأخطاء.
أخيراً، فدول العالم ستحمي نفسها حين تنحرف بوصلة الدول العظمى، هكذا جرى في التاريخ ويجري في الواقع وسيجري في المستقبل، فالعالم دائماً يجد طريقه لتجاوز الانحرافات بغض النظر عن قوة وعظمة الدول التي تسعى لفرضها عليه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على المحك على المحك



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon