توقيت القاهرة المحلي 21:44:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الديكتاتورية وظاهرة الشذوذ الجنسي

  مصر اليوم -

الديكتاتورية وظاهرة الشذوذ الجنسي

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الظواهر الاجتماعية محلّ دراسة وبحثٍ لعلماء الاجتماع لفهمها ومعرفة أسبابها ونتائجها، ومع «العولمة» و«وسائل التواصل الاجتماعي»، أصبحت بعض الظواهر الاجتماعية الشاذّة «تعولم» وتنتشر على نطاقٍ عالمي، رغم الاختلافات العميقة بين أديان الشعوب وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها.
إحدى أبشع هذه الظواهر المثيرة للجدل مؤخراً، ظاهرة «الشذوذ الجنسي»، وليس المثلية، لأنها بالفعل شذوذ يخالف الطبيعة والأديان والأعراف والتقاليد لغالب سكان الأرض، وظاهرة الشذوذ الجنسي قديمة، وليست جديدة، وتحدثت عنها الكتب السماوية والثقافات المختلفة، ولكن بوصفها شذوذاً، أي خروجاً عن الخط العام للبشر، وليس اتساقاً معه، والجديد اليوم هو تحوّلها إلى «ديكتاتورية».
حدثان مهمان أثارا الاهتمام بهذه الظاهرة، الأسبوع الماضي: الأول بيان صادر عن دول «مجلس التعاون الخليجي» جاء فيه: «نظراً لما لوحظ في الفترة الأخيرة قيام منصة نتفليكس (Netflix) ببث بعض المواد المرئية والمحتوى المخالف لضوابط المحتوى الإعلامي فـي دول (مجلس التعاون)، الذي يتعارض مـع القيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية، وبناء عليه تم التواصل مع المنصة لإزالة هذا المحتوى، بما فيـه المحتوى الموجه للأطفال، والتأكيد على الالتزام بالأنظمة، مع التأكيد على أن الجهات المعنية ستتابع مدى التزام المنصة بالتوجيهات. وفي حال استمرار بـث المحتوى المخالف، سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة»، وهو موقف مهمّ وضروري وحازم، فالدراما منتجٌ إنساني جذّاب بشتى تشكلاته وفروعه وغاياته، وكثيرٌ من البشر يجدونه مسلياً وترفيهياً، وربما تثقيفياً على مستوى معينٍ، ولذلك فحجم الاستثمارات فيه ضخمٌ، وعائداته أرقامها فلكية مقارنة بحجم الاستثمار، وهو سوقٌ رائجة لدى أكثرية البشر.
الحدث الثاني فسخ شركة «بيكر ماكينزي» العالمية لشراكتها مع مكتب المحامي الإماراتي حبيب الملا، بسبب موقفه الرافض للشذوذ والمؤيد للبيان الخليجي، وهذا نموذج إقليمي واضحٌ يظهر لسكان المنطقة كيف أن هذا التحوّل إلى «ديكتاتورية» لم يعد مقتصراً على جهة من العالم، غربية كانت أم شرقية فحسب، بل أصبح يراد له أن يكون «معولماً».
مقصود هذا السياق ليس «الشذوذ الجنسي» وتاريخه وأسبابه، دينياً أو جينياً أو تربوياً، بل المقصود هو رصد تحوّله إلى «ديكتاتورية»، وانتقاله من مرحلة «النقص» و«العيب» إلى مرحلة «العادي» أو «غير المهم»، ثم الانتقال إلى مرحلة «الديكتاتورية».
تحول «الشذوذ الجنسي» إلى «ديكتاتورية» جاء في السياق الغربي من العالم، حيث تطورت هذه «الديكتاتورية» داخل أميركا وكندا وبعض الدول الأوروبية، من «مجموعة ضغطٍ» أو «لوبي» يمثل أقلية منبوذة أو مضطهدة، إلى «لوبي» يمثل أقلية تمارس النبذ والاضطهاد ضد بقية البشر، وهذا التطور جاء شاملاً وعاصفاً.
أن يفاخر رئيس وزراء غربي بالإعلان عن تحوّل ابنه الصغير (11 عاماً) إلى «فتاة»، فهذا تصرّفٌ ديكتاتوري لا إنساني، حرم الطفل من حقه في اكتمال عقله ونفسيته وفهمه لنفسه وللحياة، وأجبره على اختيارٍ سيصبغ حياته ومستقبله كاملاً، وأن تُسنّ قوانين تحرّض الأطفال على «الشذوذ»، وترفض أي تحذير منه بالمقابل، هذه ديكتاتورية، وأن يُدخل في «التعليم» تعليم الأطفال الشذوذ، هذا غاية ما يكون من الديكتاتورية ضد فئة ضعيفة هم الأطفال، ويكفي الاستماع لشكاوى الآباء والأمهات من المواطنين العاديين في تلك الدول من بشاعة هذه الديكتاتورية التي تشوّه أطفالهم، وتدفعهم دفعاً لهذه التوجهات الشاذة، ومواقف هذه الأسر العادية منتشرة في «اليوتيوب»، وبقية مواقع التواصل الاجتماعي، وشكواهم مريرة، ومعاناتهم مكتومة في وجه سيلٍ جارفٍ ديكتاتوري لا يرحم.

الموقف الخليجي مهمٌ، ويستحق بالفعل أن يتمّ تصعيده وتوسيعه ليكون موقفاً عالمياً، من «مجلس التعاون» إلى «الجامعة العربية» و«منظمة التعاون الإسلامي»، وستنضم إليه الأكثرية من دول العالم، ويمكن تحويله إلى منظمات «الأمم المتحدة» المعنية بالأطفال والتربية والثقافة، وإلى «الأمم المتحدة» بعد ذلك، ويكون هدف مثل هذا التحرّك هو وقف هذه «الديكتاتورية» الجديدة؛ فشعوب العالم ومجتمعاته قبل دوله رافضة لهذه الظاهرة، وهي تحتاج فقط لتنظيمٍ ومأسسة وإعلانٍ، وكمثالٍ، فقبل أشهرٍ عبَّر البرلمان الإيطالي عن رفضه لهذه الديكتاتورية.
لا أحد يسلم من هذه «الديكتاتورية»، لا المسؤولون السياسيون ولا أعضاء مجالس النواب ولا رجال القانون، ولا المثقفون والفنانون، فضلاً على بقية الناس، والتهم جاهزة بالوقوف ضد «الحقوق» أو «الحرية» أو «المساواة»، ويتمّ تحويل التهم سريعاً إلى إجراءات قانونية واقتصادية عبر شبكة منظمة وقوية، تضرّ بالأفراد والشركات وتصادر «الحقوق» و«الحرية» و«المساواة».
هذه الديكتاتورية مدعومة بشبكة منظمة وغنية من شركاتٍ كبرى وماركاتٍ عالمية، ووسائل إعلامية ومنصات إنتاج فني، مثل «نتفليكس»، ووسائل تواصل اجتماعي وفاعلين ومؤثرين، وهؤلاء الداعمون ليسوا سواءً، بل على أصنافٍ؛ فبعضهم ينتمي لفئة الشواذ نفسها، وبعضهم يدافع عن حقوقهم كأقلية بشكلٍ عامٍ، بغض النظر عمّا تمثله هذه الأقلية، وبعضهم يدافع عنهم اتقاءً لشرورهم وتجنباً للخسائر، أو طلباً للتكسُّب من وراء قوتهم وتنظيمهم.
الشعار الأشهر لهذه الفئة هو ألوان «قوس المطر»، المشهور بـ«قوس قزح»، للتعبير عن التنوع، كما يقولون، واتخاذه رمزاً جنى على جماليته لدى بقية البشر، وقد أخذ هذا الشعار يتحوّل إلى التعبير عن «الديكتاتورية»، وهذه الفئة بدأ يظهر على سلوك أفرادها وتصريحاتهم وقاحة اجتماعية وعدائية ظاهرة.
الأقليات جزء من تكوين المجتمعات، قديماً وحديثاً؛ قديماً بصفتها الدينية أو العرقية، وحديثاً بتجمعات ذات عناوين حديثة تتعلق بخياراتٍ جديدة أو جديدة الانتشار لدى البشر، مثل النباتيين، فهؤلاء يمثلون إحدى الأقليات المنتشرة في العالم الحديث والمعاصر، ولئن كان بعض النباتيين بدأوا يعبرون عن أنفسهم بطرقٍ غريبة وغير محبَّبة، فإن ذلك لا يشمل غالب النباتيين، والأهم أن هذا البعض الغريب لم يتحوّل إلى «ديكتاتورية».
بسبب قوة المنظومة الداعمة لهذا التحوّل إلى «ديكتاتورية»، فقد أصبح يلتصق بهم بعض مَن يمثلون نقيضهم، مثل بعض «جماعات الإسلام السياسي»، فيخرج أحدهم في الإعلام الغربي مدافعاً عن قائد «أصولي» و«متطرف» بأنه نصيرٌ للشذوذ الجنسي ومدافعٌ عن حقوق الشواذّ، ولولا معرفة تغيّرات التاريخ وتقلبات البشر، لكان مثل هذا أقرب إلى المزحة السمجة.
أخيراً، فقد صمت كثير من البشر عن «الشذوذ» بوصفه ممارسة فردية خفية ومستترة، ولكن العالم وشعوبه وأفراده لن يستطيعوا الصمت عنه حين تحوّل إلى «ديكتاتورية» قاسية، وحين يهدّد الأسر ومستقبل الأجيال.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديكتاتورية وظاهرة الشذوذ الجنسي الديكتاتورية وظاهرة الشذوذ الجنسي



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon