بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي
الحروب طويلة الأمد هي حروب تتعايش فيها أطراف النزاع مع الحرب وتأجيل السلام، إنها أشبه بحروب الاستنزاف التي لا تنتهي إلا في الوقت الذي تتعب فيه أطراف النزاع فتفتش عن السلام، أو ينهار أحدهما كما يرغب كل طرفٍ للطرف الآخر، والاتفاقات العملية، سواء كانت زراعية أم تجارية أم نحوهما، هي مؤشرٌ على حربٍ طويلة الأمد.
أوروبا القارة العجوز تعرف الحروب طويلة الأمد زمانياً، مثل «حرب المئة عام» و«حرب الثلاثين عاماً»، وتعرف الحروب عريضة الامتداد مكانياً مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومن المثير أن يتحدث بالأمس الأحد «ينس ستولتنبرغ» الأمين العام لحلف شمال الأطلسي في مقابلة صحفية ليقول: «معظم الحروب تستمر لفترة أطول من المتوقع عندما تبدأ للمرة الأولى» وهذا أمر معروف وشواهده كثيرة، فكثيرون يعرفون كيف تبدأ الحروب وقليلون يعرفون كيف تنتهي، والأهم من هذا هو قول ستولتنبرغ «لذلك علينا أن نهيئ أنفسنا لحرب طويلة الأمد في أوكرانيا».
هذا كلامه صراحةً بالأمس، ومنذ البداية كان واضحاً أن الحرب في أوكرانيا ستكون طويلة الأمد، وكتب كاتب هذه السطور وغيره أن أميركا والدول الأوروبية تريدان أن تجعلا من «أوكرانيا» لروسيا مثلما صنعت أميركا من «أفغانستان» للاتحاد السوفييتي، واستنزفت قواته وقدراته العسكرية والاقتصادية على مدى عشر سنواتٍ وفق نصيحة بريجنسكي للرئيس كارتر حين علم بدخول القوات السوفييتية لأفغانستان «لقد آن الأوان لنرد للسوفييت جميل فيتنام» وهكذا كان، في حربٍ طويلةٍ وتحالفاتٍ واسعةٍ وشراكاتٍ ممتدةٍ حتى انتهت الحرب وانسحب السوفييت من أفغانستان ثم سقط وتفكك منهياً عقوداً من «الحرب الباردة».
الخطير فيما يجري في أوكرانيا أنّ طلاب السنوات الأولى في السياسة والاستراتيجية يعلمون جيداً أن عمليات النسخ واللصق في بناء السياسات والاستراتيجيات، مع التغافل التام عن حجم المتغيرات، ينبئ عن تدنٍ في مستوى التفكير الاستراتيجي الموجه للرؤية والحاكم للتوجهات، وهو حين يصدر من القوة الأكبر في العالم لا يوحي بتطورٍ بالاتجاه الصحيح. بعد سنةٍ ونصفٍ من بداية الحرب، وعلى الرغم من التصعيد الخطير أميركياً تجاه روسيا وتجاه دول العالم المحايدة، وتجاه أي دعمٍ لروسيا، إلا أن المشهد بدأ يتضح، فالصين بدأت تعلن دعمها لروسيا ورفضها للإملاءات الأميركية، وهجوم أوكرانيا المضاد تجلى عن عملياتٍ صغيرةٍ لا تمثل استنزافاً حقيقياً، والعدد الأكبر من دول العالم اتخذ موقفاً محايداً تجاه حربٍ لا تعني كثيراً من الدول في قليلٍ ولا كثيرٍ، وأولويات الدول منصبةٌ على مصالحها كدولٍ مستقلةٍ أو على مصالح التكتلات الإقليمية أو التجارية التي تنتمي إليها، ما يعني أن حرباً طويلة الأمد لن تدفع فاتورتها إلا الدول المنخرطة فيها من الجانبين.
من مؤشرات الحرب طويلة الأمد بخلاف ما سبق، أولاً، الاعتماد على «المسيرات» من جانبي الحرب الروسية الأوكرانية، وثانياً، الإعلان عن دعم أوكرانيا بـ«القنابل العنقودية»، وثالثاً، نقل الحرب من السلاح إلى أبعادٍ أعمق إنسانياً وفكرياً وثقافياً، والبحث عن التمايز بين الروس والأوكرانيين على الرغم من ضخامة المشتركات العرقية واللغوية والتاريخية والثقافية.
بعض الحروب يكون دافعها التشابه أكثر من التضاد، على مبدأ الخطورة بالقرب، وكلما كنت أقرب كنت أخطر، وهو جزء من تبرير استمرارية الحرب هناك بعيداً عن رقعة الشطرنج الأكبر واللاعبين الدوليين الكبار الذين يعتبرون أوكرانيا بيدقاً صغيراً يمكن التضحية به في أي لحظةٍ، وأوكرانيا هي أكبر ضحايا هذه الحرب. أخيراً، فكل الحروب مكلفةٌ، ولكن الحروب طويلة الأمد لا يمكن التنبؤ بنهاياتها وتكلفتها لا تطاق.