توقيت القاهرة المحلي 17:17:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محاولة لفهم ما يجري

  مصر اليوم -

محاولة لفهم ما يجري

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

 

فلسطين هي القضية العادلة التي دمّرتها الخطابات التي دافعت عنها عبر عقودٍ، كالخطاب القومي والخطاب اليساري والخطاب الإسلاموي، وهي خطابات افتقرت للعقل السياسي القادر على إدارة ملفات معقدةٍ بوعيٍ وحكمةٍ وتوازنٍ، من ترهات حسنين هيكل إلى حماقات «اليسار العربي»، وصولاً إلى تطرفات سيد قطب، وهؤلاء الثلاثة تحديداً مع ما بينهم من التداخلات والشد والجذب، إلا أنهم هم من علت أصوات تياراتهم بعد أحداث غزة.

كان في المنطقة صراعٌ ممتدٌ لعقودٍ من الزمن بين مشروعات ثلاثةٍ: المشروع الطائفي الذي يتبنى «المقاومة» ضمن مفرداتٍ متعددةٍ وتقوده إيران، والمشروع الأصولي الذي يريد إسقاط الدول العربية وبناء دولة الآيديولوجيا، أو «الخلافة» ويقوده بعض الأتراك وبعض العرب، وجماعات الإسلام السياسي وتنظيمات الإرهاب، والمشروع الثالث هو مشروع الاعتدال العربي وتقوده السعودية ومصر والإمارات ومن معهم من الدول العربية.

قبل أكثر من عقدٍ ظنّ المشروعان المعاديان للعرب أنهما انتصرا إبّان ما كان يعرف زوراً بـ«الربيع العربي»، ولكن دول الاعتدال العربي قلبت الطاولة على الجميع وأعادت الاستقرار للمنطقة، ولم تلبث السعودية في السنوات الأخيرة أن أخذت زمام القيادة في المنطقة بقوتها الذاتية وتحالفاتها الإقليمية والدولية، برؤيتها ومشروعها ونجاحاتها، فأصبحت قبلة العالم والاقتصاد والسياسة، وحلم الشباب وأمل الأجيال، ودعمت حلفاءها وقلّمت أظافر الخصوم بإدارة مذهلة للملفات المعقدة ورسم طرق التنمية والمستقبل لنفسها وللمنطقة بأسرها.

لم ترضَ المشروعات المعادية بذلك وهي ترى نهاية الطريق، وفشل آيديولوجياتها واستراتيجياتها وانتصار السعودية وحلفائها الثابت ونجاحاتها المستمرة والمتواصلة، وكان لا بدّ من إعاقة ذلك بأي شكلٍ وأية طريقةٍ، وكانت أفضل الطرق لتحقيق ذلك، هي في تحريك القضية الفلسطينية لارتكاب مغامرةٍ غير محسوبة العواقب وتهييج الشارع وحشد الرأي العام العربي وخلط الأوراق إقليمياً ودولياً، وإيقاف هذه النجاحات المستمرة، وهكذا جرى.

من لا يستطيع رؤية هذا الأمر جلياً على حقيقته فلديه مشكلة في الوعي السياسي أو نقصٌ في إدراك التاريخ القديم والحديث أو هوى آيديولوجي، وإن حاول إخفاءه، فالتوصيف البارد لما جرى هو انقلاب الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي على مشروع الاعتدال والتقدم والرقي والتسامح والسلام العربي.

تحركت «الخلايا النائمة» للمحورين المعاديين للعرب في كل اتجاه، إعلامياً وفكرياً وعبر «السوشيال ميديا»، وقامت سوق «الشعارات» و«المزايدات»، وأصبح سهلاً على السعوديين رصد سهام النقد التي توجه لبلادهم من دون زمامٍ ولا خطامٍ، نقدٌ لسياستها ومشروعاتها وتنميتها واقتصادها ورؤيتها، بل وللترفيه فيها، وذلك غاية ما يكون من انكشاف للمشهد وأبعاده، وأنه يسعى جهده لإيقاف التقدم والنهوض الحضاري الذي تقوده السعودية في المنطقة.

السعودية سياسياً لم تصنع أي شيء مختلفٍ، بل واصلت سياستها الثابتة والراسخة في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته استمراراً لنهج مؤسسها الملك عبد العزيز وملوكها سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله وسلمان، وأكدت على ثوابتها ودافعت عن الحق الفلسطيني في كل محفلٍ دوليٍ وكل محادثاتٍ سياسيةٍ، واستمرت في تنميتها ومشروعاتها ورؤيتها بعيداً عن أي المغامرات والمغامرين الأسرى لآيديولوجيات متطرفةٍ أو لشعاراتٍ أكل عليها الدهر وشرب.

رد فعل إسرائيل كان متوقعاً، وجاء عنيفاً ولا إنسانياً ودموياً ومداناً، وقد علمه قادة بعض الفصائل جيداً، وهم لا يكترثون أبداً للفلسطيني العادي وما يجري له من مجازر، بل يرغبون في مكاسب سياسيةٍ يؤثرون بها على توازنات القوى في المنطقة، وهم يصرحون من قبل ومن بعد بتبعيتهم للمحور الإيراني الذي تخلى عنهم تماماً في هذه الحرب.

صور الدمار ودماء الضحايا من النساء والشيوخ والأطفال الأبرياء في غزة بدأت تخرج، والجيش الإسرائيلي يتوغل عسكرياً ولا يبدو مستعجلاً في إنهاء مهمته الدموية قبل أن يثخن، ويحرق هذه الضحايا في الطريق، وكم هو معيبٌ على من هتف في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) أن يختبئ الآن.

يحق للمتابع أن يتساءل بجديةٍ، أين اختفت الأصوات النخبوية التي شاركت الجماهير العواطف والهياج وتركت العقل والعلم؟ لماذا لا يعلقون ويكتبون الآن وغزة وشعبها المغلوب على أمره يحرقون على مجامر الآيديولوجيا وتحت نيران العدوان الإسرائيلي الغاشم، أليس هذا معيباً أخلاقياً وسياسياً؟

«وهم التطابق» بين تجارب الشعوب والأمم هو وسيلة نخبوية بدأها اليسار وتبعهم عليها غيرهم لتوحيد مشاهد بينها تناقضات لا مجرد اختلافات، ومقارنات البعض ما يجري في غزة بتجارب الجزائر أو فيتنام أو أفغانستان هي مقارنة مع فوارق كبرى، وخيارات الحرب والسلام ليست نزوةً يقررها فردٌ أو فصيلٌ تابعٌ لهذه الدولة أو تلك في المنطقة والعالم، بل هي خيارات شعبٍ بأسره وسلطةٍ تمثله، ومن العبث التلاعب بمصائر الشعوب تحت ذرائع أفكارٍ متناقضة.

أخيراً، فالأحداث القاسية تمنح الدروس، وغايات التخريب ونشر الفوضى وتعطيل التنمية والتقدم لن تتحقق مهما صنع «المقاومون» و«الشعاراتيون».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاولة لفهم ما يجري محاولة لفهم ما يجري



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon