بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي
الفساد سرقة وخيانة للأمانة واستغلال للنفوذ والمنصب، والحرب على الفساد واحدةٌ من أهم المهمات في بناء الدولة الحديثة، والدول المتقدمة تولي عناية خاصة للقضاء على كل أشكال الفساد، والدول المتوثبة للتقدم والرقي تجعل محاربة الفساد على رأس أولوياتها، والنموذج السعودي في هذا المجال أصبح مضرب مثل لدى العديد من الشعوب العربية.
حرب الفساد أولوية وهي حرب عسيرة بسبب تبعاتها الداخلية وصعوبة تتبعها وإثباتها، ويقابل حرب الفساد هنا الفساد في الحروب، فالحروب العسكرية المسلحة مجالٌ رحبٌ للفساد والفاسدين لأن أمن الدول وسيادتها وهيبتها أولويةٌ تطغى على كل ما سواها في لحظات الحرب والدفاع عن الأوطان.
تحتفظ الذاكرة البشرية بنماذج متعددة وممتدة للفساد في الحروب، عبر الدول والأمم والشعوب، وهو نوعٌ من أنواع الخيانة الكبرى، واستغلال اللحظات الوطنية الحساسة والحرجة لتحقيق مكاسب شخصية بشكل غير مشروعٍ ممن توكل إليهم مسؤوليات الحرب وميزانياتها وعقودها وصفقاتها، وهو يختلف تماماً عن الإثراء المشروع من الحروب من خلال توفير الأسلحة أو تقديم الخدمات المساندة من قبل التجّار والشركات المتخصصة التي ترتفع الحاجة إليها للدرجة القصوى في زمن الحرب.
الحرب الروسية الأوكرانية حربٌ عالميةٌ بين روسيا والدول الغربية تخاض على أرض أوكرانيا، وقد تم تصعيدها بشكل غير مسبوقٍ هدّد النظام الدولي المستقر منذ ما بعد الحرب الباردة، ولضخامة الحدث وأبعاد هذه الحرب وتأثيرها في موازين القوى الدولية فقد انتعش معها سوق السلاح دولياً وتدفقت المليارات من الأموال للتأثير على مسار الحرب ونتائجها، وكغيرها من الحروب فقد أفرزت نوعين من أثرياء الحروب: الأول، من يستغل الحرب ويثري من الفساد المتعلق بصفقاتها ومساعداتها المليارية ممن بيده مسؤولية وقرار، والثاني، من أثرى بسبب الطلب على الخدمات التي يقدمها عبر شركاته التجارية. الأول يمثل نموذج الفساد في الحروب، وهو عادةً لا يتكشف بتفاصيل أرقامه والشخصيات المشاركة فيه إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها وتستعيد الدول استقرارها وتبدأ في المحاسبة والتحقيق مع ما يحتاجه ذلك من وقت طويلٍ بحسب كل حربٍ، وفي الحرب الروسية الأوكرانية سيأخذ وقتاً ليس بالقصير.
أما الثاني فهو يمثل نموذجاً لأثرياء الحروب من التجار والشركات وأوضح الأمثلة عليه في هذه الحرب الحالية الملياردير الأميركي المثير للجدل إيلون ماسك، الذي تحدثت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» عن طلبه لفواتير عالية الكلفة بسبب الخدمات التي يوفّرها في هذه الحرب، والأمثلة أكثر ولكنه هو الأشهر.
تحدث تقرير لموقع «العربية نت» عن الحرب الروسية الأوكرانية جاء فيه أنه «على الرغم من التداعيات التي خلفتها الحرب الروسية في أوكرانيا على جميع الأنشطة الاستثمارية، فقد تمكن أكبر 10 أثرياء في العالم من إضافة المزيد إلى ثرواتهم منذ اندلاع الحرب» وذكر التقرير بالأرقام نسبة زيادة الثروات والتي يقف وراء بعضها الإثراء من الحرب ومتطلباتها وحاجاتها.
الفساد في الحروب هو جزء منها على أية حالٍ، وهو يتفاعل مع حجم الحروب نسبةً وتناسباً، والحرب الروسية الأوكرانية ضخمة بكل المقاييس وبالتالي فالفساد فيها ضخمٌ وكبيرٌ وهو وإن لم يظهر للسطح في الوقت الحالي بسبب احتدام الحرب وشدتها إلا أنه سيظهر يوماً ما وستظهر الأرقام والأسماء المشاركة فيه والمتنفعة منه، ومن الجيد لمن يراقب هذه الحرب في وسائل الإعلام العالمية أن يراقب عدم الاكتراث بهذا الجانب وعدم إثارته في المرحلة الحالية وهو ما يشكل غطاء للفاسدين وإن إلى حين. أخيراً، الحرب على الفساد ضرورة، والحرب على الفساد في الحروب ضرورة أكبر، ولكنها تأخذ وقتاً حتى تتضح.