توقيت القاهرة المحلي 15:59:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفوضى في فرنسا

  مصر اليوم -

الفوضى في فرنسا

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

بين الفوضى وفرنسا قصة طويلة، وكأن مدينة الأنوار باريس باتت تعشق الفوضى والتخريب أكثر من الأضواء، وما ذاك إلا لتراكمات طال أمدها ولم تلتق بعد بالحلول الناجعة ولا الأفكار الخلاقة القادرة على إخراجها منها بسلام. فرنسا التنوير الأوروبي والعالمي تعاني في هويتها وقوتها وصورتها أمام نفسها وأمام العالم، وأصبحت شوارعها تزدحم بالمظاهرات وأعمال الشغب والسرقات والتخريب والتدمير من شعبها ومواطنيها ومن رجال الأمن فيها، لا بأيدي غرباء ولا بفعل أعداء، لا حوادث فردية منعزلة، بل كنهجٍ ثابتٍ ومستمرٍ منذ عقودٍ لا يكاد يهدأ حتى يتصاعد مجدداً. الأحداث التي تعيشها فرنسا منذ أسبوعٍ تقريباً أصبحت تشبه المشهد المتكرر كل بضعة أشهرٍ يخرج الناس لأسباب مختلفة ويتظاهرون ويحتجون، ثم لا تلبث المظاهرات أن تتحول لأعمال شغبٍ وهكذا دواليك، ومع تعاقب الرؤساء وتبدل الوزراء وتغير الحكومات فلا أحد استطاع كسر هذه الحلقة المفرغة من الفوضى التي تحاصرها في كل حينٍ.
قضايا كثيرة دفعت الأوضاع هناك إلى هذا السوء، وبعضها مشاكل داخلية، وبعضها توجهات وتيارات سياسية تصطرع وكتلٌ اجتماعية تتنافر، والمؤمنون بخرافة أن الديمقراطية حلٌ لكل شيء لا يستطيعون تفسير ظاهرة الفوضى في فرنسا، فالديموقراطية فيها ضاربةٌ بأطنابها دون شكٍ ولا ريبٍ، ومع ذلك فهي أدمنت الفوضى كما لم يدمنها بلد أوروبي آخر. للأوضاع الاقتصادية دورٌ مهمٌ، وحين انخرطت فرنسا مع أميركا ضد روسيا في الحرب الروسية الأوكرانية كانت تعلم أن ثمة أثماناً باهظة ستدفع وأبدت استعدادها للدفع، ولكنها ما لبثت بعد أن تركت الغاز الروسي أن بدأت تئن تحت قسوة غلاء الغاز الأميركي العابر للمحيط الأطلسي، وهو ما اشتكى منه بمرارةٍ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر من مرة وبشكل معلنٍ.
«فرنسا التنوير» و«فرنسا الثورة»، خلفاً لـ«فرنسا الاستعمارية» التي بسطت نفوذها في مناطق واسعةٍ حول العالم وفي عدة قاراتٍ، وقد أورثتها مبادئ التنوير وأيديولوجيات الثورة وضرائب الاستعمار أن صارت محجاً للاجئين من شتى القارات، وقد استعصى هؤلاء اللاجئون على الاندماج داخل المجتمع الفرنسي بسبب منهم وبسبب من المجتمع الفرنسي نفسه، وعاش الملايين من المواطنين الفرنسيين من الأجيال الثانية والثالثة من أبناء المهاجرين في ضنك عيشٍ وضيق فرصٍ، وهذه واحدةٌ قادرةٌ دائماً على خلق الفوضى.
استقبلت فرنسا من العالم العربي والإسلامي، جماعات الإسلام السياسي ورموزها وفتحت لهم مجالاً رحباً للعمل ضد بلدانهم، واستخدمتهم كورقة ضغط سياسيةٍ، ولم تلبث هذه الجماعات أن نظمت نفسها وأصبحت تلاعب الدولة الفرنسية لعبة العصا والجزرة، ويتذكر كثيرون كيف لجأ الرئيس الأسبق ساركوزي إلى الأزهر في مصر ليساعده في حل هذا الجانب من معضلة فرنسا الدائمة، ولم يحقق نجاحاً كغيره ممن سبقه ولحقه. يتذكر الجميع ما جرى في أميركا بعد «مقتل فلويد» من قبل الشرطة الأميركية زمن الرئيس ترامب، وكيف تفشت الفوضى بكل أشكالها في شوارع ومباني وأحياء الولايات الأميركية ومدنها، وكانت مدعومة بشكل مباشرٍ من تيار اليسار الليبرالي هناك، وما إن سقط ترامب في الانتخابات حتى تلاشت تلك الفوضى.
هذا تذكير بالتشابه فقط بين المشاهد، حيث يمكن للفوضى أن تنتشر في أعتى الديموقراطيات، وبإمكان الدول العربية التي شهدت انتفاضات واحتجاجات واسعة إبان ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» أن توجه خطاباتٍ لفرنسا تطالبها بضبط النفس وحرية التعبير واحترام الحقوق بوصفها مبادئ عامةً يتفق عليها البشر واستخدامها كورقة ضغط سياسية مباحٌ للجميع. أخيراً، فالفوضى شرٌ دائماً، أحَدثت في فرنسا أم في دول العالم الثالث، والاكتفاء بالوعظ الأخلاقي لا ينجي منها دون التعمق في الأسباب والنتائج واختراع الحلول الخلاقة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفوضى في فرنسا الفوضى في فرنسا



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon