توقيت القاهرة المحلي 10:37:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روح الحضارة السعودية

  مصر اليوم -

روح الحضارة السعودية

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

للحضارة أرواحٌ كما نظّر الفيلسوف الألماني هيغل، وللتاريخ دوراتٌ كما كتب مؤسس علم العمران ابن خلدون قبله، والتاريخ بما هو وعاء التطور البشري الحافظ فإنه برسم الكتابة والصناعة الدائمة، والقراءة السريعة لحضارات البشرية يكتشف بسهولة انتقالها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في حراكٍ مستمرٍّ ودائم لا يتوقف.
مباراة السعودية والأرجنتين في كأس العالم باتت حديث العالم من أقصاه إلى أقصاه، لأسباب موضوعية، فكرة القدم أكثر الرياضات شعبية في العالم، وقمتها ورأس هرمها هو كأس العالم (المونديال)، وفي هذه الدورة من المونديال كان المرشح الأول هو منتخب الأرجنتين وهو المصنف الثالث عالمياً بحسب «الفيفا» وعلى الرغم من ذلك، فقد هزمته السعودية وانتصر المنتخب السعودي وحقق الإنجاز، وجعل الناس تكرر أن المستحيل ليس سعودياً.
طبقت الآفاق نشوة الانتصار الرياضي والمنجز السعودي، وارتفعت قوة الإنجاز والفرح لتوحّد المختلفين سياسياً ودينياً وثقافياً وآيديولوجياً، فقوة الإنجاز تعزيز للمشروعية وتوحيد للمجتمعات وطاقة للشباب والأجيال الجديدة وغذاء للمستقبل، والفرحون بهذا الإنجاز منتشرون، عربياً وإقليمياً ودولياً.
إن الإنجاز السعودي هو نتيجة رؤية وطموح وتخطيط وعملٍ، رؤية أمير شابٍ هو ولي العهد السعودي، وطموحه «عنان السماء»، والتخطيط منشور في الرؤية، أما التنفيذ والعمل فمتجددٌ في «برامج الرؤية» المساندة لها، والمهم في الإنجاز الرياضي هو تسليط الضوء على «روح الحضارة السعودية» الجديدة التي هي برسم البناء والتطوير لحظة بلحظة ومنجزاً بمنجز.
تحدث الأمير السعودي عن همة مثل «همة جبل طويق» وعن شعبٍ «جبارٍ وعظيم» والجبار هنا فائق الذكاء والتميّز، وهو تحدث عن رؤيته للمنطقة في سياق وعيه بانتقال الحضارة وإمكانية صناعة التاريخ بأنها «أوروبا الجديدة» ويرى بلاده «محور ربط بين القارات الثلاث» آسيا وأفريقيا وأوروبا، والقارئ لتفاصيل تصريحاته وسياساته وقراراته داخلياً وإقليمياً ودولياً يسهل عليه اكتشاف هذه الرؤية الشاملة والطموحة والمتجاوزة.
انتصار المنتخب السعودي على الأرجنتين منجزٌ بحدّ ذاته، بغض النظر عما يليه، وهو لم يحدث صدفة ولم يكن حظاً، فالتاريخ لا تصنعه الصدف والحظ لا يأتي إلا للعامل المجتهد الدؤوب، وهذا هو سرّ الفرح الذي اجتاح العالم العربي والإقليم والعالم، والعرب كشعوب حنّت لأصلها العربي ومحتدها وفاق فرحها كل وصف، فالفرح قوة شعورية عارمة تغطي على كل مشاعر ومواقف سلبية.
كان سهلاً اكتشاف أن حزازات الجماعات المسيسة تجاه السعودية ودول الخليج لا تمثل الشعوب، وآيديولوجيات الأقليات المنظمة لا تحكي واقع الأفراد والمجتمعات بسوادها الأعظم، وتلك الحزازات ذات أسبابٍ متعددة يمكن فهمها في سياقها ولا يمكن تفهمها بطبيعة الحال.
مشكلة كبرى يعاني منها الكثيرون في المنطقة والعالم وهي العجز عن استيعاب «روح الحضارة السعودية»، ولذلك تجد تجليات هذا العجز عن الاستيعاب في المجالات كافة، سياسياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً، وحين تتراجع بعض الدول العظمى في العالم عن مواقفها غير الصديقة للسعودية وتسعى لتعزيز حبال الودّ وترسيخ التحالفات القديمة فهي تعبر عن ارتباكٍ سببه ذلك العجز عن استيعاب ما يجري في السعودية.
وللحقيقة فهو ليس عجزاً فحسب، بل هو ممانعة للإقرار بهذه الروح الحضارية السعودية الجديدة، التي تبنى على أسس صحيحة مدعمة بقوة الهوية وعمق التاريخ وشمول الرؤية وضخامة الطموح، وهي ممانعة أكبر من أي تقصيرٍ في الشرح والتوضيح من قبل السعودية مسؤولين ومثقفين وإعلاميين.
طبيعي في لحظات الفرح والإنجاز أن تختفي الخلافات، وطبيعي أن تعود بعدها سيرتها الأولى، وخصوم السعودية صادقون في تعبيرهم عن هذه اللحظات بالفرح والافتخار، ولكن لأسباب موضوعية ضمن سياقهم السياسي أو الآيديولوجي لا يلبثون أن يعودوا لقواعدهم السابقة، ومع توالي الإنجازات تتزحزح تلك المواقف ويعيد البعض موضعة نفسه من جديد، والإنجازات السعودية ستستمر و«روح الحضارة السعودية» ستنتشر وتبقى طويلاً.
إحدى المشكلات التي عانت منها الدول والشعوب العربية طويلاً هي مشكلة «الفساد» بكل أبعاده ومجالاته ومستوياته، والنموذج الذي بنته السعودية بروحها الحضارية الجديدة ظلّ لسنواتٍ نموذجاً مبهراً دفع الكثيرين في مواقف متعددة إلى التعبير عن الأمل بخروج نماذج للأمير محمد بن سلمان في بلدانهم، أملاً في عدوى جميلة تكون بمثابة المخلّص لمعاناة طالت وأزمات لا تجد حلاً.
بعض وسائل الإعلام الغربية التي كان يشار لها بالبنان في المهنية والمصداقية باتت منذ سنواتٍ تقابل هذه الروح الحضارية السعودية بالنكران والتهجم والتشويه في سلسلة باتت حديث الكثير من المراقبين حول العالم، فليس مستغرباً والحال كذلك أن تسعى للتقليل من شأن المنجز الرياضي السعودي والتشكيك فيه بأوهام تفتقت عنها عقول القائمين على تلك الوسائل الإعلامية ولم يفكر فيها أحدٌ غيرهم.
ليس مستساغاً تحويل الأحداث الكبرى، رياضية كانت أم فنية، إلى مجالٍ للتبشير الديني لأنه نقيضٌ لفكرة تلك الأحداث الجامعة بطبيعتها، ومن هنا رصد كثير من المراقبين حجم التناقض الذي عبروا عنه من خلال رصد مواقف جماعاتٍ وأحزابٍ أو أفرادٍ ورموزٍ، وهي إن وجدت على هامش أحداث سابقة فالغريب اليوم هو السعة والانتشار حتى في وسائل التواصل الاجتماعي، ما مكّن الكثيرين من رصدها وقراءتها ووضعها في سياقها.
تحاول كثير من دول العالم التعبير عن نفسها وثقافتها وصورتها من خلال الأحداث الرياضية الكبرى، فمئات الملايين من المتابعين حول العالم يحرصون على الاستمتاع بمتابعة تفاصيل هذه الأحداث ويشاهدون الرسائل التي تحملها المنتخبات والجماهير ويستوعبون صوراً جديدة كان يغطي عليها التشويه أو التعامل السطحي وغير المهني الذي كانوا يتعرضون له، ومجرد إثارة الأسئلة عطفاً على الإعجاب نجاحٌ مهمٌ في هذا السياق.
الرؤساء الغربيون الذين زاروا السعودية بدأوا في استيعاب «روح الحضارة السعودية» من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، مروراً بالمستشار الألماني أولاف شولتس، وصولاً إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، وأزمات العالم الكبرى من «الحرب الروسية الأوكرانية» إلى «أزمة الطاقة» زادت الأمر إيضاحاً.
أخيراً، سائلوا منطق التاريخ وطبيعة الحضارة والدول لتخبركم أن سفن الأحلام الكبار والآمال العراض لا تبحر إلا بأشرعة العلم والرؤية ولا تتحرك إلا بمجاديف العمل الدؤوب، وقوة الطموح والقرار تصنع للتاريخ أرواحاً جديدة وحضارة متجددة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روح الحضارة السعودية روح الحضارة السعودية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon