توقيت القاهرة المحلي 18:05:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بايدن في السعودية... سياساتٌ واستراتيجيات

  مصر اليوم -

بايدن في السعودية سياساتٌ واستراتيجيات

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

وصل الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى السعودية، المحطة الأهم في زيارته لمنطقة الشرق الأوسط، وكل الملفات حاضرة على الطاولة؛ التحالف القديم، والمشكلات التي طرأت عليه، والمستقبل المفتوح على إمكانات مهمة للبلدين وللمنطقة والعالم.
الإمبراطوريات الكبرى قد تخطئ وتتشتت وتفقد البوصلة، وأميركا في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما أخطأت أخطاء استراتيجية فادحة في التقليل من أهمية منطقة الشرق الأوسط أولاً، وثانياً، بانحيازها للتطرف الأصولي مرتين: مرة بدعمها لـ«استقرار الفوضى» ودعم «جماعة الإخوان المسلمين» للوصول للحكم في عددٍ من الدول العربية إبان ما كان يعرف زوراً بـ«الربيع العربي»، ومرة بـ«الاتفاق النووي» الأسوأ في التاريخ مع النظام الإيراني الأصولي الطائفي في إيران.
مشكلة «إدارة بايدن» أنها عادت بعد «إدارة ترمب» لتستأنف الأخطاء نفسها والخطايا ذاتها في «إدارة أوباما»، وبالأسماء والوجوه نفسها أحياناً، ولكن هذه المرة مع حماسٍ مبالغٍ فيه أبعدها عن الواقعية والعقلانية وأدى لسياساتٍ غير محمودة العواقب بالنسبة لأميركا قبل غيرها من دول العالم.
بعيداً عن أي لغة قد تكون قاسية وبلغة الحقائق الباردة التي تحمل دلالاتٍ مهمة، فالسعودية دولة كبيرة ومؤثرة عربياً وإسلامياً وإقليمياً ودولياً، وهذه ليست المرة الأولى التي يجتمع فيها رئيس أميركي بزعماء عرب ومسلمين في السعودية، وقد وصل بايدن إلى جدة مع مغادرة ما يقارب المليون حاجٍ مسلمٍ لها بعد أداء مناسك الحج، الذي هو أحد أركان الإسلام؛ الدين الذي يتبعه أكثر من مليارٍ ونصف المليار حول العالم، وهي إقليمياً محور ربط للقارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأوروبا، وأكثر من ثلث التجارة العالمية تمر من شواطئها، وهي دولياً كل ذلك وأكثر، فهي ثاني أهم مصدرٍ للطاقة في العالم، وهي قائدة «منظمة أوبك»، وهي أهم دولة في بناء منطقة يملؤها «السلام» لا «الحرب»، و«التنمية» لا «الخراب».
الدول العظمى تتعلم بالطريق الصعب أحياناً، وقد أقر الرئيس بايدن بخطأ ترك المنطقة وخطأ التهجم غير المبرر على السعودية، وقد سأله بعض الصحافيين القادمين معه في وفده الإعلامي الكبير، وهو على طاولة المفاوضات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ما إذا كان لا يزال يعتقد أن السعودية «منبوذة»؟ ما يضع المفارقة السياسية في عين الحدث.
لقد كانت أكبر خطايا «إدارة أوباما» تكمن في دعم الأصولية والتطرف وحكم «جماعة الإخوان المسلمين» ودعم «إسقاط الأنظمة العربية»، وتأتي بعدها في الترتيب خطيئة «الاتفاق النووي» المعيب مع إيران، وقد انتصرت السعودية وحلفاؤها في المنطقة في تجاوز «الخطيئة الأولى» بتصنيف هذه الجماعات إرهابية وملاحقتها بقوة القانون داخلياً وإقليمياً ودولياً، وفي الخطيئة الثانية يراقب العالم كيف أن «الاتفاق النووي» مع النظام الإيراني يترنح رغم استماتة الإدارة الأميركية لإحيائه حتى اكتشفوا الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي وقعوا فيه، وبدأوا في بناء استراتيجية مختلفة.
الدول الكبرى قادرة على استدراك أخطائها وتعديل مسارها، والاعتراف بالخطأ فضيلة، جاءت من أميركا نفسها، وزيارة بايدن للسعودية والاتفاقيات التي تمخضت عنها هي خطوة في الاتجاه الصحيح، وستعقبها خطواتٌ أهم وأكبر، مع الاعتراف بأن إعادة بناء الثقة بين الدول تحتاج وقتاً وجهوداً مشتركة واتفاقيات موقعة تشكل ضماناتٍ فعلية في المستقبل.
أمن السعودية ودول الخليج العربي خطٌ أحمر يجب ألا يكون رهناً لرغبات «إدارة» ما و«تكتيكاً» سياسياً يتغير بتغير الوقت والظروف، بل إما أن يكون «استراتيجية» ثابتة ومستقرة ويمكن الاعتماد عليها، أو لا يكون، والعالم مفتوحٌ والخيارات متعددة، وقد اكتشفت أميركا في هذه اللحظة التاريخية أهمية هذا الأمر وعدم قابليته للتلاعب أو المساومة.
بيانٌ مشتركٌ بين السعودية وأميركا صدر عن القمة السعودية الأميركية، وقعت فيه الدولتان على ثماني عشرة اتفاقية ومذكرات تعاونٍ في مجالات الفضاء والاستثمار والطاقة والاتصالات والصحة وغيرها من المجالات، ولدى السعودية في «رؤية 2030» نظرة مستقبلية واعدة لمستقبلها ومستقبل جيرانها وحلفائها ومستقبل المنطقة والعالم عموماً، وهي «رؤية» استطاعت أميركا إدراك قوتها والمصالح الكبرى التي تنطوي عليها بعدما أزاحت غشاوة الآيديولوجيا والمزايدات الليبرالية اليسارية عن عينيها، وحكّمت العقل والمنطق ولغة المصالح.
الأزمات الكبرى في العالم والمنطقة لها سلبيات وإيجابيات، والتوازنات الدولية في حالة حراكٍ وتغيرٍ دائمٍ، والرهان على الناجحين نجاحٌ، والرهان على الفاشلين فشلٌ، و«الحرب الروسية الأوكرانية» و«أسعار الطاقة» و«الأمن الغذائي» هي أزماتٌ دولية مؤثرة، و«سياسات النظام الإيراني» النووية والتوسعية و«حرب اليمن» و«ميليشيات الإرهاب» و«تهديد طرق التجارة» و«إمدادات النفط» و«عملية السلام» هي أزمات إقليمية ذات بعدٍ دوليٍ، ويخطئ كثيراً من ظن أنه يمكن تجاوزها جميعاً بالابتعاد عنها أو غض الطرف عما يجري فيها.
لقد تم تجاوز الأزمة الخليجية الداخلية في «قمة العلا» السعودية، وتم تجاوز الأصعب في «الأزمة اليمنية» بمبادرة سعودية في جدة، وبإعادة ترتيب المشهد اليمني في الرياض، وتطورت «عملية السلام» باتفاقاتٍ بين دولة الإمارات ومملكة البحرين مع إسرائيل، والسعودية ترى في إسرائيل «حليفاً محتملاً»، ومصر عادت لشعبها دولة مستقرة وقوية، والعراق يسعى جهده ليعود دولة مستقلة بسيادتها وقرارها ووحدة شعبها، كل ذلك تم بجهود السعودية وحلفائها الأقوياء في المنطقة، ما دفع أميركا لإعادة حساباتها ورؤية الإمكانات الكبرى في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
«السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر» هما مبادرات سعودية أصبحت أميركا تدعمها، ورؤية ولي العهد السعودي للمنطقة بأنها «أوروبا الجديدة» تتجلى أكثر وأكثر، ولولا بعض الخلل في رؤية تلك الإمكانات سابقاً في أميركا لكانت النجاحات أكبر وأكثر حضوراً وتأثيراً اليوم.
قبل وأثناء وبعد زيارة بايدن للسعودية أصيب الإعلام اليساري الليبرالي الأميركي بصدمة، فلغة المصالح المشتركة أقوى من الشعارات والمزايدات، وهي تنتصر دائماً، وقد اتضحت الصدمة في بعض المقالات العقلانية والمؤسسات الإعلامية التي عادت للواقعية السياسية، والتيار الذي نشأ واتسع داخل الحزب الديمقراطي للمطالبة بمراجعاتٍ جادة لسياساتٍ وتصريحاتٍ سابقة غير محسوبة.
أخيراً، فقمة سعودية، وقمة خليجية عربية، وقمم ثنائية عقدها الرئيس بايدن مع الزعماء الخليجيين والعرب في جدة، تختصر الكثير من الوقت والجهد، ولم يكن عقدها ممكناً في أي دولة إقليمية غير عربية، وما تم مشجعٌ والمستقبل حكمٌ.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بايدن في السعودية سياساتٌ واستراتيجيات بايدن في السعودية سياساتٌ واستراتيجيات



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon