توقيت القاهرة المحلي 18:03:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قوات «فاغنر»... انتصرت في «أوكرانيا» فهاجمت «موسكو»

  مصر اليوم -

قوات «فاغنر» انتصرت في «أوكرانيا» فهاجمت «موسكو»

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الانتصار القاسي في الحروب يغري بارتكاب الحماقات؛ فعندما انتصر صدام في حربه مع إيران ارتكب حماقة غزو الكويت التي أودت بنظامه، وتجنَّبت بريطانيا أي حماقة بعدم انتخاب تشرشل بعد انتصاره في الحرب العالمية الثانية، وروسيا تاريخها طويل مع الانقلابات والتمردات والشخصيات المثيرة؛ من روسيا القيصرية مروراً بالاتحاد السوفياتي وصولاً إلى روسيا الاتحادية، ومغامرة يفغيني بريغوجين لن تكون محمودة العواقب عليه شخصياً ولا على روسيا.

بعد عامٍ ونصف العام من الحرب الروسية - الأوكرانية، كانت موسكو تبدو رابحة في الحرب رغم قسوتها وشدتها في مقابل الدول الغربية التي صعَّدت ضغوطها لدرجات غير مسبوقة، وبدت وكأنها بلا طائل ولا تحقق شيئاً من أهدافها، وكانت تتراكم في روسيا التوترات القوية بين قيادة الجيش الروسي ووزارة الدفاع، ومجموعة «قوات فاغنر» العسكرية الخاصة التي خاضت أقسى المعارك داخل أوكرانيا، ولكن أحداً لم يتنبأ بأن تعلن هذه القوات تمردها العسكري وتخرج من أوكرانيا وتعلن توجهها عسكرياً وقتالياً إلى موسكو عاصمة روسيا.

هذا تحول دراماتيكي خارج عن أي منطقٍ سياسي أو عسكري، فجأة أعلن بريغوجين قبل ليلتين خروجه بقواته من أوكرانيا واستحواذه على مدينة روستوف الروسية ذات الموقع الاستراتيجي والأهمية الاستثنائية في خطوط الإمداد للحرب في أوكرانيا. وبعد روستوف، أعلن أنه سيتوجه شمالاً إلى ليبيتسك، ومنها إلى موسكو العاصمة، وقال: «نحن نواصل، وسنذهب إلى النهاية»، وبعد الهجوم على قيادات الجيش صعَّد هدفه بعد خطاب الرئيس بوتين ليعد برئيسٍ جديدٍ لروسيا.

هذا السيناريو العجيب، لم يتحدث عنه محللون أو مراقبون للأوضاع في الحرب الروسية - الأوكرانية على الإطلاق، ولكن تحدثت عنه سيناريوهات شبيهة له في روسيا العديد من أفلام «هوليوود» عبر عقودٍ من الزمن، حيث يتمرد جنرالات روسٌ على السلطة المركزية في موسكو، ويستحوذ بعضهم على «أسلحة نووية»، ويشكلون تهديداً خطيراً للعالم وأمنه؛ فهل يمكن أن يصل بريغوجين لشيء شبيه بتلك السيناريوهات المرعبة؟

يعلم العالم أن «قوات فاغنر» قوات عسكرية خاصة درَّبتها وشكلتها ودعمتها وطورتها روسيا لتكون أخف حركة وأسرع انتقالاً لأماكن الحروب، واتصفت بوحشية قتالية وتكتيكات فعالة وتدميرية، ولا تتحمل روسيا تبعات تصرفاتها كدولة، وقد استخدمتها روسيا في القرم وفي شرق أوكرانيا 2014 و2015 ثم في سوريا وفي ليبيا وأفريقيا، وعادت قبل عامٍ ونيفٍ إلى روسيا لتخوض الحرب في أوكرانيا وصولاً إلى إعلان التمرد قبل يومين.

ما زالت الأحداث ساخنة وتتطور وتتلاحق بصورة سريعة، ولم تتشكل لها صورة واضحة بعد؛ قائد قوات «فاغنر» تربطه علاقة شخصية بالرئيس بوتين، وقد انتظر الجميع كلمة بوتين التي لم تتأخر؛ فاتهمه بالخيانة العظمى، وهدد بملاحقته والقضاء المبرم عليه بقوة وقسوة، وكان هذا الخطاب متوقَّعاً من بوتين؛ فلا يمكن أن يرضى أي رئيسٍ بتمردٍ ميليشياتٍ عسكرية على قواته المسلحة وجيشه، والسؤال هنا: كيف ستواجه الدولة الروسية بجيشها واستخباراتها وقواتها الأمنية مثل هذا الحدث الاستثنائي في مثل الظروف العصيبة التي تمر بها روسيا؟ والجواب سيتضح سريعاً بسرعة الأحداث المتتابعة.

وتظل الأسئلة أكثر من الأجوبة؛ فكيف يمكن تصور أن قوات «فاغنر» العسكرية الخاصة المكونة، مما يقارب الخمسة وعشرين ألف مقاتلٍ يمكن أن تصمد أمام ثاني أقوى جيشٍ في العالم؟ وكيف يمكن لها بتسليحها الخفيف والمتوسط الوقوف أمام جيش يمتلك كل عناصر القوة الضاربة بكل المقاييس العسكرية المعترَف بها دولياً؟ وهل لقائد هذه القوات علاقة بالهجوم الغربي الصارم وغير المسبوق على روسيا وعلى الرئيس بوتين؟ وكيف يمكن له أن يضمن خطوط إمداد لقواته وهو يستهدف العاصمة الروسية موسكو؟ وأسئلة لا تنتهي في مواجهة حدثٍ استثنائي وغير متوقعٍ بهذا الحجم.

في موقفه الأول، اعتبر الرئيس بوتين أن «الرد على أي تمردٍ سيكون صارماً وحاسماً وقاسياً»، وأن تصرفات قوات «فاغنر» تُعتبر «طعنة في الظهر» و«تمرداً مسلحاً»، وأن من نظموا هذا التمرد «خونة» من الداخل، وأن «من ينظم العصيان يحاول دفع البلد للاستسلام والحرب الأهلية». وأضاف أن «أي اضطرابات داخلية تشكل تهديداً قاتلاً للدولة، وهي بمثابة صفعة للشعب الروسي»، ولا يتوقع من رئيس أي دولة أن يتخذ موقفاً أقل صرامة من موقف بوتين القوي.

استشعاراً لحجم الخطر الذي يمكن أن يشكله مثل هذا التمرد على العالم بأسره لا روسيا فحسب؛ فقد جاءت ردود الفعل من الدول الغربية محذرةً ومتوجسةً من العواقب، بينما جاءت من أوكرانيا متشفية، وهذا أمرٌ طبيعي؛ فأوكرانيا تخوض حرباً شرسة مع روسيا ولا يتوقع منها غير ذلك.

بوتين يتحدث عن «الخيانة» و«التمرد»، والمخابرات الروسية تتحدث عن «تقسيم البلاد» و«الحرب الأهلية»، والرئيس الشيشاني رمضان قديروف يصطف مع بوتين والجيش الروسي ويهدد «باستخدام أساليب قاسية»، بينما صعد بريغوجين هجومه من رئيس هيئة الأركان إلى وزير الدفاع وصولاً إلى الرئيس بوتين، وتحدثت الأنباء عن دعوة إلى تمردٍ مشابهٍ في بيلاروسيا المجاورة لروسيا ورئيسها المتحالف مع بوتين.

هذا حدث استثنائي وكبير، وهو يغير كثيراً من قواعد اللعبة في المواجهة الروسية الغربية الكبرى والحرب الباردة بين الطرفين، كما يغير من قواعد اللعبة في الحرب الروسية الأوكرانية، فالمواقع التي أخلتها قوات «فاغنر» قبيل الهجوم الأوكراني المضاد ستسهل مهمة القوات الأوكرانية بشكل كبيرٍ، وانشغال الجيش الروسي بمواجهة التمرد العسكري سيجعل من الصعب عليه تعويض قوات «فاغنر» في وقت قصيرٍ، والنجاحات العسكرية الروسية التي بُنيت في عامٍ ونصف العام تقريباً يمكن أن تضيع وتصبح هباءً منثوراً في أيامٍ أو أسابيع.

«الميليشيا» تبقى «ميليشيا» في كل الأماكن والأزمنة، لا يمكن للميليشيا أن تفكر كدولة، وربما كان خطأ روسيا يكمن في إعادة قوات «فاغنر» مجدداً إلى روسيا، بعدما خرجت منها قبل سنواتٍ لتخدم أهداف روسيا العسكرية في سوريا وليبيا وأفريقيا، وتصبح خدماتها معروضة في الأسواق والنزاعات الإقليمية والدولية، ويعرف مواطنو دول الاضطرابات في الشرق الأوسط جيداً كيف يمكن أن تنقلب تلك «الميليشيات» على الدولة والشعب تحت شعاراتٍ وطنية أو طائفية أو دينية.

أخيراً، فالحدث في روسيا ما زال ساخناً، ولم تتكشف أبعاده بعد، ولكن تسارع الأحداث سيكشف التطورات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قوات «فاغنر» انتصرت في «أوكرانيا» فهاجمت «موسكو» قوات «فاغنر» انتصرت في «أوكرانيا» فهاجمت «موسكو»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon