توقيت القاهرة المحلي 09:17:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السعودية والسلام في الشرق الأوسط

  مصر اليوم -

السعودية والسلام في الشرق الأوسط

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

في السياسة، الصراع هو الأصل والسلام استثناء أو هو تطوّرٌ عن الحالة الأصلية لدوافع مختلفة، فالصراع غريزةٌ والسلام وعيٌ ورؤية، وقد ظلت منطقة الشرق الأوسط محلاً للنزاعات والصراعات لقرونٍ من الزمن رواها التاريخ ودونتها مسيرته الطويلة، وقد تكثفت تلك الصراعات في العقود الأخيرة.

في القرن العشرين تكثيفٌ للتاريخ وصراعاته التي طالما تطورت إلى حروبٍ، تكبر وتصغر، تطول وتقصر، فقد بدأ القرن في المنطقة باستعمارٍ تركي غاشمٍ ومرير تحت اسم «الخلافة العثمانية» ولم تتحرر منه شعوب المنطقة التي عرفت ويلاته وجرائمه إلا بعد ضعف الدولة العثمانية وبداية دخول الاستعمار الغربي البريطاني والفرنسي إلى المنطقة في بلاد المغرب العربي وبلاد الشام ومصر وتوسع لغيرها.

جاءت بعد ذلك مرحلة التحرر الوطني وقامت حركات مقاومةٍ للاستعمار في كثيرٍ من دول المنطقة، انتهت بجلاء المستعمرين على مراحل متفاوتة، وبتحدياتٍ متعددةٍ بحسب العديد من المعطيات التي تختلف من بلدٍ لآخر، واكتمل الاستقلال وقامت دولةٌ تركيةٌ ودولةٌ إيرانيةٌ ودولٌ عربيةٌ، ورثت الدولة التركية خلافة العثمانيين فعززت قوميةً تركيةً علمانيةً لا تحفل بأقلياتها وعاشت الدولة الإيرانية صراعاً هوياتياً بين علمانيةٍ مضطربةٍ وطائفيةٍ صاعدةٍ، حتى رست على ما يسمى «الثورة الإسلامية» وانتصرت الطائفية بشكل صارخ.

عربياً، قامت صراعاتٌ حول طبيعة الدولة في كل بلدٍ، فكانت ملكياتٌ وجمهورياتٌ، ومرت موجةٌ قويةٌ من الانقلابات العسكرية التي سميت «ثورات» تماشياً مع الخطاب السائد حينها عالمياً ما بعد الحرب العالمية الثانية بين شرقٍ وغربٍ وشيوعيةٍ ورأسماليةٍ، ورست الدول العربية على ملكياتٍ مستقرةٍ وجمهورياتٍ عسكريةٍ بخطاباتٍ قوميةٍ متصارعةٍ، وكان الصراع مع إسرائيل أحد أكبر الشعارات حينها عربياً وإقليمياً.

صراعات الهويات ونزاعات الدول لا تنتهي بجرة قلمٍ ولا تختفي من التاريخ فجأةً، ومن هنا قام في المنطقة صراعٌ استمرّ لعقودٍ بين ثلاثة مشاريع كبرى: مشروعٌ أصوليٌ لتركيا التي تفتش عن عودةٍ لإرثها الاستعماري العثماني والتخلي عن علمانيتها بخطابٍ لم يصل لنهايته بعد، ومشروعٌ طائفيٌ لإيران الخمينية، وسعى المشروعان لاستهداف الدول العربية التي تمثل المشروع الثالث وهو مشروع الاعتدال العربي، وكانت وسيلة المشروعين للتغلغل في الدول العربية تمرّ من خلال جماعاتٍ وتنظيماتٍ وأحزابٍ وميليشيات، حتى وصل الجميع للحظة ما كان يعرف بالربيع العربي.

اشتركت في ذلك الربيع المشؤوم إرادة المشروعين المعاديين للعرب مع إرادةٍ غربيةٍ لضرب الدول العربية ودعم استحواذ الجماعات الأصولية على السلطة فيها، ولكن هذه الإرادة المشتركة، وإن انتصرت مؤقتاً بنشر «استقرار الفوضى» وإسقاط بعض الأنظمة الجمهورية العربية، إلا أنها هزمت في النهاية، ورجعت غالب الدول العربية لوضع الاستقرار السياسي، وإن لم يكتمل ذلك الرجوع بعد في بعض الدول.

هذا استعراضٌ مكثفٌ لما جرى في المائة عامٍ الأخيرة من صراعاتٍ ونزاعاتٍ تجلت في حروبٍ ذات أشكالٍ وألوانٍ مختلفةٍ ومتعددة، وقد رافقته خطاباتٌ متفاوتة التماسك والانتشار والتأثير، وآيديولوجياتٌ متصارعةٌ عبّرت عن حدته وتناقضاته، تداخل في بنائها القديم الموروث مع التأثيرات العالمية والمصالح الحزبية لكل تيارٍ، حتى وصلنا للحظة الراهنة.

اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى باتت احتمالية السلام أكبر من الصراع، والسلام هنا أكبر من فكرة السلام مع إسرائيل وحدها، بل هي فكرة السلام بين دول المنطقة بأسرها ومشاريعها وتوجهاتها، وقد قادت السعودية بحجمها ومكانتها وتأثيرها هذا التوجه الجديد عبر رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي باتت واضحة للجميع، فهو في كثيرٍ من طموحاته وآماله ينطلق بمنطقٍ متماسكٍ وخطى ثابتةٍ من السعودية بوصفها مركزاً ثم المنطقة إقليمياً ثم العالم دولياً، والأمثلة كثيرةٌ.

مثالان معبران في هذا السياق، ابتدأ الأمير مشروع «الرياض الخضراء» ثم طوّره إلى «السعودية الخضراء» ثم انتقل به إلى «الشرق الأوسط الأخضر» وهو ضمن رؤيته الكبرى للبيئة والمناخ بشكل عامٍ، وكذلك مشروع «الممر الاقتصادي» بين الهند والسعودية وأوروبا، فهو تجلٍّ لرؤيته المنشورة منذ سنواتٍ التي ترى بلاده محور ربطٍ بين القارات الثلاث؛ آسيا وأفريقيا وأوروبا، وعلى هذا يمكن القياس في بقية القضايا.

مَن يستطيع التفكير في حلّ نزاعات القرون وصراعات العقود الماضية شديدة التعقيد والتشابك والتداخل هو مَن يمتلك رؤيةً مستقبلية قادرةً على التجاوز، وهذا ما جرى على الأرض في السنوات القليلة الماضية، فقد أصبح الاقتصاد أولويةً لكل دول المنطقة برضا أم باضطرار، وصارت مصالح التوافق والتفاهم والتعايش أكبر بكثيرٍ من تبعات النزاع والصراع وذلك لكل الأطراف، ومن هنا جاءت إعادة الدفء للعلاقات مع تركيا، وجاء الاتفاق مع إيران برعاية صينية، وجاء إشراك الهند في مشاريع كبرى وخرج الحديث عن السلام مع إسرائيل.

دون الاتفاق مع إيران، لم يكن سهلاً تهدئة الأوضاع في العراق ولا التواصل البناء لإنهاء أزمة اليمن، ولا إعادة سوريا للجامعة العربية، ولا عودة لبنان لوضعه الطبيعي الصغير وغير المؤثر في المنطقة، ودون رسم أولوياتٍ اقتصادية ومصالح تجارية وشراكاتٍ دوليةٍ وأن المنطقة ستكون «أوروبا الجديدة» لما أمكن الحديث عن السلام.

مطالب السعودية من إسرائيل وأميركا تجاه تطوير سلامٍ حقيقيٍ مع إسرائيل معلنةٌ ومشروعةٌ، ويمكن تفهمها جيداً من الأطراف كافة، والسعودية الجديدة التي تغيّر وجه المنطقة والعالم لم يعد أحد بحاجةٍ لتجريب جديّتها وتأثيرها، فقد أصبح الأمر جلياً للجميع، وهي مستعدةٌ لكل التفاهمات التي يمكن بناؤها لتحقيق الأهداف الكبرى، ولكن وبالمقابل يجب أن تستجيب جميع الأطراف لمطالبها المعلنة والمشروعة، فالسلام الأعرج لا يمكن أن يستمرّ في المستقبل.

المطالب الفلسطينية تقع ضمن المطالب السعودية، وهي من قبل جزءٌ من «المبادرة العربية» التي قدمتها السعودية ووافقت عليها الدول العربية، فالسلام مع السعودية هو النهاية الحقيقية لما عرف لعقودٍ بالصراع العربي الإسرائيلي، والسعودية بقوتها الذاتية وتحالفاتها العربية والإقليمية وتأثيراتها الهائلة إسلامياً قادرةٌ على رسم هذه النهاية، التي ستكون إن حدثت «أعظم اتفاق تاريخي منذ الحرب الباردة»، بحسب تعبير ولي العهد السعودي في لقائه الأخير مع قناة «فوكس نيوز» الأميركية.

أخيراً، لكل شيء ثمنٌ، فللسلام ثمنٌ وللصراعات والحروب أثمانٌ، والاتفاقات الملزمة جزءٌ من السلام، والسلام صعبٌ، ولكنه محمود العاقبة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية والسلام في الشرق الأوسط السعودية والسلام في الشرق الأوسط



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon