توقيت القاهرة المحلي 17:17:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المتاجرة باختفاء جمال خاشقجي

  مصر اليوم -

المتاجرة باختفاء جمال خاشقجي

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

المواطن السعودي، جمال خاشقجي، أين هو؟ ومن المسؤول عن اختفائه؟ وأين وكيف اختفى؟ هذه أسئلة مهمةٌ يطرحها الجميع، وهي أسئلة مشروعةٌ تماماً، والإجابة عن بعضها واضحة، وبعضها الآخر لم يزل صعباً، ولكن يمكن التعليق عليه.
بدايةً، جمال خاشقجي مواطن سعودي، خرج من السعودية واختار خطاً سياسياً ليس متوافقاً معها، ولكن ظلّت له علاقات مع بعض المسؤولين السعوديين، كما صرّح بذلك الأمير خالد بن سلمان سفير السعودية في واشنطن، الذي رسم خطوطاً واضحةً للأزمة من بدايتها، وأكد أن خاشقجي كان يزور السفارة السعودية في واشنطن إبان إقامته هناك، وهو لا يُعدّ معارضاً سياسياً؛ والسعودية تدافع عنه كأي مواطنٍ سعودي وتفتش عن مصيره.
خاشقجي كشخصٍ، لمن لا يعرفه، صحافي فقد رئاسة التحرير مرتين، وأدار فضائية إخبارية أُغلِقت بعد ساعاتٍ قليلةٍ، وكان ذلك بسبب عدم إدراك للواقع ومعطياته، وفقدان لوعي مهمٍ بحساسيات المجتمعات. وأثناء «الربيع العربي» اعتقد أنه سيكون وسيطاً بين السعودية ومصر الإخوانية، ولم ينجح، وبعد فشل «الربيع العربي» بشكل كاملٍ كان ضمن أقلية ضئيلةٍ أصرت على نجاحه.

الزمان والمكان معروفان، والشخص معروفٌ، وهذه إجابات واضحةٌ، وتبقى أسئلة: ماذا حدث بالتحديد؟ وكيف حدث؟ ومَن المسؤول؟ وهذه الأسئلة الثلاثة ليست لها أي إجابة رسمية حتى الآن، ولكن يمكن البحث في الظروف المحيطة بها، للوعي بالمشهد العام.
أما المسؤولية الأمنية فهي مسؤولية الدولة التركية، لأن الحدث جرى على أراضيها، وهي أرض شهدت، على مدى السنوات الأخيرة، تحركاتٍ مريبةً لكل أجهزة الاستخبارات الدولية ولأنواع متعددةٍ من «المافيا» المحلية والدولية، وهناك عمليات اغتيال وتصفياتٍ جَرَتْ هناك ولم تحلّ منذ سنواتٍ، بالإضافة لتحركاتٍ واسعةٍ للتنظيمات الإرهابية من «داعش» إلى «النصرة»، وتحركات «لوجيستية» كانت تتم هناك على نطاق واسعٍ ومنظمٍ، وهذا مهمٌ في شرح المناخ السائد زمانياً ومكانياً.
الدولة القطرية تعمل منذ عقدين على معاداة المملكة العربية السعودية ودول الخليج والدول العربية، وهي حليفٌ معتمدٌ لدعم الإرهاب بشقيه السنّي والشيعي، وقد قلّمت السعودية وحلفاؤها كل أدواتها الإرهابية عبر تصنيف جماعة «الإخوان المسلمين» جماعةً إرهابيةً وإصدار قوائم مطلوبين من المسؤولين القطريين الداعمين المباشرين للإرهاب، وصولاً إلى القرار التاريخي، وهو قرار مقاطعة الدول الأربع لدولة قطر قبل عامٍ ونصف العام تقريباً.

خسرت قطر كثيراً من قوَّتها بعد المقاطعة، ولكنها ظلّت تنحت في الصخر وتحاول المستحيل لتغيير رأي السعودية وحلفائها، ولكنها لم تنجح، لا في الداخل السعودي والخليجي ولا في اليمن، حيث الحرب العادلة لطرد أذيال إيران منها، وهي تخسر في كل مكانٍ سعت للعبث فيه من قبل بالتحالف مع الإرهاب؛ خسرت في مصر والبحرين، وفي السعودية والإمارات، وخسائرها تتصاعد في سوريا وليبيا والعراق ولبنان، ولم يجدِها نفعاً الارتماء في حضن المشروعين المعاديين للعرب في المنطقة؛ المشروع الإيراني والمشروع الأصولي.

مع سياسة «العناد الاستراتيجي» التي اتبعتها قطر، فإن المنطق يقول إنها فكّرت وقدّرت ورجعت إلى قوّتها الأساسية لنشر الخراب والفوضى التي نجحت فيها جزئياً أيام ما كان يُعرف بـ«الربيع العربي»، وهي «القوة الإعلامية»، ولا أقصد بذلك منظوماتها الإعلامية الموجهة للشعوب العربية كقناة «الجزيرة» وتوابعها، بل أقصد استثماراتها الضخمة في وسائل الإعلام الغربية الكبرى، وركوبها لكثير من «اليسار» أو «اليسار الليبرالي» في الغرب، مؤسساتٍ وكتاباً ومشرّعين وساسةً، والمعادين أساساً للدول العربية، وعلى رأسها السعودية وحلفاؤها، وبالتالي: هل نجحت في صنع قضية رأي عامٍ دولي معادٍ للسعودية انطلاقاً من هذه القضية؟ والجواب يحمل عدداً من الأسئلة.

أول هذه الأسئلة، هو كيف علمت قطر - وحدها - بأن شيئاً ما قد حدث في المكان والزمان المحددين؟ وكيف تهافت مذيعوها ومشاهيرها في غضون الساعات الأولى على روايات وقصص تفصيلية عن خطفٍ واغتيالٍ وتعذيبٍ وتقطيعٍ وكأنهم شهود عيانٍ؟ وهو أمرٌ يثير الريبة دون شكٍ، وكيف استطاعت تحريك وكالاتٍ عالميةٍ وصحفٍ دوليةٍ مثل «رويترز» و«نيويورك تايمز» على سبيل المثال لتعزيز قصصها المتخيَّلة والمفصلة دون أي مصدرٍ موثوقٍ؟ هذا دليلٌ واضحٌ على اختراقاتٍ مهمةٍ لتلك الوسائل الإعلامية، وقد اعتذرت «نيويورك تايمز» لاحقاً، وحذفت بعض تغريداتها، ربما خوفاً من المحاكمات.

السؤال الثالث هو سؤال مؤلمٌ، وهو: كيف يمكن لدولٍ كبرى مثل السعودية وحلفائها الكبار مثل الإمارات التأثير في المشهد الإعلامي الغربي، حمايةً للمشروعات التنموية والتنويرية الضخمة التي يبشرون بنماذجها الناجحة في المنطقة والعالم؟ لأن الواضح اليوم هو أن ترك هذه المساحة فارغةً إلا من الاستثمار القطري، أمرٌ بالغ الضرر، وهو ما يجب استدراكه ومراجعته، وليس أنجع من الفراغ لخلق الفوضى وبناء القضايا ضد الخصوم، مع الاعتراف بأن التأخر التركي شارك في صنع الفراغ في هذا الحدث.
ولكن ونحن في سياق الأسئلة عن هذه الحادثة تحديداً، هل نجحت قطر في مبتغاها بتحميل السعودية كل شرور الحادثة؟ الجواب هو قطعاً لا... لم ولن تنجح، ولكنها خلقت مزيداً من البغضاء والشحناء لأدوارها التخريبية لدى جميع الشعوب العربية، وعلم الجميع حجم الحقد والمكر والخيانة التي هي مستعدة لها ومستمرةٌ فيها وماضيةٌ في سبيلها.

غيّرت السعودية الجديدة كثيراً من قواعد اللعبة السياسية في المنطقة والعالم، وهو تغيير يقلق كثيراً من الأطراف إقليمياً ودولياً، ومع دعمها المستمر لاستقرار الدول في المنطقة ورفضها الشرس لاستقرار الفوضى الذي يدعمه المحور الإيراني والمحور الأصولي لدرجة دخول الحرب العسكرية، إلا أنها أظهرت استخداماً غير مسبوقٍ لقوّتها في عدد من الأزمات؛ الأزمة مع السويد، التي اعتذرت عنها السويد، ومع ألمانيا، وأسفت ألمانيا، ومع كندا، وستعتذر كندا، ومع قطر، وستخضع قطر، وهذه التغيرات الكبيرة والسريعة أربكت الكثيرين، خصوصاً الخصوم في المنطقة.
أخيراً، نتمنى نهاية إيجابية لأزمة خاشقجي كإنسان، وفريق العمل المشترك التركي - السعودي في القضية يدفعها بالاتجاه الصحيح.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المتاجرة باختفاء جمال خاشقجي المتاجرة باختفاء جمال خاشقجي



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon