توقيت القاهرة المحلي 06:13:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السحر الحلال... محمد بن سلمان

  مصر اليوم -

السحر الحلال محمد بن سلمان

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

السحر حلالٌ وحرامٌ، والسحر غموضٌ، والغموض مفيدٌ ومضرٌ، مفيدٌ حين يتم توظيفه بشكل صحيح، ومضرٌ حين يتم توظيفه بشكلٍ سيئ، فالساحر تهمة حين يطلق على الأنبياء والرسل، ولكنه مزية وفضيلة حين يتم إطلاقه على البارعين والمبدعين في أي مجالٍ وأي فنٍ، ومحمد بن سلمان سحر الناس بالسحر الحلال.
تحدث هنري كيسنجر عن «الغموض البناء» كاستراتيجية ما، واستخدم الخرافيون القدماء الغموض لترويج «الشعوذة»، والأمير محمد لا يستخدم «الغموض»، بل على العكس تماماً فهو يعتمد وبشكل منهجي ومكثف وثابت على «الوضوح» و«الشفافية»، ورؤيته «السعودية 2030»، وكل برامجها المساندة لها في كل مناحي الدولة والحياة، معلنة ومنشورة بكافة التفاصيل الدقيقة والمراحل والأرقام، لا في السعودية فحسب، بل في العالم أجمع، ويمكن قراءتها بغالب لغات العالم، وهذا سحر الوضوح لا الغموض.
رؤية ولي العهد السعودي التي هي مشروعه يواجهها «مشروع لإفشالها»، وهذا المشروع لإفشال رؤية «السعودية 2030» له أطراف دولية وإقليمية ومحلية، دولٌ وجماعاتٌ وأفرادٌ، والأمير قال: «هناك العديد من الناس الذين يريدون أن يتأكدوا أن مشروعي يفشل، ولكنهم لن يستطيعوا المساس به، ولن يفشل أبداً، ولا يوجد شخص على هذا الكوكب يمتلك القوة لإفشاله»، وأضاف: «ولا أريد أن أوجه اتهامات لأحد، فهناك مجموعات قليلة يستطيع أي شخصٍ يمتلك معرفة جيدة أن يحدد الصلة بين تلك المجموعات في الغرب، والمجموعات في الشرق الأوسط، الذين لديهم مصالح في أن يرونا نفشل».
في 2018، تحدث الأمير لصحيفة «التايم» الأميركية عن خطورة «الإخوان المسلمين» و«السرورية»، وتحدث من قبل ومن بعد عن العودة إلى الإسلام ما قبل تشويه جماعات «الإسلام السياسي» له، وتحدث عن التطرف، وتكلم مع الأستاذ عبد الله المديفر 2021 بحديث تفصيلي عن رؤيته لمسائل الهوية والشريعة والإسلام بشكل غير مسبوقٍ وبوضوح حجة وقوة منطقٍ، وفي لقائه هذا الأسبوع مع مجلة «ذا أتلانتيك»، وضع النقاط على الحروف بكلام يمكن وصفه بالتاريخي والاستثنائي، لا للسعودية فحسب، بل للعالمين العربي والإسلامي والعالم أجمع.
رؤى الأمير تتحول في السعودية سريعاً إلى «مشاريع» و«برامج»، وتحقق النجاحات والإنجازات، ولكن هذه الجوانب - تحديداً - تأخرت لأسبابٍ متعددة، منها أن التغيير فيها يحتاج وقتاً لإنضاجها، ومنها أن البعض عاجزٌ عن استيعاب أفكار الأمير وعمقها وشمولها ومآلاتها المستقبلية، ومنها أن بعضها أشمل بكثير من السعودية كدولة، بل هي تشكل مخرجاً حضارياً لكل الدول المسلمة، ومنها أن البعض يريد «إفشالها»، كما قال الأمير، ولئن شارك بعض المراقبين والمهتمين في استغراب التأخير، فلقد أوضح الأمير أن بعض تلك الأفكار قد تحول بالفعل لمشروعٍ ثقافي سيرى النور خلال سنتين فيما يتعلق بـ«الأحاديث النبوية».
كل ما قال الأمير مهمٌ، ولكني سأعلق بما تسمح به هذه المساحة حول مسائل الهوية والتاريخ والإسلام، وحول التطرف والمجتمع و«الآيديولوجيات»، قال الأمير: «دولتنا قائمة على الإسلام، وعلى الثقافة القبلية، وثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، والثقافة العربية، والثقافة السعودية، وعلى معتقداتها، وهذه هي روحنا»، وأكد أننا «نرجع إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، التي عاش بها الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الأربعة الراشدون، حيث كانت مجتمعاتهم منفتحة ومسالمة»، وقال عن المتطرفين والمتشددين: «المشكلة هي انعدام وجود من يجادلهم ويحاربهم بجدية»، وقال: «تلعب جماعة الإخوان المسلمين دوراً كبيراً وضخماً في خلق كل هذا التطرف... وعندما تتحدث إليهم لا يبدون كمتطرفين، ولكنهم يأخذونك إلى التطرف».
ثم تحدث بحديث محكمٍ عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقال: «أما فيما يخص الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فهو كسائر الدعاة وليس رسولاً، بل كان داعية فقط، ومن ضمن العديد ممن عملوا من السياسيين والعسكريين في الدولة السعودية الأولى»، وتحدث تفصيلاً عن أن «المشكلة في الجزيرة العربية آنذاك أن الناس الذين كانوا قادرين على القراءة أو الكتابة هم فقط طلاب محمد بن عبد الوهاب، وتمت كتابة التاريخ بمنظورهم، وإساءة استخدام ذلك من متطرفين عديدين»، وأضاف الأمير: «الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس السعودية، فالسعودية لديها المذهب السني والشيعي... ويتم تمثيلها في عدد من الهيئات الشرعية».
هذا الحديث الشامل والعميق يفتح حرية جديدة في تناول التاريخ بأدواتٍ علمية متخصصة حديثة ومتطورة، ويمكن أن نهنئ المؤرخين المستقلين، وأقسام التاريخ في الجامعات، والمؤسسات البحثية التاريخية، والباحثين الجادين، بعصرٍ جديدٍ يفتح أمامهم فرصاً حقيقية لإخراج «المسكوت عنه»، وتناول «المحظور» سابقاً بسبب شبكة معقدة من الأسباب والذرائع والمصالح، فقد أصبح الباب مفتوحاً والطريق لاحباً.
يجب أن ينتبه الجميع إلى أن مراحل انتصار الدول لنفسها ولتاريخها وهويتها هي مراحل حساسة تحتاج لعقلٍ وحكمةٍ، ويجب ألا تشوبها شائبة من «تصفياتٍ» أو انحيازاتٍ أو تجنٍ على أحدٍ، مناطق أو قبائل أو عوائل، فالهدف هو خدمة الحاضر والمستقبل وتكريس الوحدة وبناء الأجيال.
بعد قرونٍ من حكم آل سعود للدرعية، جاء محمد بن سعود، وأقام دولة وظف لها كل الطاقات والإمكانات، وتجاوز التحديات، وبنى مستقبلاً، وبعد سقوطها قام تركي بن عبد الله، وأعاد الدولة، وتجاوز التحديات، وبعد سقوطها جاء عبد العزيز وأقام المملكة العربية السعودية، وتجاوز التحديات، وأنار الطريق، وفي هذا العصر أتى محمد بن سلمان، وتجاوز التحديات، ووظف كل الطاقات، وأنار السبل، وعلم العالم وعلم السعوديين عن إمكانات لم يسمع بها أحد ولم يفكر فيها إنسان قبله، وقماشة مؤسسي الدول من خامة واحدة، وإن اختلفت العصور والظروف.
القادة الذين يغيرون التاريخ قلة، وتجتمع لهم - على طول التاريخ وعرض الجغرافيا - مواهب يحسبها الناس «سحراً» لعجز الناس عن تفسيرها، فالقادة يرون ما لا يراه الناس، وإن شاركهم بعض الناس بعض الاختصاص، فإنهم لا يشاركونهم في بناء الاستراتيجيات وجودة الإدارة وقوة القرار وتحقيق الأهداف ونيل الغايات.
في أسئلة الصحافي الأميركي تأثرٌ واضحٌ بأفكارٍ ليست ودية تجاه الأمير وتجاه السعودية، والإجابات تتحدث عن نفسها في فهم المقاصد المخفية، وفي نقد الذات والاعتراف بأخطاء الماضي البعيد والقريب، فالهدف هو النجاح، والغاية هي المستقبل.
أخيراً، فالسياق هنا وصفي بحتٌ، لا ثناءً ولا نقداً، لا مدحاً ولا ذماً، بل مقاربة للصورة وعكسٌ للواقع وتوضيحٌ لمآلات الأفكار ونتائج الرؤى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السحر الحلال محمد بن سلمان السحر الحلال محمد بن سلمان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon