توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خاشقجي: حين يصبح الموت سلعة

  مصر اليوم -

خاشقجي حين يصبح الموت سلعة

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

قضية مقتل جمال خاشقجي أوصلها البعض إلى أقصى الدنيا شرقاً وغرباً، وكان البعض يحسب أن ذلك بسبب بشاعة الجريمة أو محبة للمجني عليه، ولكن الذي أصبح واضحاً وجلياً أن الكثير ممن روّجوا لذلك من قناة «الجزيرة» وقطر وتركيا وغيرها إنما كانوا يسعون لجعل مقتله سلعة في سوق المزايدات السياسية ومحاولة لخلق أجواء تشبه تلك التي مرت أيام الربيع الأصولي العربي 2011.
كم هي بشعة المتاجرة بدماء القتلى، فهي عنوان صارخ لانعدام الأخلاق والإنسانية، وهي لا تقل بشاعة عن عملية القتل نفسها، والأمر الواضح من البداية هو أن الهدف لم يكن معرفة الحقيقة بل استهداف المملكة العربية السعودية، واستهداف قيادتها واستقرارها ووحدتها وأمنها، وقد بذل الخصوم كل ما يملكون لتحقيق هذا الهدف، ولكنهم - كالعادة - عادوا بخفي حنين.

اكتشفت الدولة السعودية المكيدة مبكراً، وحرصت كدولة على الاهتمام الكامل بمصير مواطنها القتيل وسعت جهدها للكشف عن جميع الحقائق بشفافية عالية، وتسلمت النيابة العامة السعودية ملف القضية وباشرت التحقيق مع المتهمين بعد اعتقالهم وسعت للتعاون مع تركيا قدر المستطاع ولكنّ تركيا لم تستجب لثلاثة طلباتٍ سعودية للمساعدة على كشف أبعاد القضية لحساباتٍ خاصة بتركيا.
يوم الخميس الماضي عقد المتحدث باسم النيابة العامة مؤتمراً صحافياً أوضح فيه أبعاداً مهمة وحقائق تكشّفت عن تفاصيل تلك الجريمة النكراء، وقد ظهرت الشفافية في أعلى مستوياتها، في قضية تستغرق مثيلاتها سنواتٍ من التحقيق والتمحيص وجمع المعلومات والحقائق، وهو يمثل نجاحاً للنيابة العامة السعودية في كشف أبعاد الجريمة ومحاسبة المسؤولين عنها والمشاركين فيها.

تصريحان صدرا الأسبوع الماضي يلقيان ضوءاً مهماً على هذه القضية؛ الأول لوزير الخارجية الفرنسي أكد فيه أن فرنسا لم تتسلم أي تسجيلاتٍ من تركيا على خلاف تصريحات الرئيس التركي، وأكد أن الأخير يلعب لعبة سياسية. أما التصريح الآخر فكان لمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون بأنْ لا شيء لدى الأتراك يدين القيادة السعودية.
هذه القضية هي الشذوذ الذي يؤكد القاعدة في سياسة الدولة السعودية، فلم يُعرف عنها قط ملاحقة المعارضين في الخارج بأي شكلٍ من الأشكال، بل إن بعضهم مدانٌ بالمشاركة في محاولة اغتيال الملك عبد الله بن عبد العزيز حين كان ولياً للعهد مثل سعد الفقيه، ولم تتعرض له السعودية بأي أذى، ومن قبله شخصيات أخرى قامت السعودية بدعمهم في أواخر حياتهم ورعاية أسرهم مثل عبد الله القصيمي وعبد الرحمن منيف وغيرهما الكثير.

الهجمة الشرسة وغير المنطقية التي صاحبت القضية في الإعلام الغربي أسقطت مصداقية الكثير من وسائله، حين تحوّلت إلى منصات اتهام وتلفيقٍ أكثر منها باحثة عن خبرٍ ولاهثة خلف معلومة، وهو ما جعلها مطية لأصحاب المصالح والعداوات، وإلا فكيف تفرد صحيفة مثل «واشنطن بوست» مساحة لصاحب أكبر سجلٍ في اعتقال الصحافيين على مستوى العالم ليتحدث فيها عن الحرية، وكيف تفرد مساحة لأحد أكبر الإرهابيين في اليمن ليدافع عن إرهابه! ثم تتعامل بخفة مع معلوماتٍ تتعلق بالسفير السعودي في واشنطن الأمير خالد بن سلمان، ما جعله يعلق لإيضاح الحقائق، ويطالب واشنطن بالكشف عما لديها إن كانت هذه الادعاءات صحيحة.
مثل هذه القضية المعقدة لا تتكشف خيوطها كاملة إلا بعد سنواتٍ طويلة، ولكنّ هذا لا يمنع على الإطلاق من إدانة مَن ثبتت إدانته بالأدلة من قِبل النيابة العامة والمحاكم المتخصصة في السعودية، ذلك إن المقتول مواطنٌ سعودي، والمشاركين في جريمة قتله مواطنون سعوديون، ومكان القتل أرضٌ سعودية، هذا في المسار الجنائي والقانوني الذي ينبغي أن تكون له الأولوية القصوى في الوصول إلى العدالة.
هناك قضايا كبرى في التاريخ الحديث قامت فيها اتهاماتٌ ومحاكماتٌ سياسية ثم ثبت لاحقاً أنها لم تكن بالوضوح الذي تم التعامل معها به، وأوضح مثالٍ على هذا قضية لوكيربي التي اتُّهم فيها العقيد معمر القذافي وتمت معاقبته وإجباره على دفع تعويضاتٍ مالية طائلة ثم كشفت الأيام عن دور إيراني مهمّ في تلك العملية لم يتم التطرق إليه سابقاً.

على المستوى الجنائي تم إصدار كثيرٍ من الأحكام حول العالم ضد بعض المتهمين بجرائم قتل أو اغتصاب أو نحوها من الجرائم البشعة وتم تنفيذ الأحكام والزج بهم في السجون أو تنفيذ الإعدامات وبعد اكتشاف الـ«دي إن إيه» تمّت تبرئة بعضهم وإدانة آخرين لم تتوفر الأدلة القاطعة لإدانتهم سابقاً، بمعنى أن قضية بحجم قضية خاشقجي كانت فيها صراعاتٌ ومعلوماتٌ لم تتكشف بعد، لا أقصد الجانب الجنائي، بل الجانب السياسي والإعلامي لأطرافٍ سعت لتصعيد القضية لا بسبب أخلاقي أو إنساني بل لغرض المتاجرة بدم القتيل للإضرار بالسعودية.

الأهم في نظر كاتب هذه السطور أن السعودية قد تجاوزت الأسوأ في هذه الأزمة، وأنها تعاملت معها بكل الشفافية الممكنة، وأنها تتابع تطوراتها بضمانة القيادة السياسية بإظهار الحقائق كافة، وبتخصص النيابة العامة في متابعة القضية وتفاصيلها وصولاً إلى المحاكمة العادلة وتنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء.
وأثبتت السعودية للعالم أجمع ولخصومها في المنطقة أنها دولة راسخة البنيان وشرعيتها ضاربة الأطناب في التاريخ والواقع، وأن اللُّحمة بين الشعب والقيادة واثقة العُرى وبخاصة حين يستهدفها الخصوم والأعداء. كما أثبتت لخصومها أنها صلبة العود، قوية الشكيمة، واقعية القرار، مستقبلية الرؤية والأهداف.
وكذلك أثبتت للعالم ولخصومها أنها دولة قائدة ورائدة في المنطقة، فلا أحد قادرٌ على التصدي للمشروع الإيراني الطائفي الإرهابي إلا السعودية، ولا أحد قادرٌ على هزيمة الإرهاب والأصولية وتجفيف منابعهما إلا السعودية، وأن أسواق الطاقة العالمية تؤثر فيها السعودية بشكل كبيرٍ، وهي تستثمر مع الإمارات في أسواق الغاز، وهو مجال تدخله بقوة بعدما كانت لا تعيره كثيراً من الاهتمام لأسبابٍ معروفة.

وقبل هذا وذاك هي بلاد الحرمين الشريفين وقِبلة المسلمين، وهي مهبط الوحي وفيها قبر الرسول الكريم، وهي عمود الخيمة العربية في هذا الوقت، وهي التي تقود حرباً ضد أذناب إيران في اليمن، وهي تواجه إيران في العراق وسوريا ولبنان، كما تواجهها في أكثر من قارة.
أخيراً، سعى كثيرون لتسييس قضايا جنائية أو حقوقية أو إنسانية ضد السعودية، وفشلوا جميعاً وبقيت السعودية، وهذه القضية لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة.

نقلا عن الشرق الاوسط

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خاشقجي حين يصبح الموت سلعة خاشقجي حين يصبح الموت سلعة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon