توقيت القاهرة المحلي 10:33:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السعودية واختلال موازين القوى

  مصر اليوم -

السعودية واختلال موازين القوى

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

أميركا هي الإمبراطورية الأقوى في التاريخ، لا تقارن بقوتها روسيا ولا الصين، ولكن أميركا اختارت منذ الفترتين الرئاسيتين لأوباما، وهذه الفترة للرئيس بايدن، أن تنسحب من العالم، وأن تنعزل عنه، وهي رفعت يدها عن كثير من قضايا الأمن الدولية، من العراق وأفغانستان، وقررت رفع يدها عن مشكلات الشرق الأوسط باتجاه الاهتمام المتزايد بالصين وشرق آسيا.
من حق أميركا اختيار السياسة التي تريدها لنفسها، ومن حق دول العالم النظر لمصالحها، والفراغ الذي أحدثته الانسحابية الأميركية وجد من يملأه على كل المستويات، فملأته الصين تجارياً، وروسيا عسكرياً في سوريا، ثم في أوكرانيا، وملأته حركة «طالبان» في أفغانستان.
التخلي عن الحلفاء عبر هذه الرؤية الانعزالية أجبرتهم على حماية مصالحهم وأخذ زمام المبادرة، وسياسات الطاقة التي تقودها السعودية، ومعها الإمارات، واجتماع النقب التاريخي بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، والهدنة في اليمن، التي دعا إليها «مجلس التعاون»، بناء على «المبادرة السعودية»، كلها تجليات لإعادة توازن القوى إقليمياً ودولياً، والرسالة واضحة، إذا لم تكن أميركا معنية بمصالح حلفائها وأمنهم واستقرارهم، فالحلفاء ليسوا معنيين بتحالف فقد مصلحته وقوة فقدت بوصلتها.
التصريحات العبثية التي ظلت تطلقها الإدارة الأميركية تجاه السعودية ودول الخليج والدول العربية لها ثمنٌ، وهذه الدول القوية أثرها واضحٌ وكبيرٌ وتاريخي في توازنات القوى الدولية، ولو قام أحد الحكام العرب «العروبيين» بالقرارات التاريخية التي اتخذتها السعودية والإمارات لتغنى به الشعراء ومجده المفكرون والمثقفون والكتاب، ولكن عين الآيديولوجيا عوراء، وأخطر من التصريحات تلك السياسات المستمرة التي تخطب ود «الديكتاتورية النازية» للنظام الإيراني على حساب مصالح دول المنطقة.
تصريحات وزيري الطاقة السعودي والإماراتي، قبل أيامٍ، في «القمة العالمية للحكومات» بدبي هي أوضح مثالٍ على دولٍ مستقلة ذات قرارٍ وقياداتٍ شجاعة قادرة على صناعة التاريخ واستشراف المستقبل وتحمل التبعات، والصمت الغربي المطبق عن الصواريخ الباليستية التي تضرب السعودية والإمارات له ثمنٌ ضخمٌ على كل شيء، ليس الصمت فقط هو المريب، ولكن تحركات بعض «المؤسسات الدولية» بشتى أحجامها للدفاع عن «ميليشيا الحوثي» الإيرانية في اليمن يمنح قدرة على رؤية طبيعة الصراع هناك، ويسلط الضوء على المواقف الدولية بشكل ظاهر.
بهدوء وحكمة وعقلانية، ومن دون عنتريات ولا مزايداتٍ من أي شكل أو لونٍ، سارت السياسات واتخذت القرارات وثبتت المواقف، والتناقض الصارخ في تعامل أميركا والدول الغربية مع «النظام الإيراني»، ومع دول الخليج، لزمته تبعاتٌ في المواقف السياسية وتغييرات في مبادئ الأمن الإقليمي، ويكفي أن يرصد المتابع مواقف أميركا وروسيا تجاه «الاتفاق النووي» مع إيران في «مفاوضات فيينا»، ليعرف أن بالإمكان إيقاف كل السياسات والاستراتيجيات العدائية من إيران تجاه جميع الدول العربية لو توفرت الإرادة السياسية وأصاب الوعي.
في أوكرانيا ذهبت كل السياسات الغربية أدراج الرياح، وتقدمت روسيا عسكرياً وسياسياً على الأرض وفي العالم، وبقيت بريطانيا تعبر عن مواقف صاخبة أكثر من المعتاد، ومقارنة مواقفها بمواقف الدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا توضح أنها ذهبت بعيداً في تأييد واشنطن، وهو ما لا تستطيع فعله الدول الأوروبية لأنه ضد مصالحها وأمنها الاستراتيجي.
موازين القوى الدولية لا تتحرك عشوائياً، ولكن لكل فعلٍ ردة فعلٍ، وحين تقرر الإمبراطوريات الكبرى تغيير سياساتها واستراتيجياتها فكل شيء يتحرك، ولذلك فالعالم على أعتاب نظامٍ دولي جديدٍ يصنع بسبب طبيعة التغيرات ومنطق التاريخ وضرورات الأمن الملحة الكبرى.
تماماً كما جرى في أفغانستان الثمانينات، شراء أسلحة سوفياتية وتصديرها لأوكرانيا لضرب روسيا في أوكرانيا، من الصواريخ السوفياتية التي وعدت بها ألمانيا إلى الدبابات السوفياتية التي تعد بها أميركا، وإحراق أوكرانيا وشعبها جرى بناء على سياساتٍ أميركية واعية بجعلها مصيدة لروسيا ومحاولة استنزافها في مستنقع لا تخرج منه، ولكن السياسات الروسية تبدو واعية جداً بما يجري فلا هي انساقت إلى حربٍ كاسحة ضد أوكرانيا، ولا هي تراجعت أمام إصرار «الناتو» لتحويل أوكرانيا لخنجر في خاصرة موسكو، والسياسات الروسية في مواجهة العقوبات الضخمة والسريعة وغير المسبوقة وغير المنطقية كانت متزنة من جهة وغير قابلة للتراجع من جهة أخرى، وقد بدأ التراجع يدبُ في المواقف الغربية التي بدأت تناقضات المصالح تظهر بين دولها.
كل هذا يجري والصين تراقب وتتحرك وتزن مواقفها وسياساتها بميزان دقيقٍ، وهي عبرت في السنوات الأخيرة عن مواقف قوية تجاه أميركا الانسحابية، وسعت لربط كثيرٍ من دول العالم معها عبر مبادراتٍ دولية مثل «طريق الحزام»، وقدمت لكثير من دول العالم حلولاً سياسية واقتصادية وعسكرية بعيداً عن السياسات الغربية المتراجعة والمتناقضة، وبعيداً عن الاشتراطات غير المنطقية في صفقات الأسلحة وتطوير الدول وحماية المصالح.
التغييرات في التصريحات الأميركية لم تأتِ بناء على اجتهادات شخصية أو مراجعة عميقة للخطاب والسياسات، بل جاءت بناء على حساب الأرباح والخسائر وعلى المصالح المحضة، فعند المحك تغير الكثير حول العالم وفي الشرق الأوسط، فليس ثمة أي معنى أن تحافظ على حليفٍ لم يعد معنياً بالتحالف القديم والواسع، ولم يعد معنياً بالانتصارات التي تحققت تاريخياً، ومن أبرزها هزيمة المعسكر الشرقي إبان الحرب الباردة وقيام النظام الدولي الحالي.
ممثلو أميركا المعبرون عن الإدارة الحالية في الدفاع والخارجية والبيت الأبيض في تصريحاتهم تجاه المنطقة وقضاياها الملحة، وفي زياراتهم ولقاءاتهم مع مسؤوليها، وجدوا أنفسهم أمام خياراتٍ واقعية وسياسات عقلانية ولم يعد بإمكانهم إطلاق التصريحات واتخاذ المواقف بناء على آيديولوجيا سياسية تزعم المثالية والسمو وتنحاز لـ«ديكتاتورية» اليسار الليبرالي، وأصبح واضحاً أن لكل سياسة ثمناً ولكل موقفٍ قيمة يجب دفعها سلباً أم إيجاباً.
السفير الروسي حذر بريطانيا من أن روسيا تعرف ما يجري، وأن الأسلحة المتطورة البريطانية إذا دخلت أوكرانيا ستصبح «أهدافاً مشروعة»، وأكثر من هذا حذر من أنها ستجعل الحرب أكثر عنفاً ودموية، ومن السهولة للمراقب معرفة أن أوكرانيا لا يمكن أن تصمد أمام روسيا عسكرياً بأي مقياسٍ عسكري وبأي معيارٍ للقوة، والنفخ في أوكرانيا هو إحراق لها.
أخيراً، فسياسات دول الخليج والدول العربية واضحة، وهي تتحرك بعقلانية وواقعية سياسية، وهي ترصد اختلالات موازين القوى الدولية وتشارك في صناعتها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية واختلال موازين القوى السعودية واختلال موازين القوى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon