ليس هذا مقالى الأول عن التعصب والتطرف، ولن أملّ من ذكر هذا الشر والتنبيه إلى مخاطره والتحذير من شروره.
التطرف هو فكر الشيطان وسلاحه لتناحر وتنازع واختلاف البشرية وقضاء أبناء آدم على بعضهم البعض.
التطرف هو أن تثق برأيك فقط وبأفكارك وتنكر آراء وأفكار الآخرين، بل وتحاربها وتقمعها وتبيدها إن استطعت.
التطرف هو الزيادة والمبالغة فى الوصول إلى أطراف الأمور فى «مغالاة مستهجنة» لكى يصعب التلاقى أو التفاهم أو الاتفاق.
التطرف تكبُّر وغرور واحتقار للآخر، وشر وعنف وبغض وقلة محبة، هو ضيق أفق وانغلاق عقل وغلظة قلب، هو جهل بفلسفة الكون ومعنى الحياة والهدف منها ورسالتها.
التطرف هو حيلة الشيطان لانقطاع تواصل البشرية، وفهمها واقترابها من بعضها بعضاً، فكل جبابرة العالم وطغاته كانوا متطرفين (سياسياً أو دينياً أو عرقياً).
تخيل معى لو أن الناس، على اختلافاتهم الشتى، استوعب بعضهم بعضاً، وقبلوا الاختلافات وتعاملوا معها بسلام وفهم واستيعاب، وإن لم يستطيعوا قبول هذه الاختلافات على الأقل يستطيعون احترامها والوقوف عند حدودها، حينها لن تكون هناك حرب أو عنف أو قمع، بل ولربما تلاقى البشر عند حلول وسط ومفاهيم وسطية لتكتمل الصورة كقطع (البازل).
على سبيل المثال، نجح الإعلام الدولى الموجّه فى إلصاق تهمة وجريمة التطرف بالمسلمين، وهذه الفكرة بحد ذاتها قمة فى التطرف ومحاولة النيل من الآخر، إذ إنهم تناسوا تاريخ البشرية المتطرف والإرهابى قبل ظهور الإسلام أساساً، وتناسوا أيضاً أن التطرف قد طال كل الشعوب والمعتقدات والعقائد فى الأزمنة المختلفة!! إذاً التطرف لا دين له ولا هوية ولا جنسية.
بمناسبة الجنسيات والأجناس البشرية، إن أسخف أنواع التطرف هو النابع من كره الآخر كونه فقط من جنس بشرى مختلف وبلون مختلف وبلغة مختلفة، أو من أرض مختلفة!! ومن ثم احتقاره وقهره وإذلاله!!
أما التطرف الدينى فهو الغاية الكبرى لإفساد هذا الكوكب وبُعده عن الله، لأن التنافس فى إعلان الإيمان والتقوى ومحاولة إثبات كل فئة وديانة بأنها هى الأصح وغيرها إفك وضلال، يجعل الناس تتناحر، ويعيب كل ذو دين ومذهب على الآخر، ويبدأ فى التشكيك والنقد والرفض، ليحمل وحده راية الإيمان والصلاح والفهم دون الآخرين، فأنت ببساطة تستطيع أن تجد المتطرف يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً أو حتى بوذياً!!! والغريب أن ما يتهم به كل دين الآخر، يجد آخر يتهمه بذات الاتهام، وكأنه تسلسل من انقطاع الفهم أو التواصل!!! لمصلحة من! لمصلحة «الشيطان» لإضلال أكبر عدد من البشر ولزجّهم جميعاً فى الجحيم.
دوماً ما اقتنعت أن التطرف مصدره الخوف وعدم الثقة بالنفس أو عدم الفهم التام لحقائق الأمور، ربما تكون من أتباع فكر سليم أو عقيدة سمحاء لكنك لا تفهمهما بالشكل التام الصحيح ويلتبس عليك الأمر ويفسر لك الفكرة كاره متطرف حاقد أو جاهل أحمق فيلتصق بذهنك الفكر الخاطئ، وليدعم شره ويتم أمره يقنعك بأن لا تفكر ولا تسأل لأن هذا الأمر ليس من اختصاصك، وهناك من يفكرون بدلاً عنك، فقط أطع الأمر وابغض الآخر فهو مختلف عنا، بل وحاربه إن استطعت فهو عدو!!
الواثق من فكره ومعتقده والذى يشعر بقوة موقفه يجب أن يتسامح مع المختلف، لأن شعوره بالفهم وبتفهُّم الآخر يجعله يقف على أرض صلبة واثقة.
فى النهاية، اختلفنا أم اتفقنا، سياساً أو اجتماعياً أو دينياً، فليقدم كل منا أفضل ما عنده فى هذا الكون، ليفيد وينفع الجميع ويكف أذاه عن العالم، أما معتقدك وأفكارك واتجاهك فلا تفرضها على غيرك، وإن كنت مقتنعاً بها، فما عليك من الآخرين واختلافهم!! (خليك فى حالك وركز فى أمورك).
توقفوا عن إلصاق التهم بالآخرين وازدرائهم والهجوم عليهم، مستغلين فى ذلك أفعالاً قبيحة لبعض المنتمين إليهم! استخدموا العقول للاستيعاب وتفهُّم الأمور، وفضيلة التسامح لإمكانية التعايش وإعمار الأرض بسلام. ولا تظلموا الناس وتلصقوا بهم ما يتبرأون هم منه. إن أردتم معرفة الحقائق فتناقشوا مع المعتدلين العقلاء من أى اتجاه أو فكر، وستجدون الاتفاق أكثر من الاختلاف بكثير.