بقلم: ريهام فؤاد الحداد
العناد هو الإصرار على الرأى أو الموقف والتمسك به، والمغالاة فى رفض (الرأى أو الموقف الآخر)، هو المعارضة والمخالفة والمقاومة الشديدة. بعكس الطاعة أو الموافقة والمسايرة.
نطلق كلمة «عنيد» أحياناً بالمدح وأحياناً أخرى ذماً وتأنيباً ومعايبة على المتصف به. يكون معنى الصفة سلبياً إذا ما اقترن بالمكابرة والتشبث بالرأى لمجرد المخالفة، أو إشقاء وتعذيب الآخر وإرهاقه، ويكون إيجابياً إذا ما ارتبط بالمثابرة والعزيمة وقهر المستحيل والصعاب.
اتخذته العرب اسماً علماً «عنود» دلالة على الشموخ والكرامة والإباء، وعدم الخنوع أو الضعف أو الاستسلام، إذاً، فاللفظ حمّال أوجهٍ والمعنى يختلف، بحسب المواقف والأشخاص والطباع.
يكون العناد سيئاً للغاية إذا ما كان إصراراً على المخالفة فى المطلق (خالف تُعرف)، والانشقاق عن الطريق أو عن السياق العام، والتى يتبعها المكابرة والاعتزاز بالرأى وإن كان مخالفاً للمنطق والأدلة.
لكن ما الذى يدفع الشخص للعناد والمجادلة؟ ما الذى يخلق هذه الروح الرافضة والمتعنتة، وما سبب ذاك التشبث بالرأى وعدم إعطاء الفرصة للذات بالفهم والتعاطى مع الفكر الآخر ومراجعة الذات والرجوع عن الموقف إذا ظهر للعنيد أنه قد جانبه الصواب، أو ابتعد عن الحقيقة، أو أن الأمر قد التبس عليه مثلاً!!
العناد صفة وطبع إنسانى، لكنه يزداد ويقل مع الإنسان بحسب التنشئة والظروف المحيطة وطريقة التربية. معظم خصال الإنسان تترسخ أو تنشأ مع الطفولة الأولى، والطفل يعاند إذا ما شعر بالاستفزاز وبعدم الارتياح أو الغضب، ولا يأتى هذا من فراغ أبداً، فربما نشأ فى أجواء محتقنة يكثر بها الخلاف وعدم السلام والوئام! وربما كان شعوراً بعدم الأمان أو الاطمئنان أو الخوف فكان حينها يستخدم العناد سلاحاً للرفض والمقاومة لكل ما يخيفه حتى إن كانت تعليمات أو تحذيرات تحميه، (إلا أن غضبه يصم أذنيه عن الاستماع، ويمنع عقله عن الاستيعاب). من الممكن أيضاً أن ينشأ الطفل مهمَلاً لا يلحظه أحد من أفراد الأسرة أو أصدقاء الدراسة، فيلجأ للعند للفت الانتباه والتعبير عن الوجود، ويكون العناد أحياناً بسبب عدم الثقة بالنفس، وعدم الثقة بالآخرين.
من الصعب أن تجد حكيماً عاقلاً و«يكون عنيداً»، فالحكمة والعند لا يجتمعان، يرتبط العناد وصاحبه غالباً بالانغلاق وبالخوف من قوة وحجة الفكر الآخر أو المقابل. العنيد يخشى الاستماع وفهم الآخر (لأنه يجد فى المخالفة إثباتاً للذات وانتصاراً)، وتكون غالباً هذه الذات ضعيفة الحجة والبرهان ومفتقرة إلى المنطق أو الدليل وإلا ما تشبث بالرأى وتعنت وانتهج العنف.
وتقف كلمة «عنيد» بين شجاع مثابر، يعاند الصعاب ويواجه التحديات، وبين آخر مبالغ بالمواجهة حد الرفض والعنف وإزعاج الآخرين، بين طفل مدلل يطرق الأرض غضباً وتململاً، رافضاً لأى توجيه أو أمر، وبين كبير يرى أن فى عناده إثباتاً لوجوده.
بكل الأحوال العناد أمر غير محبب ويوصل لصراعات وخلافات، يمكن أن تُحل بالتفاهم وبالمناقشة العادلة «التى يغلب عليها المنطق والمعلومة والدليل» لإيجاد حلول وسط تريح الجميع وتمنع الاستمرار بالعناد.