بقلم: ريهام فؤاد الحداد
شجون وتداعيات كثيرة كانت وراء كتابة هذا المقال، أولها الأخبار المتلاحقة عن رحيل قدامى رموز الفن والثقافة والأدب، وجوه أحببناها وأثرت بنا وببناء المجتمع فى فترات وجودها، وثانى التداعيات كان حديثاً مع الصديق عمرو صلاح قابيل، ابن الفنان صلاح قابيل، متذكرين أيام العظماء ومتندرين عليها!! ثالث الأسباب كان «منشوراً» للأستاذ محمود التميمى عندما قابل الفنان أحمد نبيل صدفة على كورنيش الإسكندرية! ومدى اشتياق المتابعين لفن هذا الجميل وثنائهم عليه وعلى جيله!!
إذا كانت هذه مشاعرنا تجاههم وهذا افتقادنا لهم، إذاً لماذا هم غائبون عن الساحة التى أفنوا فيها أعمارهم!! لماذا لا نتذكرهم بإعطائهم أدواراً تمثيلية تُشبع ما فاتهم من عالم الفن وتصلب عوداً أحناه كبر السن وانصراف الأضواء وسكون أصوات التصفيق!
هؤلاء العظام ثروة تعلم وقدوة يُقتدى بها، كثير منهم رحل وحيداً وفى صمت وقد عانى قبل وفاته من الفقر والمرض والوحدة.
هناك بشر لا يستطيعون الشكوى وإن كانت بهم خصاصة، بالذات نجوم كبار أعزاء النفس لم يكن همهم تكوين الثروات وجنى الملايين، بل كانوا يقدمون فناً ولو بأجور رمزية، كانوا يعتبرون الفن رسالة ومتعة، حتى إن كثيراً منهم عملوا موظفين بجانب الفن ليضمنوا لعائلاتهم دخلاً ثابتاً. كانوا ذاك الجيل من الفنانين الذين ليست لديهم مطاعم أو صالونات تجميل أو مشاريع خاصة. هم جيل أحب الفن وأعطاه بصدق وتفانٍ فأعطاه الفن ظهره وقهره وظلمه.
كثير من الوجوه اختفت، ولا نعلم ماذا حدث لهم؟! أغيّبهم الموت أم تاهوا فى الزحام! بعضهم ما زال على قيد الحياة، لكن من فرط اختفائهم أسفاً ظنناهم أمواتاً! مؤلم هذا الأمر، ومكئب، ومرعب.
ابحثوا عمن بقى من نجوم الفن الهادف، ليس باستضافتهم فى البرامج للحصول على نسب مشاهدة والمتاجرة بظهورهم!! لكن بإيجاد فرص عمل لهم، أو بمساعدتهم على مواجهة الحياة فيما بقى لهم من أيام. للأسف نحن فى وقت لا يراعى كثيراً هذه المعانى وتلك الرسائل، لكنها مهمه جداً. مهم أن يرى أبناؤنا كيف نعامل من تسبب بإسعادنا وتربيتنا على المحبة والإخلاص وطيب الأخلاق، ومهم جداً أن يشعر هؤلاء النبلاء أننا نقدّرهم وليس بنا جحود.
فى سابق الأيام، ومع هذه النماذج الإيجابية، لم نكن نسمع عن تنمر وخيانة وغدر وقسوة وعنف، كان كل شىء هادئاً يسير بسلام، كان الفن يعلم الأمانة والإخلاص والخلق الحسن ويرسى مبادئ راسخة تثبت فى الجذور وتقوّى أساسنا.
هذه الوجوه المختفية كانت كبيرة القدر والقيمة، كانوا قارئين مثقفين، لكل منهم عقل يُحترم ورسالة وفلسفة فى الحياة، ولغة يحرص على أناقتها واختيار ألفاظها، كى يظهر لك بالنهاية فى صورة النجم الذى يلمع ألقاً وتأنقاً. كانت لغتهم العربية الفصحى جزلة قوية ومخارج ألفاظهم سليمة، كانوا يقدمون كلاسيكيات الفن العالمى، يقفون بثبات على المسارح بتمكُّن يشبه حضورهم القوى أمام الكاميرات، كنت تستطيع محاورتهم فى شتى العلوم والفنون، يعرفون شيئاً عن كل شىء.
اللافت للنظر أيضاً اختفاء جيل التسعينات الذى ما زال ينبض بالقدرة على العمل والعطاء، هؤلاء لم يتقدم بهم العمر، لكنهم جرى نسيانهم، لا يراهم المنتجون ولا القنوات!! منهم مطربون وممثلون ومنولوجيستات واستعراضيون، أناس منسيون ما زالوا قادرين على العطاء، شخصيات محترمة جادة لم تلوثها الفضائح، ولم تشنهم هوابط الأعمال أو تفاهة الحضور وفقر الشخصية، كما نرى اليوم من مسوخ تتصدر الساحة الفنية. ترى هل تصحو الضمائر، هل نتذكرهم! هم إثراء وثراء حقيقى يجب الاستفادة منه، ربما تعلم منهم الجيل الحالى بعضاً مما فاتهم من الحرفية وأخلاقيات المهنة، والأخلاق عموماً.