بقلم: ريهام فؤاد الحداد
كنت أمام أحد «المراكز التجارية» وبناتى، فإذا بأسطول سيارات أجرة مصطفة، يتفحصون المارة، ليختاروا من بينهم من يستحق أن يركب التاكسى ومن يجب إبعاده أو حرمانه!!
كلما سألهم أحد التوصيل أقاموا معه تحقيقاً: أين تذهب، ثم كم العدد؟ تتلوها كلمة «العداد لا يعمل»، حديث وسجال يحدث دائماً وأبداً ويتكرر.
تأتى أسرة من أربعة أفراد، ويدور حوار قصير بينهم وبين السائق، فيشيح بوجهه ثم يغلق زجاج التاكسى، وعلى حين غفلة يظهر شاب أنيق ممشوق القوام ويطلب من السائق، قبل أن يتم إغلاق زجاجه، أن يبرر له سبب عدم السماح لتلك الأسرة بالركوب، قائلاً بصوت مسموع: «لماذا تغلق الزجاج وتشيح بهذه الطريقة، ولماذا رفضت أن تقلهم إلى حيث يرغبون؟»، لم يكن صوت السائق واضحاً، لكنه استغرب تعليق الشاب وتدخله بالأمر وبدأ يغضب، لكن استغرابه انتهى فور أن طلب منه الشاب «رخصه»!! وتجمّد السائق!!
كان الشاب ضابطاً بثياب مدنية، أشار الضابط للأسرة بالعودة إلى السيارة الأجرة، وقال: «اركبوا معه وعليه إيصالكم حيث ترغبون وبالسعر الذى اعتدتم دفعه». تمنعت الأسرة عن الركوب، لكنه كان أمراً للطرفين!!! وأضاف مكملاً حديثه: «إن لم تصعدوا معه إلى السيارة، سحبت رخصه وعاقبته» ثم عاد موجهاً حديثه للسائق: «أمامك أسرة وأطفال صغار وتغلق زجاجك بوجههم بعجرفة رافضاً إيصالهم!»
كنت وبناتى نراقب الموقف فرحات بأداء الضابط الهمام، وكان لتخفّيه بملابس مدنية عنصر تشويقى فى المشهد الذى شُحن بمعانٍ جميلة، وسمّته ابنتى «الضابط المتنكر». وجود الشرطة بحد ذاته أمر مطمئن. لاحظ الضابط مراقبتنا للموقف، فسألنا إن كنا نحتاج مساعدة، شكرته وأثنيت على تصرفه، فابتسم مجيباً بأن هذا واجبه، وبدورى شعرت بأن من واجبى ذكر هذا الموقف وكتابته.
نذهب إلى بلدان كثيرة ونتعامل مع رجال شرطتها ويظل الضابط المصرى مختلفاً، بداية من شرطى المطار الذى تميزه عن غيره من الجنسيات فى مطارات العالم بابتسامته وترحيبه بالمقبلين وببشاشته التى استمدها من عراقة السنين فى مهنة عرفتها مصر قبل العالم أجمع، فقبل أن يُكتب التاريخ كانت لدولتنا شرطة، ويمتاز شرطى بلادى بالنخوة والشهامة والتضحية، مع الذوق واللياقة، يعلم أن زيه هذا يجعل منه بطلاً منفذاً للقانون منقذاً.
تحية لكل شرطى يقوم بعمله بضمير ومحبة وإخلاص، تحية لهذه النماذج المحترمة، التى تجعل أبناءنا الصغار يشعرون بالأمان وبأن الشرطى موجود دائماً للمساعدة والنجدة والإنقاذ وتصحيح الخطأ، وكلها معانٍ مهمة فى إرساء وترسيخ قيم المواطنة وأخلاق الانتماء لجيل مقبل.
تذكرت الصورة النمطية بالأفلام القديمة التى كان يطوف بها «العسكرى» فى جنح الليل صائحاً «هاع مين هناك»، فيرتبك اللص ويركض المخالف ويطمئن الخائف، إنها صيحة الأمان بأن هناك من يسهر على استتباب الأمن والنظام العام. حفظ الله شرطتنا ورجالاتها الذين تحمّلوا فى السنوات الأخيرة الكثير والكثير، وما زالوا يقدمون تضحيات يومية لحماية مصرنا الغالية.
الشرطى المصرى له أجداد قبل التاريخ أسسوا للعمل الشرطى، وعرفوا القانون وتنفيذه ودواوينه.. الحضارة تمتد بالعروق وتحمل بالجينات جيلاً بعد جيل، وإن عظمت التحديات وإن عرقلتنا المشاكل، إلا أن حضارتنا تظهر بأدق التفاصيل.
كما أن لنا صقوراً تحمى على الجبهة، فلنا نسور تحمى بالداخل، مرحباً دوماً بنماذج مشرّفة ومبهجة فى شرطة بلادنا العظيمة القديمة الغالية والعالية.. وشكراً لهذا الضابط الإنسان.