بقلم - محمد علي السقاف
في نهاية أغسطس (آب) الماضي انعقدت القمة الخامسة عشرة لمجموعة «البريكس» في جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا.
وفي هذا الشهر سبتمبر (أيلول) الجاري اجتمع كبار الرؤساء ورؤساء الوزراء من جميع أنحاء العالم في القمة السنوية لـ«مجموعة العشرين» في العاصمة الهندية نيودلهي برئاسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لهذا العام 2023.
ما الفارق والاختلاف بين اجتماع المجموعتين وكل منهما تمثلان منتديات وتنظيمات للتعاون الاقتصادي والمالي بين دولها الأعضاء وجهات ومنظمات دولية لها حضور عالمي؟
هل يمكن اعتبار «مجموعة العشرين» هي في جوهرها أو في الأساس تشكلت من الدول الصناعية الكبرى في العالم وهي في مجملها دول غربية، انفتحت لاحقاً على الدول الناشئة من العالم الثالث، في حين أن أعضاء مجموعة «البريكس» منذ تشكيلها اقتصروا فقط على الدول النامية، ولا تضم في عضويتها دولاً غربية؟ على ضوء ذلك كيف للدول ذات العضوية المزدوجة مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا التوفيق في مواقفها بين أهداف التجمعين في حال وجود اختلاف إن لم نقل تعارضاً بين الأهداف؛ إذ تسعى مجموعة «البريكس» لإرساء نظام دولي جديد يقر التعددية القطبية، في حين تسعى الدول الغربية في «مجموعة العشرين» إلى هيمنتها والحفاظ على تبوّئها في العلاقات الدولية التي نتجت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وأفول الحرب الباردة؟ وفي نطاق السياسات النقدية على سبيل المثال سعت الدول الغربية إلى التمسك بالمؤسسات النقدية والتمويلية التي تأسست بنهاية الحرب العالمية الثانية (اتفاقية بروتون وود/ البنك الدولي ومؤسسة النقد الدولي) في حين تسعى دول «البريكس» إلى تغيير تلك المعادلة في المستقبل وعدم تعاملها فيما بينها بالدولار الأميركي واستخدام عملاتها الوطنية في تبادلها التجاري.
قبول انضمام ست دول جديدة إلى مجموعة «البريكس» في اجتماع قمتها الأخير، وهي السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا، اعتباراً من يناير (كانون الثاني) 2024، لا شك في أن انضمام هذه الدول النفطية يشكل إضافة نوعية قوية لمجموعة «البريكس»، وإن كانت معظم دولها هي أيضاً أعضاء في «مجموعة العشرين»، فكيف لهذه الدول النفطية التي هي أعضاء أيضاً في «أوبك بلس» التوفيق بين تعظيم سياسات مصالحها النفطية وبين سياسات «مجموعة العشرين» في تقليص ارتفاع التضخم في الدول الصناعية الغربية وتداعياته على حياة المواطنين في بلدانها، وبخاصة في فترات الاستحقاقات الانتخابية القادمة في الولايات المتحدة على وجه الخصوص؟ كيف سيواجه وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية لدول «العشرين»، ومنهم من هم في مجموعة «البريكس»، في سعيهم إلى خفض معدلات التضخم في بلدانهم الرئيسية؟
الهند التي تترأس حالياً قمة «العشرين»، والعضو المؤسس مع الصين وروسيا والبرازيل والتي ضمت إليها لاحقاً جنوب أفريقيا، تشكل أحد المفاتيح الرئيسية في الإجابة عن بعض تلك التساؤلات التي أثرناها.
أشارت بعض المصادر الغربية إلى أن الهند كانت من المفترض أن تترأس قمة «العشرين» السابقة التي جرت في بالي في إندونيسيا، وبطلب منها وبدعم غربي لها تم التوافق على تأجيل الدور لترؤسها قمة المجموعة لهذا العام 2023 بدلاً من عام 2022، وذلك كان لتهيئة الأجواء لرئيس الوزراء الهندي مودي لإظهار شخصيته الدولية وكسب شعبية واسعة لدى الرأي العام الهندي تساعده على الفوز في الانتخابات القادمة في عام 2024! وتمهيداً لهذا الاستحقاق الانتخابي القادم قام مودي بعدة زيارات لدول غربية منها زيارته إلى باريس في يوليو (تموز) الماضي لحضور العرض العسكري بمناسبة العيد الوطني الفرنسي حيث لقي احتفاء كبيراً من قبل الرئيس ماكرون، وكان في ختام الزيارة حفل عشاء في متحف «اللوفر» التاريخي. وكما أشارت إحدى الصحف لم يأتِ مودي فارغ اليدين إلى فرنسا؛ فقد كشفت وزارة الدفاع الهندية عن قراره شراء 26 طائرة إضافية من طراز «رافال» بحري، وبالتوازي أعلن عن الرغبة في اقتناء ثلاث غواصات إضافية لتنضم إلى ست غواصات من الطراز نفسه «اسكوربيون».
وفي إطار التنافس الشديد بين الولايات المتحدة الأميركية والصين ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، بل أيضاً في عدة قضايا وملفات السياسة الخارجية، كيف يمكن للهند وهي التي في الأساس بينها وبين الصين نزاعات حدودية، التوفيق في تضارب المصالح والطموحات الذاتية لبلادها ومصالح أعضاء التكتلين اللذين تنتمي إليهما بالعضوية؟ ونشير في هذا الصدد إلى أمرين:
الاحتفاء الكبير الذي حظي به رئيس وزراء الهند مودي في واشنطن بدعوة رسمية من الرئيس الأميركي جو بايدن تهدف منها الإدارة الأميركية إلى تعزيز العلاقات مع الهند، أكبر دولة في عدد السكان وهي الأسرع في النمو الاقتصادي، وبغرض بناء شراكات آسيوية قوية في مواجهة الصين، في حين يسعى مودي إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري مع الولايات المتحدة في ظل مخاوف لدى نيودلهي من الأنشطة العسكرية الصينية في المحيط الهندي. وقد نجح رئيس وزراء الهند في استغلال ذكي لرغبة الغرب في إيجاد وإبراز قوة كبرى توازن بين قوة الصين وتحتفظ في آن واحد بعلاقات ودية مع روسيا، وبخاصة فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا التي لم يدن مودي بشكل صريح الموقف الروسي، واكتفى بتبنّي «مجموعة العشرين» إعلاناً توافقياً يدعو جميع الدول إلى الامتناع عن التهديد أو استخدام القوة سعياً للاستيلاء على أراضٍ.
والسؤال هنا: هل الاستحقاقات الانتخابية القادمة في الهند وروسيا والولايات المتحدة ستغير بشكل أو بآخر مواقف الأعضاء في المجموعتين أو لا؟