توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روسيا والغرب ودبلوماسية ليِّ الذراع

  مصر اليوم -

روسيا والغرب ودبلوماسية ليِّ الذراع

بقلم:د. محمد علي السقاف

كَثُر مؤخراً الحديث عن رسم خطوط حمراء في العلاقات بين الدول؛ سواء على مستوى العلاقات بين الدول الإقليمية، أو بين دول القوى الكبرى.
ففي إطار الأزمة الليبية والوجود التركي فيها، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تصريح قبل افتتاح قاعدة «3 يوليو» البحرية، أن هناك خطوطاً حمراء ولا يمكن تخطيها. وكانت تلك الكلمات لها -وفق تعبير السفير جمال بيومي- مفعول السحر؛ فلم يتحرك أي شيء بعدها، ولكن حدث العكس: مصالحات سياسية.
وفي الوقت الحالي، هناك أزمة أوكرانيا الملاصقة للحدود الروسية، تحتل الصدارة في الأخبار الدولية، وأحد الملفات الساخنة في العلاقات بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة، وبين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، على أساس رفض روسيا إمكان قبول عضوية أوكرانيا في الحلف الأطلسي، واعتبرت ذلك خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، قد تنتج عنه مواجهة ساخنة بين روسيا وحلف «الناتو»، وربما اندلاع حرب عالمية ثالثة بسبب أوكرانيا. وكذلك في قضية تايوان ومخاوف أميركية من أن تقوم الصين بغزو تايوان لضمها إلى الوطن الأم، وهي التي تعهَّد الرئيس الأميركي بايدن بالدفاع عنها في حال تعرضها إلى غزو صيني؛ مما يثير التساؤل: هل نحن بصدد حرب باردة من نوع جديد بين الدول الديمقراطية والدول ذات الأنظمة الاستبدادية، وفق تصنيف المصطلح الغربي لهم؟! هل ما وعد به الرئيس بايدن بعودة أميركا إلى العالم، بتبني سياسة خارجية تقوم على أساس حل الاختلافات والنزاعات بين الدول عبر الدبلوماسية الهادئة، وليس بواسطة التصعيد والتهديدات العسكرية التي كان يتبعها في السياسة الخارجية سلفه رونالد ترمب، وأصبحت الآن هي الخيارات الأخرى التي تسلكها دول محور الأنظمة الاستبدادية (روسيا والصين) باتباع دبلوماسية ليِّ الذراع، وإظهار العين الحمراء، يُعد افتتاحاً لحرب باردة جديدة، مختلفة عن الحرب الباردة في فترة الستينات والسبعينات؟
جذور الحرب الباردة الجديدة بين روسيا، الوريث الشرعي للاتحاد السوفياتي، والغرب، تعود جذورها -وفق وجهة نظر الروس- إلى خيانة الغرب لوعوده لها عند انهيار المعسكر الاشتراكي في نهاية الحرب الباردة، بتأسيس مرحلة جديدة من التعاون بينهما. وقد انتقد بعض المحللين الروس بأن روسيا -بتصورها ذلك- ارتكبت خطأ جيواستراتيجي جسيماً، باعتقادها نهاية الحرب الباردة، بينما هي التي خسرت الحرب الباردة.ففي فترة «البروسترويكا» لغورباتشوف، تم التخلي عن المعسكر الاشتراكي، وهو ما مثَّل انتحاراً جيوسياسياً عن المكاسب التي حصل عليها الاتحاد السوفياتي، بعد انتصاره في الحرب العالمية الثانية.
ورأى أولئك المراقبون أن تخلي الاتحاد السوفياتي عن أوروبا الشرقية، أدى إلى تفكك المعسكر الاشتراكي، وقيام الوحدة الألمانية، ونهاية حلف وارسو، في حين أنه بموازاة ذلك قام المعسكر الغربي بالتغلغل في اتجاه الشرقـ في الفترات (1999- 2004- 2009) ليصل إلى حدود غرب روسيا (أوكرانيا- جورجيا). فعلى مدى عدة عقود، سعى السوفيات إلى ألا تكون ألمانيا جزءاً من تحالف شمال الأطلسي.
عند انعقاد مؤتمر قمة بوخارست في أبريل (نيسان) 2008، تقدمت أوكرانيا وجورجيا بطلب الانضمام إلى حلف «الناتو»، ورفض طلبهما بسبب اعتراض فرنسا وألمانيا، في حين أيدت بقوة الولايات المتحدة انضمامهما، ومعها بعض حلفائها، مثل بولندا.
وعلى هامش اجتماع قمة بوخارست، حدث اجتماع روسيا و«الناتو» الذي أكد فيه فلاديمير بوتين اعتراضه الشديد على المشروع الأميركي بإقامة «درع مضاد للصواريخ».
حملة «الناتو» ضد صربيا في 24 مارس (آذار)- 10 يونيو (حزيران) 1999، مثَّلت نقطة تحول كبيرة في إطار الحرب الباردة الجديدة؛ حيث للمرة الأولى في تاريخ حلف «الناتو» يستخدم القوة ضد أراضي طرف آخر، في غياب أي عدوان مباشر منه على أحد أعضاء الحلف (وفق المادة 5 من ميثاق الحلف الأطلسي)، وكذلك من دون تفويض من مجلس الأمن الدولي للعمليات التي قام بها الحلف ضد صربيا، والتي بُررت في الأساس بأنها ضد حرب الإبادة الجماعية على شعب كوسوفو المسلم.
لكن هذا الحدث لم يرُق الروس؛ بل أثار مخاوفهم على المستوى الشعبي الذي خرج للتضامن مع بلغراد؛ حاملين لوحات كُتب عليها: «اليوم بلغراد وغداً موسكو». واستغلت روسيا هذا الحدث لتنطلق من خلالها دعايتها بالتذكير بأنها قوة نووية، كما صرح بذلك حينها بنبرة تحدٍّ وتهديد، الرئيس بوريس يلتسين، في لقاء تلفزيوني؛ حين اتهم الرئيس كلينتون بأنه «نسي أن روسيا هي قوة عالمية، لديها أسلحة نووية متكاملة»، وجاء الرد سريعاً بتصريح مضاد من الجنرال ويسلي كلارك، قائد قوات الحلف في أوروبا الذي قام بإجراء مقاربة بين طبيعة النظامين ذَوَي التوجه الاستبدادي، في سياسة روسيا إزاء الشيشان، وسياسة صربيا في كوسوفو!
هذا الطرح الغربي في تصنيف النظام السياسي الروسي، بأنه نظام استبدادي يعكس التوجه ذاته الذي ساد فترة الحرب الباردة التقليدية، والذي يستمر الغرب عبر قادته السياسيين، والعسكريين، والاقتصاديين، وصناع الرأي، في تكرار نقاط الاختلاف نفسها بين النظامين: الاستبدادي والديمقراطي، مما يعني أنه من الصعوبة بمكان التعايش مع نظام كهذا، مختلف عن القيم الغربية.
فالغرب لا يرى في الرئيس بوتين غير الرجل السابق في المخابرات الروسية (كي جي بي) ولديه نزعة إمبريالية وانعزالية، يبحث في تثبيت سلطاته في الداخل وفي الخارج؛ خوفاً من أن تصاب روسيا بـ«العدوي الديمقراطية». ويبدو هذا الخطاب ذاته لا يزال مجدداً يردَّد في الوقت الحاضر من قبل مسؤولي حلف «الناتو»، وقيادة بعض المنظمات الحقوقية، مثل «هيومن رايتس ووتش» ..
من الواضح أن الأزمة الأوكرانية أعادت إحياء الحديث عن حلف «الناتو»، وأهمية دوره، في حين أنه في زمن غير بعيد، وتحديداً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، انتقد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حلف شمال الأطلسي، وما آلت إليه الأمور بسبب الخلافات بين الحلفاء، معتبراً أن هذا الحلف بات في حالة «موت سريري»؛ موالآن، في إطار أزمة أوكرانيا، أعاد بوتين الاعتبار لحلف «الناتو»، ورمت روسيا الكرة أبعد من ذلك في اتجاهين، برفضها ليس فقط إمكانية قبول عضوية أوكرانيا؛ بل أيضاً برفضها أن يتم قبول عضوية السويد وفنلندا اللتين تربطهما بـ«الناتو» علاقات وثيقة في عدة مجالات. إن انضمام الدولتين للحلف ستكون له تداعيات عسكرية وسياسية خطيرة؛ ما أثار النقاش والجدل في الدولتين، حول جدوى انضمامهما إلى الحلف.
والتوجه الثاني الذي تبنته روسيا في هذه الأزمة، القول بأنها لا تستبعد تمركز أفراد من قواتها العسكرية في كوبا وفنزويلا، في حال عدم انعكاس المفاوضات بشأن ضمانات أمنية ملزمة، تسعى موسكو للحصول عليها من الغرب على أرض الواقع؛ حيث ترى روسيا أن أمنها مهدد بالوجود العسكري الأميركي في أوروبا، وأشار إلى ذلك تحديداً مؤخراً الرئيس الروسي بوتين، قائلاً: كيف سترد واشنطن إذا تمركزت قوات روسية بالقرب من الحدود الأميركية؟
هل سيعيد «القيصر الروسي» المنتخب «ديمقراطياً» التوازن في العلاقات الدولية التي سيطرت عليها انفرادياً الولايات المتحدة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي؟ وهل اللاعب الصيني سيشكل الطرف الثالث المهيمن، والاتحاد الأوروبي كطرف رابع، ليشكل مع الولايات المتحدة محور توازن أمام روسيا والصين؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا والغرب ودبلوماسية ليِّ الذراع روسيا والغرب ودبلوماسية ليِّ الذراع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon