بقلم:د. محمد علي السقاف
أفرزت الأزمة الأوكرانية إعادة النظر في عدد من المصطلحات التي كانت سائدة في العلاقات الدولية منذ الحرب العالمية الأولى، بل يمكن الذهاب والقول أبعد من ذلك بأن الحرب في أوكرانيا غيرت معاني ومفاهيم عدة مصطلحات كانت سائدة ما قبل الحرب العالمية الأولى، مثل مفهوم الحياد الذي تبنته بعض الدول مثل سويسرا، فقد أظهرت تقارير صحافية حديثة أن الاتحاد السويسري هو أكثر الدول وأقدمها التي تبنت شكل الحياد والسلمية في علاقتها مع الدول على مدى عدة قرون منذ عام 1815، وقامت النمسا بدورها كدولة محايدة بالحفاظ على حياديتها بسبب اعتمادها بنسبة 60 في المائة على الغاز الروسي من دون تخليها عن موقفها دولةً محايدةً... في مقابل ذلك تبنت الدول الإسكندنافية موقفاً صريحاً ومباشراً، وذلك بالتقدم بطلب العضوية للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ما هو غريب حالة الفيدرالية السويسرية، التي يشيد بها الكثيرون لوضعها المتميز وتجربتها الديمقراطية الفريدة بين الدول الأوروبية، فقد استطاعت التمتع بالسلام لفترة طويلة الأمد في الحربين العالميتين الأولى والثانية في القرن العشرين. ما هو بادٍ الآن في إطار الأزمة الأوكرانية مخاوف سويسرا، علاوة على عدد من الدول الغربية الأخرى، إزاء سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يقال إنه يهدد الأمن الأوروبي واستقرار دول أوروبا على ضوء اجتياحه لأوكرانيا... والسؤال المطروح هنا هو: هل يمكن مقارنة سياسة بوتين بسياسة الزعيم الألماني أدولف هتلر؟ هل حقاً بوتين أخطر من هتلر، ويمكن أن يهدد حيادية سويسرا، أم أن الأمر له أبعاد أخرى؟
فالنظام النازي لم يرَ أي حرج باجتياح دول محايدة مثل النرويج، وهولندا، وبلجيكا والدنمارك ويوغوسلافيا واليونان... لقد اجتاح تلك الدول مع حليفه الفاشية الإيطالية، ولكن الاتحاد السوفياتي احترم حيادية سويسرا. وفي الحقيقة في فترة الحرب قام الاتحاد السوفياتي باجتياح دول البلطيق الثلاث، كما قامت بريطانيا من جانبها باجتياح آيسلندا، ومن جانبهما قامت بلغاريا وتركيا بالتخلي طوعياً عن حياديتهما المؤقتة. وفي عام 1969 أمطرت الولايات المتحدة بالقنابل كلاً من لاوس وكمبوديا بزجها بذلك في الحرب فيتنام. فسويسرا عكس أوكرانيا لم تكن جزءاً من جمهوريات الاتحاد السوفياتي ولا توجد فيها أقلية روسية، كما أنها ليست لديها حدود مشتركة مثل فنلندا التي تسعى لتأمين أمنها القومي عبر الانضمام إلى عضوية حلف الناتو.
نجاح سويسرا في الدفاع عن حدودها يعود الفضل فيه إلى طريقة تجنيدها للمواطنين في كيفية الدفاع عن خيارهم في الحياد، ويمكن الشيء نفسه بالنسبة للسويد، وهي بلد صغير ولكنها مثل سويسرا لها دور بارز في السياسة الدولية وفي حل النزاعات بين الدول.
لا شك أن ما قامت به القوات السوفياتية في عام 1968 بما يسمى «ربيع براغ»، والآن ما يحدث في أوكرانيا، أديا إلى التصعيد وزيادة مخاوف الدول المحايدة التي حتى وقت قريب كانت تقف ضد الانضمام إلى الناتو، مما يعني أن العالم دخل مرحلة جديدة تشوبها المخاوف من أن القوانين الدولية ليست كافية لتأمين خيار الحيادية كما كان الحال عليه في العقود الماضية.