بقلم : د. محمد علي السقاف
في أول إحاطة يدلي بها المبعوث الأممي الجديد لليمن هانس غروندبرغ لمجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي، أظهر بوضوح إلمامه بمختلف أبعاد الأزمة اليمنية، في إطار أطراف النزاع اليمني - اليمني بذاته، وأبعاد دور الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، ولا شك أن أحداث تداعيات الانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان كانت في خلفية طرحه عند تناول الأزمة اليمنية، وهو ما قد يبدو شكلياً، لكنه ذو مغزى يوضح الاختلاف عند إجراء مقارنة بين توقيت تقديم إحاطته الأولى منذ تعيينه وبما عمله سلفه البريطاني المبعوث الأممي السيد مارتن غريفيث، فقد أشار المبعوث الأممي الجديد في بداية إحاطته بتوليه منصبه الجديد (قبل 4 أيام) أي في 6 سبتمبر (أيلول)، بينما كانت إحاطته التي قدمها لمجلس الأمن في 10 سبتمبر، بينما عمله في ملف اليمن بدأ منذ ما يزيد عن 10 سنوات، حسب تعبيره.
في حالة مارتن غريفيث، فقد وافق مجلس الأمن على تعيينه في 15 فبراير (شباط) 2018 وتولى منصبه بصفته المبعوث الخاص إلى اليمن في 11 مارس (آذار) 2018 وقدّم إحاطته الأولى إلى مجلس الأمن في 17 أبريل (نيسان) 2018 أي بعد أكثر من شهر من تاريخ توليه رسمياً المنصب، ما يحدث مفارقة مع السويدي هانز، بعد أقل من أسبوع، واعترف المبعوث الجديد أن خبرته باليمن «تجعله أيضاً مدركاً بشكل مؤلم لتعقيدات هذا النزاع، ومن المؤسف أن هذه التعقيدات تتضاعف مع طول فترة النزاع».
وأضاف غروندبرغ، بهذا الصدد خلال إحاطته بالقول: «ليست لديّ أوهام بخصوص صعوبة المهمة التي كلَّفنيها هذا المجلس، ولن يكون من السهل تيسير استئناف عملية انتقال سياسي سلمية ومنظمة، وتشمل الجميع، يقودها اليمن وتلبي المطالب والطموحات المشروعة للشعب اليمني، وفقاً للولاية الصادرة من هذا المجلس. لن تكون هناك مكاسب سريعة». وأحد المقاطع المهمة، التي جاءت في الإحاطة، ذلك الذي قال فيه: «إن عملية السلام متوقفة منذ فترة طويلة؛ حيث لم تناقش أطراف النزاع تسوية شاملة منذ عام 2016، وقد ترك هذا التوقف اليمنيين عالقين في حالة حرب لأجل غير مسمى، من دون أن يكون هناك سبيل واضح للمضي قدماً. لذا يتحتم على أطراف النزاع أن تنخرط في حوار سلمي بعضها مع بعض بتيسير من الأمم المتحدة بشأن بنود تسوية شاملة، بحسن نية ومن دون شروط مسبقة...». مضيفاً القول إنه «سيسترشد في هذا الجهد بالولاية التي أسندها لي هذا المجلس من خلال قرارات مجلس الأمن ذات الصلة»، وهذا مهم بحد ذاته من دون إشارته إلى قرار معين من قرارات مجلس الأمن، مع اكتفائه بإعطاء نفسه مرونة أكبر بالقول إنه سيعمل وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. فالطرف الآخر من النزاع، أي جماعة الحركة الحوثية، يرفض القرار 2216، وهذا هو سبب أحد الخلافات بين الطرفين. وأراد السيد هانز تفادي تحديده مسبقاً، من دون أن يعني ذلك بالضرورة عدم أخذه بعين الاعتبار، ودون أن يكون ذلك حصرياً.
والمقطع الثاني المهم الذي تمت الإشارة إليه في الإحاطة قوله إن «الوضع في المحافظات الجنوبية يثير لديه القلق الشديد... مع اندلاع العنف بشكل منتظم. وقد تدهورت الخدمات الأساسية والاقتصاد إلى حالة بائسة». وزاد: أن «اتفاق الرياض ما زال يواجه تحديات...».
ومن جانب آخر، شدد المبعوث الأممي أنه «لا يمكن تجاهل أثر النزاع على المظالم والمطالب المتنوعة في المحافظات الجنوبية»، متابعاً القول، ولاحِظوا المفردات التي استخدمها: «لن يستمر السلام في اليمن على المدى البعيد إذا لم تلعب الأصوات الجنوبية دوراً في تشكيل هذا السلام على نحو مسؤول».
ولاحظ المبعوث الدولي تغير بؤر المواجهة العسكرية على مدار الوقت وتناوب المتقاتلين على اتخاذ الأدوار الهجومية. منذ أوائل عام 2020 كان التركيز منصباً على الهجوم المستمر الذي تشنه «أنصار الله» على محافظة مأرب، وهو الهجوم الذي حصد أرواح الآلاف من الشباب اليمنيين، ويعيش المدنيون هناك، بمن فيهم كثير من النازحين داخلياً، الذين لجأوا إلى مأرب، في خوف مستمر من العنف ومن تجدد النزوح، لقد كانت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي واضحين في رسالتهما في هذا الصدد؛ أنه يجب أن يتوقف هذا الهجوم.
هذه الفقرة الأخيرة من الإحاطة تمثل إدانة صريحة ومباشرة للحوثيين، وسيكون بعدها ما بعدها في المستقبل، بقتلهم آلاف الشباب اليمنيين في مأرب، وتعرضهم أيضاً للمدنيين والنازحين، ما يلغي تحجج الحوثيين بالمعاناة الإنسانية للمطالبة بإيقاف الحرب قبل الدخول في التسوية السياسية، مذكراً المبعوث الحوثيين أن الأمم المتحدة ليست هي وحدها التي طالبت بإيقاف الهجوم على مأرب، بل أيضاً المجتمع الدولي كله.
والسؤال الذي قد يطرحه البعض؛ لماذا خطاب المبعوث الدولي الجديد اتسم بهذه القوة والصراحة المباشرة التي لم يتحدث فيها غريفيث إلا في نهاية ولايته؟ الإجابة عن هذا التساؤل، جاءت في سياق نهاية الإحاطة حين أشار المبعوث إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي وقال: «مسؤولية مشتركة واقعة علينا جميعاً بصفاتنا المختلفة لإنهاء النزاع في اليمن، ولذلك يجب أن نستغل بداية ولايتي كفرصة لإعادة تقييم المسؤوليات الواقعة على كل منا».
وأوضح المبعوث الجديد خريطة مشاوراته المقبلة مع الجهات الفاعلة اليمنية والإقليمية والدولية، بنية ذهابه قريباً إلى الرياض للقاء الرئيس هادي وأعضاء آخرين في الحكومة اليمنية، وتطلعه إلى الاجتماع مع قيادات «أنصار الله» والجهات الفاعلة الأخرى في صنعاء، وفق تعبيره، فضلاً عن الفاعلين السياسيين في جميع أنحاء اليمن، لينتقل ببرنامجه بعد ذلك إلى المستوى الإقليمي، بزيارة كل من الرياض ومسقط وأبوظبي والكويت وطهران والقاهرة وغيرها.
اللافت هنا ذكره طهران ضمن برنامج زياراته للقاء القادة الإقليميين، وخاصة بقدوم قيادة جديدة بعد الانتخابات الأخيرة في إيران، والتي وصفت بالمتشددة لجسّ نبض موقفها إزاء الأزمة اليمنية؛ هل هو الموقف ذاته لحكومة التيار الإصلاحي السابق أم حدث تغيير وفي أي تجاه من درجة التشدد؟ وهل تقريب مواقف القوتين الإقليميتين في المنطقة يمكن عبر وساطة عراقية، للتوصل إلى تفاهمات حول إنهاء أزمة اليمن؟
الأمر المؤكد، على ضوء أحداث أفغانستان، والخروج السريع منها، بتداعياته، المختلفة أنه ستساهمان بشكل أو آخر في إعادة نظر الأطراف اليمنية، والأطراف الإقليمية أنه لم يعد من الممكن بعد نحو 7 سنوات من الحرب الاستمرار فيها، وأنه حان الوقت الآن لإيقافها وإنهائها.