توقيت القاهرة المحلي 08:32:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماكرون وتحديات غياب الأغلبية البرلمانية

  مصر اليوم -

ماكرون وتحديات غياب الأغلبية البرلمانية

بقلم:د. محمد علي السقاف

هناك عبارة شهيرة منسوبة إلى الجنرال شارل ديغول قال فيها «كيف يمكن حكم بلد فيه 258 صنفاً من الأجبان؟». بمعنى آخر أراد القول إنه يرى صعوبة وتعقيدات كبيرة تجعل من الصعوبة بمكان حكم بلد مثل فرنسا تتعدد فيه الآراء والأحزاب والتنظيمات السياسية بشكل واسع النطاق عن بقية الديمقراطيات الغربية !
من هنا لم يكن مستغرباً أن يكون مصطلح اليمين واليسار ابتكاراً فرنسياً بامتياز انتشر منذ «إطلاقه» مع قيام الثورة الفرنسية في عام 1789 بين الديمقراطيات الغربية ومنها إلى بقية دول العالم.
اليمين واليسار يرجعان بالأصل تاريخياً إلى وضع أو موقع نواب البرلمانات بالنسبة إلى موقع رئيس البرلمان، فالأعضاء الذين اجتمعوا في البرلمان الفرنسي في سبتمبر (أيلول) 1789 للتداول حول إعطاء ملك فرنسا لويس السادس عشر حق النقض توزعوا في مقاعد على يمين رئيس البرلمان المخصصة للموالين للملك والشخصيات النبيلة المؤيدة بإعطاء الملك حق النقض المطلق لرفض أي قانون، بينما النواب الذين يحتلون المقاعد على يسار رئيس البرلمان ولديهم تحفظ على مبدأ حق النقض المطلق. وبذلك تحدد انقسام بين من عارضوا الثورة (الأرستقراطيين) والمؤيدين للثورة.
بعد نجاح ماكرون في الانتخابات الرئاسية لولاية ثانية في أبريل أفرزت نتائج الدورة الثانية للانتخابات البرلمانية في 19 يونيو (حزيران) الماضي فشل التكتل السياسي للمعسكر الرئاسي المسمى «معا» بالحصول على الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية والبالغة 289 مقعداً من أصل 577 مقعداً، حيث حصل المعسكر الرئاسي على 245 مقعداً بفارق 44 مقعداً لبلوغ الأغلبية المطلقة، بينما في الانتخابات التشريعية لعام 2017 بلغ عدد النواب للكتلة الرئاسية 300 نائب. ومن جهة أخرى حاز تجمع اليسار الراديكالي برئاسة جان لوك ميلانشون 142 مقعدا، وحقق اليمين المتطرف (التجمع الوطني) برئاسة مارين لوبن اختراقاً كبيراً غير مسبوق بحصولها على 89 مقعداً وهي التي لم تحصل في عام 2017 إلا على 8 مقاعد فقط، مما يؤهلها هذه المرة بتشكيل مجموعة برلمانية مستقلة يحق لها ترؤس إحدى اللجان البرلمانية.
كما فاز اليمين المعتدل (حزب الجمهوريين واتحاد الديمقراطيين والمستقلين) بـ64 مقعداً.
في المعتاد بعد انتخاب الرئيس، يستخدم الناخبون الفرنسيون الانتخابات التشريعية التي تلي ذلك بأسابيع قليلة بإعطاء الرئيس أغلبية برلمانية مريحة باستثناء ما حدث مع الجنرال ديغول (1958 - 1962)، وفي عهد الرئيس فرنسوا ميتران في عام 1988.
بعد فشل الرئيس ماكرون الحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان طرح التساؤل عن الخيارات المفتوحة أمام الرئيس في معالجة هذه الأزمة، والتساؤل الذي يتطلب الإجابة عنه قبل ذلك لماذا الرئيس في حاجة إلى أغلبية مريحة في البرلمان؟
نجاح ماكرون بالرئاسة في 24 أبريل (نيسان) الماضي على أساس برنامجه الانتخابي الذي صوت من أجله الشعب الفرنسي في حاجة لوضع برنامجه الإصلاحي حيز التنفيذ خلال السنوات الخمس المقبلة إلى حكومة تترجم برنامجه الرئاسي ووعوده الانتخابية بقوانين يصدرها البرلمان الفرنسي، وليتم تحقيق ذلك يجب أن تكون لديه أغلبية برلمانية تصوت لصالح القوانين التي تقترحها الحكومة. والآن في ظل غياب الأغلبية البرلمانية التي أفرزتها الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية أحد الخيارات المطروحة لحل هذه النكسة الانتخابية أن يسعى الرئيس ماكرون إلى تشكيل حكومة ائتلافية يتم التفاوض على شروطها بين أطراف الائتلاف كما هو قائم في بعض الدول الغربية التي تزخر بتجارب ليس فقط بعدم توفر الأغلبية المطلقة للحزب الفائز في الانتخابات بل في حالات أخرى يكون فيها الحزب الحاكم يمثل أقلية في البرلمان كما هو قائم في تجارب كل من إسبانيا، والدنمارك، والسويد.
الخيار الآخر أي التوافق مع بعض الأحزاب من اليمين أو اليسار بالتصويت على بعض مشاريع القوانين التي ترغب الحكومة في عرضها على مجلس النواب للتصويت عليها ويرى بعض المراقبين في هذا الحل، مثل المحلل السياسي الشهير آلان ديامييل، أن ذلك الأمر سيكون «مفتوحاً على المجهول» نظراً لعدم وجود غالبية مطلقة! لذلك بادر الرئيس ماكرون مباشرة بعد يوم واحد على ظهور نتائج الانتخابات إلى إجراء سلسلة من اللقاءات الفردية مع قادة الأحزاب السياسية للتشاور حول آفاق التعاون معهم.
في توقيت غير مناسب بوجود هذه الأزمة الداخلية الفرنسية كان على الرئيس ماكرون القيام بمهامه الدولية لحضور اجتماعات قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل التي تنتهي رئاسة فرنسا لها ليتبعها بعد ذلك قمة مجموعة الدول السبع في ألمانيا، وتليها مباشرة القمة الأطلسية في مدريد.
قام الرئيس ماكرون مع ذلك قبل سفره إلى تلك القمم بإلقاء كلمة متلفزة لم تدم إلا 8 دقائق فقط عرض فيها للرأي العام الفرنسي خلاصات الاجتماعات التي عقدها مع قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية، اعترف من خلال كلمته بالواقع الجديد الذي يعني أنه «لا توجد قوة سياسية تستطيع اليوم أن تصنع القوانين بمفردها»، مشيراً في نفس الوقت إلى أن الانتخابات التشريعية «جعلت الأكثرية الرئاسية هي القوة الأولى» في البرلمان.
وأكد الرئيس الفرنسي في كلمته تمسكه بمشروعه الانتخابي بقوله إنه «مصمم على عدم فقدان تماسك المشروع الذي قمتم (الناخبون) باختياره في أبريل الماضي» وهذا يعني عمليا دعوته للأحزاب السياسية المعارضة من اليمين واليسار إلى الالتحاق به والتفاوض معه على أساس مشروعه وليس على أساس ما أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية !
ولم يكن مفاجئاً أن تأتي ردود فعل الأحزاب على هكذا طرح إما فاترة أو معارضة بشكل واسع. بمعنى آخر جاء عرض ماكرون إما تشكيل حكومة ائتلافية من دون أن يحدد الجهات التي يريد دخولها معه في الائتلاف، أو أن تلتزم الأحزاب الراغبة في التعاون بـ«التصويت على نصوص معينة» من بينها مشروع الموازنة… معتبراً أنه «لتحقيق تقدم مفيد، فإن الأمر متروك الآن للمجموعات السياسية لتقول بشفافية تامة إلى أي مدى هي مستعدة للذهاب معه»، مشيراً إلى أنه «سيكون من الضروري في الأيام المقبلة أن توضح التشكيلات الكثيرة في الجمعية الوطنية حجم المسؤولية والتعاون الممكن»... تلك العبارات الأخيرة هي بيت القصيد التي لخصها الرئيس ماكرون وبرأ ذمته بذلك أمام الرأي العام الفرنسي.
فإذا أخفقت مساعيه التي يبذلها ليرى الحل في نهاية المطاف، فقد يقوم بحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية جديدة قد تعطيه الأغلبية البرلمانية المطلقة لتنفيذ وعوده الانتخابية وقد لا ينجح، وبذلك ستدخل فرنسا في أزمة نظامها السياسي المختلط (رئاسي - برلماني) ونهاية الجمهورية الخامسة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماكرون وتحديات غياب الأغلبية البرلمانية ماكرون وتحديات غياب الأغلبية البرلمانية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon