توقيت القاهرة المحلي 17:35:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دعوة لإقامة «نظام ويستفالي» عربي

  مصر اليوم -

دعوة لإقامة «نظام ويستفالي» عربي

بقلم: د. محمد علي السقاف

لماذا تدعو الحاجة إلى تبني نظام ويستفالي عربي لمواجهة تحديات التغلغل التركي والإيراني في المنطقة العربية، باستدعائهما التاريخ القديم لتبرير عودتهما إلى المنطقة العربية، وهل سيطرتهما على عواصم عربية عدة تعني أن الدول العربية لم تعد سيدة قرارها؟ وما المقصود بالنظام الويستفالي؟ وهل ما نجح في أوروبا بإمكانه النجاح في المنطقة العربية؟ أم إن هشاشة المجتمعات العربية تحول دون نجاحها؟ هل قدوم إدارة جديدة في الولايات المتحدة قد يدفع بها إلى إعادة النظر في مواقفها بعضها إزاء بعض، لتقف وقفة رجل واحد كما حدث في مناسبات سابقة من تاريخها، أم إن حدوث ذلك مجدداً مجرد أحلام يقظة غير واقعية؟
تسمية «ويستفالي» تعود إلى مكان عقد «مؤتمر السلام» في منطقة ويستفاليا الألمانية، الذي، عبر معاهدة سياسية وُقعت في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1648 وسميت «صلح ويستفاليا»، أنهى حرب الثلاثين عاماً (1618 – 1648) بين الكاثوليك والبروتستانت، وانتهت باتفاق سلام هو الأول من نوعه أوروبياً، حسب توصيفه من بعض المؤرخين، وبالإقرار بعدم تدخل كل من الطائفتين في شؤون الأخرى؛ لأن الدفاع عن العقيدة هو الذي يحرك الحروب الدينية، بينما جوهر «نظام ويستفاليا» يقوم على عدم جواز التدخل في العقيدة الدينية للشعوب الأخرى. ومن هذه الفكرة ظهرت بداية نشوء مفهوم الدولة القومية؛ الدولة ذات السيادة، وبداية بروز مفهوم الدولة الحديثة بوصفها كياناً قانونياً مستقلاً عن حكامه.
معاهدة «صلح ويستفاليا» لا تمنع في الحقيقة الصراعات والنزاعات بين الدول التي بأخذها طابعاً دينياً أدت إلى هلاك أوروبا؛ وإنما تعني أن الصراعات تأخذ شكل الحروب المحدودة بغية تحقيق مصالح الدولة القومية.
والعامل الآخر المهم في النظام الويستفالي يتمثل في توازن القوى بين الأحلاف بين بعض الدول الأوروبية والأحلاف المضادة.
تعدّ «معاهدة ويستفاليا» حصيلة التاريخ الدامي في أوروبا، وهي كذلك نتيجة أفكار بعض المفكرين الأوروبيين، التي لخصت بكلمتين: «السيف» و«القلم»، فضجيج المدافع والسيوف الذي عرفته الساحة الأوروبية في الفترة من 1618 إلى 1648، صاحبته، بموازاة ميادين القتال، آراء واجتهادات المفكرين، من أمثال رجل القانون الدولي الهولندي الشهير جروتيوس هيغو، الذي كان واحداً ممن وضعوا أسس القانون الدولي اعتماداً على «الحق الطبيعي»، وأحد مؤلفاته كتابه حول «قانون الحرب والسلام». والشخصية الأخرى السياسي البارع الكاردينال الفرنسي ريشيليو. وقد لعبت الشخصيتان في النصف الأول من القرن السابع عشر دوراً بارزاً في تصور مستقبل البناء الأوروبي ما بعد حرب الثلاثين عاماً، في إطار الأمن والسلام، ولكن كليهما توفي قبل 1648؛ تاريخ توقيع «معاهدة ويستفاليا» التي أرست أهم ثلاثة مبادئ: مبدأ سيادة الدول، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومبدأ القومية والأمن القومي للدول.
إذا كان المبدآن الأولان (مبدأ سيادة الدول، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول) من المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة الذي على الدول الأعضاء الالتزام به نظرياً على الأقل، فإن مفهوم «الأمن القومي»، بوصفه مصطلحاً، يعدّ ملاصقاً للدولة القومية؛ سواء في تفسيره وتطبيقه على المستوى الوطني، من خلال السياسات الدفاعية للدولة ومدى قدرتها على حماية الوطن من التهديدات التي تواجهه، وقدراتها أيضاً في حماية مواطنيها بتوفير مستلزمات الحياة من الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم والمواصلات... إلى آخر ذلك.
والمفهوم الآخر لـ«الأمن القومي» يتعلق بقدرة الدولة أو الدول على مواجهة التحديات المحدقة بها من قبل القوى الخارجية، وهل مصادر هذا التهديد تقتصر على المستوى الوطني، أم تتجاوزه إلى تهديد الأمن القومي العربي.
ونشير هنا إلى بعض الأمثلة المتعلقة بالعدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وكيف وقفت الدول العربية والشعوب العربية متضامنة مع مصر حتى من قبَل المناطق العربية التي لم تكن حصلت بعد على استقلالها، مثلما حدث في عدن بجنوب اليمن حين أوقفت النقابات العمالية تزويد البواخر البريطانية بالوقود، وبقية خدمات الموانئ، وهي تحت الاحتلال البريطاني. ومثل نكسة حرب عام 1967 التي تناست فيها المملكة العربية السعودية خلافاتها مع مصر بسبب حرب اليمن، وقدمت الدعم المالي والسياسي في مؤتمر الخرطوم، ليس لمصر فحسب؛ بل أيضاً للدول التي تضررت وخسرت من حرب يونيو (حزيران) عام 1967، لأنها شعرت بأن الأمن القومي العربي كان مهدداً من تداعيات تلك النكسة التي حلت بدول المواجهة العربية.
ولعل أكثر النماذج ذات المدلولات العميقة حرب أكتوبر 1973 التي جمعت بين العمل العسكري والحظر النفطي، ودفعت بدول عدة في تلك المرحلة إلى إطلاق مبادرات عدة؛ منها دعوة لإقامة حوار عربي - أوروبي سمي «الحوار العربي - الأوروبي»، ودعوة لإقامة حوار بين الشمال والجنوب؛ بين الدول الصناعية والدول النامية، الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية في الاجتماع الطارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي انعقد في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) عام 1974 بطلب من الجمهورية الجزائرية، إضافة إلى عقد «منظمة الوحدة الأفريقية» حينها اجتماعاً استثنائياً في نوفمبر (تشرين الثاني) 1973 بهدف توطيد العلاقات العربية - الأفريقية، خصوصاً في سعي الدول الأفريقية المنتجة المواد الخام إلى الاستفادة من تجربة الحظر النفطي للحصول على المزايا التي حصلت عليها الدول العربية المنتجة للنفط برفع أسعاره في الأسواق العالمية وسيطرة الدول المنتجة على مواردها الطبيعية.
هذا هو الحراك الاستثنائي والمكاسب السياسية والمالية التي حققتها الدول العربية حينها. وسنبحث لاحقاً في عناصر النجاح والإخفاقات اللاحقة التي توالت على عدد من الدول العربية لإضاعتها بوصلة الأمن القومي الوطني والأمن القومي العربي.
وللحديث بقية...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دعوة لإقامة «نظام ويستفالي» عربي دعوة لإقامة «نظام ويستفالي» عربي



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon