توقيت القاهرة المحلي 17:18:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تصعيد التوتر قبل التوجه نحو الحل

  مصر اليوم -

تصعيد التوتر قبل التوجه نحو الحل

بقلم: د. محمد علي السقاف

«هدف الحرب هو تحقيق السلام»... أرسطو
«الحرب هي الروتين، لم تعرف الإنسانية السلام في الوقت الحاضر، عرفته فقط ما بين حربين»… فولتير
كلمات فولتير المأثورة توحي وكأنه استشرف التاريخ اليمني المعاصر، لأن الحالة اليمنية فعلاً لم تعرف الهدوء والسلام إلا بين فترة حربين؛ ما إن تخرج من نزاع مسلح أو حرب مفتوحة إلا وتعود مجدداً بعد فترة قصيرة أو طويلة نسبياً إلى حالة حرب جديدة داخلية، أو بين دولتي اليمن سابقاً ما قبل الوحدة.
ويسرد البعض قصة ظريفة في عهد الإمامة، حين استفسر الإمام عن الوضع المالي للخزانة اليمنية، وقيل له إنها «فاضية»، واقترح أحدهم لمعالجة الوضع أن يعلن اليمن الحرب على الولايات المتحدة، وبالطبع سيخسر اليمن الحرب، لكنه سيحصل مقابل ذلك على تعويضات مادية، بما حصل له من دمار بسبب الحرب! ربما هذه المزحة دفعت ورثة الإمامة من أنصار الله الحوثيين إلى الانقلاب على السلطة الشرعية، والاستيلاء على العاصمة صنعاء، وهم واثقون أن دول الجوار والمجتمع الدولي لن يقبلوا أن تستولي ميليشيات على السلطة، ليس فقط لكونها ميليشيات، وإنما بحكم علاقتها الوثيقة بإيران.
وهذا ما حدث فعلاً حين استدعى الموقف طلب رئيس اليمن عبد ربه منصور هادي، دعوة المملكة العربية السعودية وأشقائه العرب، للتدخل لمساعدته في مواجهة التمدد الإيراني في اليمن، وخطر هذا التمدد على الأمن القومي الخليجي والعربي.
وقد نجح التحالف العربي، بتدخله في اليمن، في تدمير ترسانة الآلة العسكرية الكبيرة التي بناها الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لمدة عقود من حكمه، على حساب توظيف تلك الموارد المالية للتنمية الاقتصادية لبلاده.
وبمرور نحو خمسة أعوام، منذ تدخل قوات التحالف العربي، كشفت هذه الحرب القناع عن أشياء كثيرة، كانت بعضها ظاهرة، ومخفية بعض أوجهها.
فقد أظهرت إقليمياً أن التغلغل الإيراني في اليمن هو أبعد من أن يكون ذا رابط مذهبي بالحوثيين، وإنما الهدف منه استخدام الحوثيين كوكيل له في المنطقة، مثل «حزب الله» في لبنان، و«الحشد الشعبي» في العراق، من أجل تطويق المنطقة والسيطرة عليها.
وبات ذلك واضحاً في الاستراتيجية الإيرانية من خلال عمليات التسليح النوعية والمكثفة التي زودت بها الحوثيين، رغم تدمير معظم أسلحتهم التي حصلوا عليها من نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتبين ذلك بوضوح من خلال استخدامهم للصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الحديثة، التي لم يكن الجيش اليمني في عهد نظام صالح يمتلكها، ما ساعدهم في الاعتداء على المنشآت السعودية، لعلها بذلك تتراجع عن دعمها للشرعية الدستورية في اليمن.
وأزاحت تطورات الأحداث الأخيرة الستار، على المستوى اليمني، عن أمرين مهمين؛ أحدهما، وقد سبق لي الإشارة إليه في مقالات سابقة حول انقسام الشرعية بين عناصرها الشمالية (الأكثر عدداً ونفوذاً وتحت قيادتها وحدات مسلحة موجودة في مأرب الشمالية، وفي مناطق البترول الجنوبية في حضرموت وشبوة)، وعناصرها الجنوبية (المهمشة عددياً ونفوذاً)، على مستوى طاقم مستشاري الرئاسة، حيث جميع قيادات الأحزاب الممثلة في الشرعية شمالية، ونفوذ بعضها، بحكم أسلمة تكوينها الحزبي، له امتداد ودعم من قطر وتركيا، ما يعقد موقف أطراف في التحالف العربي في علاقته بها، فالحوثيون كخصم مفترض للشرعية مكشوف وواضح المعالم، بينما عناصر الأحزاب المتأسلمة تجمع بين الشماليين والجنوبيين، في آن واحد، ما يتيح لهم إصدار قرارات الشرعية من مواقع نفوذهم فيها دون أن تكون للقرارات صبغة مناطقية.
والأمر الآخر المهم، الذي يعقّد الموقف أكثر وأكثر، أن اليمني بحكم المواطنة، وفق القانون، يمتلك حرية التنقل والحركة دون قيود داخل المناطق المحررة، وحرية التحرك نسبياً في المناطق تحت سيطرة الحوثيين.
وقد تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً ازدياد عدد الوافدين اليمنيين إلى عدن، بشكل مكثف، ما جعل البعض يعتقد أنهم أصبحوا أكثر عدداً من سكان مدينة عدن نفسها؟ والمدهش في الأمر، بمناسبة عيد الفطر الأخير انخفض عددهم بشكل كبير لذهابهم إلى مناطقهم الشمالية لقضاء إجازة العيد، وبانتهائها عادوا مجدداً إلى عدن، ما أثار تساؤلات عند البعض، في محاولة تفسير هذه الظاهرة، على أساس أنهم قدموا إلى عدن كنازحين، وقدمت لهم الحكومة تسهيلات مراعاة لظروفهم، فكيف يعودون إلى مناطقهم في إجازة العيد؟ وفسر المراقبون أن غالبيتهم، في حقيقة الأمر، هم من العسكر، ويشكلون خلايا نائمة يمكن أن يستخدمها الحوثيون للعودة مجدداً إلى عدن والجنوب، ومن الواضح أن الحوثيين لم يهضموا هزيمتهم في عدن والجنوب حيث طردتهم المقاومة الجنوبية منهما، بدعم من التحالف العربي في مطلع 2015.
فالحوثيون، بهدوء جبهة الحديدة، يواصلون منذ أشهر المعارك في منطقة الضالع بصفة رئيسية دون هوادة غير عابئين بعدد موتاهم!
في مطلع هذا الشهر هزت مدينة عدن عمليتان إرهابيتان في اليوم نفسه، راح ضحيتهما أكثر من 50 شهيداً؛ أخطرهما والأكثر دموية ما حصل في حفل تخريج عسكريين في عدن؛ راح ضحيتها أحد أبرز القيادات العسكرية الجنوبية العميد منير المشالي الملقب باسم «أبو اليمامة»، الذي كان قائداً لـ«قوات الحزام الأمني»، المدعومة إماراتياً، وقد كان لوقع هذا الاغتيال وعدد ضحايا الهجومين رد فعل شعبي كبير في الجنوب، واحتفال بهذا الحدث في مناطق أخرى في الشمال! ونتجت عن ذلك ردود فعل صاخبة، حيث قامت بعض الجهات بترحيل المئات ممن يطلق عليهم الخلايا النائمة، التي أظهرت التحقيقات مع البعض منهم حوزتهم بطاقات عسكرية، والبعض الآخر كانوا مجرد أفراد بسطاء قدموا إلى عدن بحثاً عن لقمة عيشهم.
هذه الإجراءات أدت إلى ردود فعل رسمية وإعلامية، إذ قام الرئيس اليمني بتوجيه وزير الداخلية ومحافظ عدن بوقف أي ممارسات خارجة عن النظام والقانون ضد المواطنين، ونبذ الأعمال والتصرفات الفردية تجاه أبناء الوطن، ومن أي محافظة كانت، ورأت مكونات جنوبية أن الهدف من العمليتين الإرهابيتين، التي اتُهم الحوثيون بأنهم كانوا المدبرين لهما، سعيهم إلى خلط الأوراق والاقتتال الداخلي في الجنوب، بينما الجهات المؤيدة للحوثيين دعت منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان الدولية إلى إدانة الترحيل الجماعي، مجددين بذلك الأسلوب الإعلامي نفسه المستخدم ضد قوات التحالف العربي، للحد من تدخلها العسكري في اليمن.
في تلك الأثناء، وفي اتجاه مغاير، كما يبدو من سياسة الحوثيين، سعت إيران إلى الغزل مع المملكة العربية السعودية، عبر تصريحات وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، بأن طهران على استعداد للحوار مع السعودية، إذا كانت مستعدة لذلك، وعمدت إيران من جانب آخر لمحاولة استغلال اجتماع دوري مع خفر السواحل الإماراتية، لدق إسفين في العلاقات السعودية الإماراتية، ما دفع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش، إلى التأكيد أن التنسيق بين البلدين في أفضل حالاته.
وإذا كانت جبهة توتر العلاقات الأميركية الإيرانية، والأزمة في مضيق هرمز، هادئة، ويهدئون اللعبة أحياناً أخرى، بينما في الصراع اليمني الصدامات مستمرة، والقتلى يتساقطون، فهل يمكن تفسير ذلك بأنه إعداد للمشهد لحل ما في المنطقة، وفي اليمن على وجه التحديد؟ وبذلك تتأكد مقولة أرسطو أن «هدف الحرب هو تحقيق السلام»، وهو مطلب جميع شعوب المنطقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تصعيد التوتر قبل التوجه نحو الحل تصعيد التوتر قبل التوجه نحو الحل



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon