بقلم -د. محمد علي السقاف
مشاورات واتصالات وحراك دبلوماسي مكثف شهدتها السعودية في كل من الرياض وجدة؛ إذ يطرح التساؤل: هل هذا مجرد حراك معتاد أو الهدف من هذه التحركات مرتبط بشكل أو آخر بعناوين رئيسية... «رؤية 2030»، «أوبك بلس» وعلاقة أطرافها الرئيسية في علاقاتهم مع الأطراف الدولية الأخرى المستهلكة للنفط كأحد تداعيات الأزمة الأوكرانية، ومرتبط بمسار تطبيع وعودة العلاقات السعودية - الإيرانية، على أثر توقيع اتفاق بكين بوساطة صينية؟ فما هي تداعيات ذلك الاتفاق على الأزمة اليمنية؟
باستعراض تسلسل أحداث اللقاءات والاجتماعات وأطرافها سيتبين مدى محورية الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية في تحريك العلاقات الإقليمية والدولية.
انطلاقاً من ذلك سنبدأ بموعد انعقاد القمة العربية العادية في دورتها الثانية والثلاثين في جدة في يوم الجمعة 19 مايو (أيار) الماضي، والتي شهدت حدثين استثنائيين، أولهما عودة سوريا إلى الجامعة بعد غياب 12 عاماً برئاسة الرئيس السوري بشار الأسد وفد بلاده في اجتماعات القمة؛ إذ أثمرت الجهود السعودية عودة سوريا إلى الجامعة، وهذا مثّل بحد ذاته نجاحاً متميزاً لتلك الجهود، وحدثاً تاريخياً في هذه المرحلة من العلاقات العربية - العربية. إضافة إلى ذلك حرص السعودية خلال رئاستها القمة العربية على تبني عدة مبادرات تنموية واقتصادية واجتماعية مستدامة، والتي وفق تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان هي في الأصل مستوحاة من «رؤية 2030»، وستركز على توفير سلاسل الإمداد للسلع الغذائية الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي.
والمفاجأة الثانية التي تزامنت مع القمة العربية الـ32، استقبال الأمير محمد بن سلمان، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي قدم إلى جدة في زيارة أولى له إلى السعودية، أكد فيها حرص السعودية ودعمها لجميع الجهود الدولية الرامية لحل الأزمة الأوكرانية - الروسية سياسياً، ومواصلتها جهودها للإسهام في تخفيف الآثار الإنسانية الناجمة عنها. ومن جهته، نوّه الرئيس الأوكراني بأن زيارته تهدف «لتعزيز العلاقات الثنائية، وعلاقات أوكرانيا مع العالم العربي»، وحل أيضاً «ضيفاً» على اجتماع القمة العربية التي ألقى فيها كلمة أمام القادة العرب حول الأزمة الأوكرانية وتداعياتها.
في غضون ثلاثة أيام فقط شهدت السعودية تسلسل أحداث مهمة تبرز مكانتها الإقليمية والدولية ودور قيادتها برئاسة ولي العهد في هذه الأنشطة المكثفة للسياسة والدبلوماسية السعودية، وذلك على المستويين الجيوسياسي والجيواستراتيجي.
الأول وصول أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي إلى السعودية في زيارة مدتها ثلاثة أيام من 6-6 حتى 8-6 الحالي، التقى خلالها يوم الأربعاء 7 يونيو (حزيران) في جدة ولي العهد، وفي اليوم التالي التقى وزير الخارجية السعودي، وشدد بلينكن من خلال تصريحات صحافية على «الشراكة» مع المملكة العربية السعودية، واصفاً العلاقات بين البلدين بأنها «استراتيجية»، مؤكداً أن «واشنطن لن تغادر الشرق الأوسط». واللافت للنظر في نفس اليوم الذي التقى فيه ولي العهد وزير الخارجية الأميركي، أن تلقى الأمير محمد بن سلمان اتصالاً هاتفياً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحثا خلاله العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطوير التعاون في مختلف المجالات.
كما تلقى ولي العهد اتصالاً آخر في اليوم ذاته من قبل ناريندا مودي رئيس وزراء الهند استعرض خلاله الجانبان العلاقات المتميزة ضمن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين والتعاون المشترك القائم في مختلف المجالات وسبل تعزيزه وفرص تطويره.
والمدهش في الأمر أن ولي العهد السعودي في يوم وصول الوزير بلينكن استقبل في جدة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وكما هو معروف أن فنزويلا مثل المملكة العربية السعودية من الدول المؤسسة لمنظمة الـ«أوبك». وحسب متابعتي هي الزيارة الثانية للقيادي الفنزويلي للسعودية، وعلاقتها بالولايات المتحدة شابها التوتر الشديد، ووصل الأمر إلى ما قيل إن الولايات المتحدة قامت بدعم أحد قياديي المعارضة ضد الرئيس مادورو! فهل توقيت الزيارة مع قدوم بلينكن والمكالمة الهاتفية من الرئيس بوتين مع ولي العهد ذات رسالة أيضاً موجهة للولايات المتحدة حول تماسك مواقف الدول الأعضاء في «أوبك» مع بقية الأعضاء في «أوبك بلس»، وفي مقدمتهم روسيا الاتحادية؟
والتساؤل الآخر يتعلق بالطبع باللقاء الموسع الذي جمع بلينكن في الرياض، مقر مجلس التعاون الخليجي، بدوله الأعضاء، ناهيك عن الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة «داعش» الذي انعقد أيضاً في الرياض وحضره وزير الخارجية الأميركي.
ماذا تعني كل تلك اللقاءات والرسائل التي تكون فيها المملكة جامعة لأطراف إقليمية ودولية مختلفة إن لم تكن متصارعة؟ وللحديث بقية.