توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العرب وأفريقيا السمراء والمشهد الدولي

  مصر اليوم -

العرب وأفريقيا السمراء والمشهد الدولي

بقلم -د. محمد علي السقاف

لا شك تابع العالم من دون أن يصاب بالدهشة أخبار الانقلاب العسكري الذي جري في النيجر، 26 يوليو (تموز) الماضي، الذي أطاح الرئيس الشرعي المنتخب محمد بازوم، وعدَّ البعض ذلك أمراً طبيعياً لا يستدعي الاستغراب، لأن العالم تعود على الانقلابات التي تحدث بشكل دوري في أفريقيا، وما جرى في النيجر ليس جديداً. وقد يبدو توقيت الانقلاب مثيراً للتساؤل، لأنه حدث أثناء انعقاد القمة الثانية الروسية - الأفريقية في مدينة سانت بطرسبرغ في أواخر يوليو الماضي. وعلى هامش القمة، سربت صورة بريغوجين قائد مجموعة «فاغنر»، وهو يلتقي أحد الأفارقة الذين شاركوا في القمة، وأصدرت مجموعته تأييدها للانقلاب، وقالت في رسالة منسوبة لقائدها إن «الأحداث في النيجر كانت جزءاً من حرب الأمة ضد المستعمرين»، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.

هل يمكن عدّ انقلاب النيجر مؤشراً على تراجع النفوذ الغربي في القارة السمراء لصالح صعود النفوذ الصيني والروسي؟ وهل هو تراجع أم هزيمة كبرى منيت بها فرنسا؛ الدولة التي أغلب دول الساحل الأفريقي كانت تشكل جزءاً من مستعمراتها.

وكيف يمكن تفسير هذا الموقف إزاء فرنسا؟ وماذا عن علاقة أفريقيا السمراء بالولايات المتحدة الأميركية، لماذا تقف شعوب تلك القارة موقفاً عدائياً إزاء الغرب بصفة عامة؟ وما طبيعة الاختلاف بين موقف الأفارقة نحو روسيا والصين؟ هل العناصر الخارجية وحدها تفسر حدوث الانقلابات في أفريقياً أم الداخل الأفريقي نفسه يتحمل المسؤولية الكبرى لتلك الظاهرة أكثر من العوامل الخارجية؟

هل ظاهرة الانقلابات محصورة في القارة الأفريقية، بالتحديد في أفريقيا السمراء، وبدرجة أقل تكراراً في شمال أفريقيا العربية، ولماذا هذا الاختلاف بينهما؟ ألم تشهد أيضاً دول أميركا اللاتينية والوسطى في الماضي عدة انقلابات، ثم تراجعت أعدادها، وما هي أسباب انخفاض عددها بعد ذلك؟ من الواضح أنه من الصعوبة الإجابة في مقال عن جميع تلك التساؤلات التي أثرناها. كما نرى أنه من المهم بمكان أن نتناول أحداث الانقلابات العسكرية في أفريقيا، وإلقاء نظرة سريعة على النصوص القانونية التي تتناول موضوع الانقلابات، وكذلك عناوين بعض الكتب لخبراء الشأن الأفريقي لدول تلك المنطقة.

من المثير فعلاً أن المنظمات الإقليمية الأفريقية (منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقي) حظرت دساتيرها وأنظمتها الأساسية الاعتراف بالانقلابات ضد الأنظمة القائمة كإحدى أدوات الوصول إلى السلطة، في حين أنها بواقع الحال أكثر دول العالم في تلك المنطقة التي تحدث فيها الانقلابات، وبشكل دوري ومستمر، في مقابل أنه بالإطار العربي الأفريقي نفسه لا يوجد في ميثاق جامعة الدول العربية نص مشابه يدين الانقلابات أداة للوصول إلى السلطة. ومع أن بعض دول الجامعة العربية شهدت انقلابات أيضاً، لكن أعدادها أقل بكثير من دول أفريقيا السمراء. وفي منظمة الدول الأميركية هناك نص يحظر الاعتراف بالانقلابات، وكما أشرنا سابقاً جرت انقلابات عدة في فترة الحرب الباردة، لكن بنهايتها تناقصت أعدادها كثيراً، ما يعيد طرح السؤال ذاته لماذا لم يحدث ذلك في أفريقيا السمراء، خصوصاً في منطقة الساحل الأفريقي. هل يعود سبب ذلك إلى طبيعة الاستعمار الفرنسي ذاته، أم بسبب عدم إيلاء زعماء فرنسا ما بعد الجنرال ديغول الاهتمام الكافي لتنمية اقتصاديات مستعمراتها السابقة، وتركت الشركات الكبرى تعبث وتنهب ثروات شعوب تلك البلدان؟ أم أن هناك أسباباً أخرى تخص الداخل الأفريقي نفسه أكثر من دور العناصر الخارجية؟

أتذكر في مرحلة الدراسة في باريس صدور كتاب المهندس الزراعي رونيه ديمون عام 1962، بعنوان «أفريقيا السمراء انطلقت انطلاقة خاطئة»! وعقب عليه آخرون بالقول: المهم أنها انطلقت ولا يهم إلى أين اتجهت؟

ولعل أحد الكتب المهمة التي تحاكي وتفسر أوضاع أفريقيا السمراء في أزمتها الراهنة، الذي صدر باللغة الفرنسية في عام 2003 وكتبه صحافي أميركي اسمه ستيفان سميث، بعنوان «Négrologie» (الزنجية) «لماذا تحتضر أفريقيا؟».

أثار الكتاب ضجة إعلامية كبرى بين مؤيد لأطروحاته ومعارض لها بشدة، لدرجة أن «اللوموند دبلوماتيك» الشهرية وصفته بأن له مسحة عنصرية، من قبل مراسل صحيفة «اللوموند اليومية» في أفريقيا. النقاط الأساسية التي تناولها الكتاب تؤكد أن مسؤولية الدول الغربية فيما آلت إليه أوضاع أفريقيا مبالغ فيها! أفريقيا هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن أوضاعها بسبب الحروب والفساد المستشري فيها، والقبلية، والفوضى. فأفريقيا تحتضر «بانتحار ذاتي مدعوم». وفي خلاصة نهاية الكتاب يعترف أن تشريحه القاسي لأوضاع أفريقيا ليس موجهاً بشكل مباشر إلى الأفريقيين الذين يناضلون للخروج من أوضاعهم البائسة، وإنما يعود إلى أصدقائهم الغربيين الذين ينظرون إلى أفريقيا «محمية طبيعية» سكانها أصيبوا بصمت مطلق منذ أمد بعيد!

والسؤال هنا كيف يمكن للعرب والدول العربية عامة إعادة مد الجسور نحو أفريقيا السمراء سياسياً ودبلوماسياً، كما شهدت مرحلة الكفاح من أجل الاستقلال، واقتصادياً ومالياً، بإعادة تفعيل وتوسيع دعم آليات صناديق وبنوك التنمية التي تشكلت بعد الطفرة النفطية لعام 1974.

إنها فرصة يجب التقاطها في هذه المرحلة لتأسيس علاقات جديدة بين دول الجنوب كطريق ثالث متاح ومفتوح لدول العالم الثالث بين الغرب والشرق، فهل هذا ممكن؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العرب وأفريقيا السمراء والمشهد الدولي العرب وأفريقيا السمراء والمشهد الدولي



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon