توقيت القاهرة المحلي 18:49:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فرنسا والصفعات الأفريقية المتتالية لماذا؟

  مصر اليوم -

فرنسا والصفعات الأفريقية المتتالية لماذا

بقلم - محمد علي السقاف

بعد صدمة ومفاجأة انقلاب النيجر في 26 يوليو (تموز) الماضي ها هي بعد نحو شهر تقريباً تتم الإطاحة برئيس الغابون في 30 أغسطس (آب) الماضي، ناهيك من الانقلابات العسكرية السابقة في مالي (2020 - 2021) وفي بوركينا فاسو في 2022. لماذا جميع هذه الانقلابات في المستعمرات الفرنسية السابقة، وما هي أسباب العداء لفرنسا التي دفعت بعض النخب العسكرية والتي في معظمها مثل قيادات الانقلاب في النيجر تخرجوا في الكليات العسكرية الفرنسية؟ هل أحد أسباب الصفعات التي وجهت لفرنسا المستعمر القديم يعود إلى سوء إدارة وتعامل السلطة الفرنسية الحالية أم أن جذور ذلك يمتد منذ فترة الاستقلال من فرنسا؟ ما هو موقف دول الاتحاد الأوروبي مما يحدث لفرنسا وما موقف الولايات المتحدة في المعسكر الغربي؟ والسؤال المطروح أيضاً: لماذا ما يحدث لفرنسا في علاقاتها بمستعمراتها السابقة لم تشهده بريطانيا في علاقاتها مع مستعمراتها الأكثر انتشاراً من فرنسا ووصفت بـ«الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس»؟

               

 

الإجابة عن التساؤل الأخير جاءت في كتاب موريس فايس البروفسور في العلوم السياسية بعنوان «القوة أم النفوذ؟ فرنسا في العالم منذ عام 1958». يقول الكاتب إن جميع الدول الأوروبية تخلت عن أفريقيا ما عدا فرنسا، فبريطانيا على سبيل المثال لم تتدخل في شيء وحتى في مستعمراتها السابقة باستثناء ما حدث في الحرب الأهلية في سيراليون في ربيع عام 2000، ولا توجد قواعد عسكرية لديها في مستعمراتها السابقة.

أفردت صحيفة «اللوموند» الفرنسية تقريراً مثيراً حول عائلة بونغو التي حكمت الغابون لأكثر من نصف قرن. فعمر بونغو الذي قضى 41 سنة في الحكم أظهر التقرير أن وصوله إلى السلطة تم بفضل فرنسا والذي من جانبه لم «يقصر» في إغداق السياسيين الفرنسيين بالإكراميات وكذلك الأحزاب الفرنسية وفي تمويل الحملات الانتخابية لبعض القيادات الفرنسية! ونوه تقرير «اللوموند» إلى أن الرئيس علي بونغو منذ مغادرة الرئيس الفرنسي ساركوزي لم يعد له الثقل نفسه والحضور ذاته اللذان كان يتمتع بهما في باريس سابقاً.

والضحية من دفع كل تلك الرشاوى هو الشعب الغابوني الذي حرم الاستفادة من ثروات بلاده التي بددها عمر بونغو ومن بعده ابنه الرئيس علي، إضافة إلى غياب تبني المشاريع التنموية من قبل الحكومة الفرنسية ومن قبل شركاتها المتهمة بنهب ثروات البلاد وتوزيع الرشاوى مثل شركة النفط الفرنسية «Total - Elf» وشركة أراميت لاستغلال معدن المنغنيز الذي تعتبر الغابون من أكبر الموردين له في العالم، علماً بأن الغابون دولة نفطية عضو في الأوبك. كما أن مساحتها صغيرة وعدد سكانها قليل، وكان بإمكانها أن تتمتع بمستوى معيشي أفضل من دول أخرى في القارة السوداء. وبسبب قضايا الفساد التي رفعت ضد أسرة بونغو في عام 2007 في المحاكم الفرنسية بتهم حصولها على رشاوى من شركات النفط واستيلائها على مبالغ من الأموال العامة لمصالح الأسرة الحاكمة، ما أثار ذلك استياء الرئيس الراحل عمر بونغو إذ عندما تفاقم مرضه فضّل أن تتم معالجته في برشلونة بدلاً من باريس، وكذلك عند إصابة الرئيس علي بونغو بجلطة وشلل في عام 2018 فضل بدوره أن يتم علاجه في لندن، ونكاية بفرنسا انضم إلى عضوية الكومنولث في يونيو (حزيران) 2022، وخاطب عبر الفيديو عند الانقلاب عليه باللغة الإنجليزية لطلب المساعدة بدلاً من تحدثه بالفرنسية!

ومن المفارقات بين تعامل السلطات الفرنسية مع انقلاب العسكر على الرئيس المنتخب في النيجر محمد بازوم أنها أبدت استعدادها دعم الإيكواس في التدخل العسكري، بينما اختلف رد فعلها مع انقلاب الغابون. وتفسير هذا الاختلاف يعود إلى تمسكها بالشرعية الدستورية، وانطلاقاً من ذلك رفضت الخضوع لمطالب الانقلابيين برحيل القوات الفرنسية عن البلاد وطلب سحب السفير الفرنسي من النيجر. ومن الواضح أن فرنسا باتت بمواقفها تلك تخدم من دون قصد أهداف الانقلابيين بإظهارهم أمام شعوبهم بأن فرنسا الاستعمارية لم تتغير وأن الاستقلال الذي حظيت به كان شكلياً. في انقلاب الغابون لم تعلق فرنسا تعاونها في المجال العسكري ولم تقطع مساعداتها التنموية، واكتفت في بيانها التأكيد على تمسكها بالانتخابات الحرة والشفافة. وذهب وزير الدفاع الفرنسي بالقول صراحة، حسب تعبيره، بأن هناك شكوكاً حول نزاهة الانتخابات، وهذا صحيح ولكن هذه الصحوة المتأخرة غابت في قول ذلك في جميع الاستحقاقات الانتخابية السابقة التي جعلت الأب والابن يحكمان الغابون لمدة أكثر من نصف قرن! إن مسألة التمسك بالشرعية الدستورية وحقوق الإنسان كلمات حق يراد بها باطل وفق مصالح الغرب. فالولايات المتحدة بدفاعها عن الشرعية الدستورية لرئيس النيجر تناست ما قامت به في تشيلي بدعم الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب سيلفادور أليندي في عام 1973.

إحدى إشكاليات القيادة الفرنسية منذ الجنرال ديغول حتى الرئيس الحالي ماكرون الإدلاء ببعض الكلمات التي قد تفسر بأنها عنصرية. في الكتاب الذي أشرنا إليه سابقاً نسبت عبارة إلى الجنرال ديغول يوبخ فيها جاك فوكار مسؤول الشؤون الأفريقية قوله له بغضب: «سيبنا من قصص هؤلاء الزنوج!»، وفي خطاب ماكرون الأخير أمام سفراء فرنسا بمناسبة مؤتمرهم السنوي قال: «نحن نعيش وسط مجانين».

وفي حقيقة الأمر، باستثناء تلك الكلمات يتفق كثير من الكتاب على الدور الكبير الذي لعبه الجنرال ديغول وتميز به عن غيره من رؤساء فرنسا باهتمامه الدائم والمنقطع النظير بأفريقيا بصفة خاصة وبالعالم الثالث بصفة عامة. إذ فقدت فرنسا بعدها مكانتها الفريدة بين الدول الغربية عند تخلي بعض قادتها عن استقلاليتهم عن الولايات المتحدة أسوة ببعض القادة الأوروبيين وأصبحت أفريقيا وفرنسا ذاتهما تحصدان نتائج تلك السياسات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا والصفعات الأفريقية المتتالية لماذا فرنسا والصفعات الأفريقية المتتالية لماذا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر وإيران تبحثان تطورات الأوضاع في لبنان وغزة
  مصر اليوم - مصر وإيران تبحثان تطورات الأوضاع في لبنان وغزة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon