توقيت القاهرة المحلي 05:45:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فرنسا والصفعات الأفريقية المتتالية لماذا؟

  مصر اليوم -

فرنسا والصفعات الأفريقية المتتالية لماذا

بقلم - محمد علي السقاف

بعد صدمة ومفاجأة انقلاب النيجر في 26 يوليو (تموز) الماضي ها هي بعد نحو شهر تقريباً تتم الإطاحة برئيس الغابون في 30 أغسطس (آب) الماضي، ناهيك من الانقلابات العسكرية السابقة في مالي (2020 - 2021) وفي بوركينا فاسو في 2022. لماذا جميع هذه الانقلابات في المستعمرات الفرنسية السابقة، وما هي أسباب العداء لفرنسا التي دفعت بعض النخب العسكرية والتي في معظمها مثل قيادات الانقلاب في النيجر تخرجوا في الكليات العسكرية الفرنسية؟ هل أحد أسباب الصفعات التي وجهت لفرنسا المستعمر القديم يعود إلى سوء إدارة وتعامل السلطة الفرنسية الحالية أم أن جذور ذلك يمتد منذ فترة الاستقلال من فرنسا؟ ما هو موقف دول الاتحاد الأوروبي مما يحدث لفرنسا وما موقف الولايات المتحدة في المعسكر الغربي؟ والسؤال المطروح أيضاً: لماذا ما يحدث لفرنسا في علاقاتها بمستعمراتها السابقة لم تشهده بريطانيا في علاقاتها مع مستعمراتها الأكثر انتشاراً من فرنسا ووصفت بـ«الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس»؟

               

 

الإجابة عن التساؤل الأخير جاءت في كتاب موريس فايس البروفسور في العلوم السياسية بعنوان «القوة أم النفوذ؟ فرنسا في العالم منذ عام 1958». يقول الكاتب إن جميع الدول الأوروبية تخلت عن أفريقيا ما عدا فرنسا، فبريطانيا على سبيل المثال لم تتدخل في شيء وحتى في مستعمراتها السابقة باستثناء ما حدث في الحرب الأهلية في سيراليون في ربيع عام 2000، ولا توجد قواعد عسكرية لديها في مستعمراتها السابقة.

أفردت صحيفة «اللوموند» الفرنسية تقريراً مثيراً حول عائلة بونغو التي حكمت الغابون لأكثر من نصف قرن. فعمر بونغو الذي قضى 41 سنة في الحكم أظهر التقرير أن وصوله إلى السلطة تم بفضل فرنسا والذي من جانبه لم «يقصر» في إغداق السياسيين الفرنسيين بالإكراميات وكذلك الأحزاب الفرنسية وفي تمويل الحملات الانتخابية لبعض القيادات الفرنسية! ونوه تقرير «اللوموند» إلى أن الرئيس علي بونغو منذ مغادرة الرئيس الفرنسي ساركوزي لم يعد له الثقل نفسه والحضور ذاته اللذان كان يتمتع بهما في باريس سابقاً.

والضحية من دفع كل تلك الرشاوى هو الشعب الغابوني الذي حرم الاستفادة من ثروات بلاده التي بددها عمر بونغو ومن بعده ابنه الرئيس علي، إضافة إلى غياب تبني المشاريع التنموية من قبل الحكومة الفرنسية ومن قبل شركاتها المتهمة بنهب ثروات البلاد وتوزيع الرشاوى مثل شركة النفط الفرنسية «Total - Elf» وشركة أراميت لاستغلال معدن المنغنيز الذي تعتبر الغابون من أكبر الموردين له في العالم، علماً بأن الغابون دولة نفطية عضو في الأوبك. كما أن مساحتها صغيرة وعدد سكانها قليل، وكان بإمكانها أن تتمتع بمستوى معيشي أفضل من دول أخرى في القارة السوداء. وبسبب قضايا الفساد التي رفعت ضد أسرة بونغو في عام 2007 في المحاكم الفرنسية بتهم حصولها على رشاوى من شركات النفط واستيلائها على مبالغ من الأموال العامة لمصالح الأسرة الحاكمة، ما أثار ذلك استياء الرئيس الراحل عمر بونغو إذ عندما تفاقم مرضه فضّل أن تتم معالجته في برشلونة بدلاً من باريس، وكذلك عند إصابة الرئيس علي بونغو بجلطة وشلل في عام 2018 فضل بدوره أن يتم علاجه في لندن، ونكاية بفرنسا انضم إلى عضوية الكومنولث في يونيو (حزيران) 2022، وخاطب عبر الفيديو عند الانقلاب عليه باللغة الإنجليزية لطلب المساعدة بدلاً من تحدثه بالفرنسية!

ومن المفارقات بين تعامل السلطات الفرنسية مع انقلاب العسكر على الرئيس المنتخب في النيجر محمد بازوم أنها أبدت استعدادها دعم الإيكواس في التدخل العسكري، بينما اختلف رد فعلها مع انقلاب الغابون. وتفسير هذا الاختلاف يعود إلى تمسكها بالشرعية الدستورية، وانطلاقاً من ذلك رفضت الخضوع لمطالب الانقلابيين برحيل القوات الفرنسية عن البلاد وطلب سحب السفير الفرنسي من النيجر. ومن الواضح أن فرنسا باتت بمواقفها تلك تخدم من دون قصد أهداف الانقلابيين بإظهارهم أمام شعوبهم بأن فرنسا الاستعمارية لم تتغير وأن الاستقلال الذي حظيت به كان شكلياً. في انقلاب الغابون لم تعلق فرنسا تعاونها في المجال العسكري ولم تقطع مساعداتها التنموية، واكتفت في بيانها التأكيد على تمسكها بالانتخابات الحرة والشفافة. وذهب وزير الدفاع الفرنسي بالقول صراحة، حسب تعبيره، بأن هناك شكوكاً حول نزاهة الانتخابات، وهذا صحيح ولكن هذه الصحوة المتأخرة غابت في قول ذلك في جميع الاستحقاقات الانتخابية السابقة التي جعلت الأب والابن يحكمان الغابون لمدة أكثر من نصف قرن! إن مسألة التمسك بالشرعية الدستورية وحقوق الإنسان كلمات حق يراد بها باطل وفق مصالح الغرب. فالولايات المتحدة بدفاعها عن الشرعية الدستورية لرئيس النيجر تناست ما قامت به في تشيلي بدعم الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب سيلفادور أليندي في عام 1973.

إحدى إشكاليات القيادة الفرنسية منذ الجنرال ديغول حتى الرئيس الحالي ماكرون الإدلاء ببعض الكلمات التي قد تفسر بأنها عنصرية. في الكتاب الذي أشرنا إليه سابقاً نسبت عبارة إلى الجنرال ديغول يوبخ فيها جاك فوكار مسؤول الشؤون الأفريقية قوله له بغضب: «سيبنا من قصص هؤلاء الزنوج!»، وفي خطاب ماكرون الأخير أمام سفراء فرنسا بمناسبة مؤتمرهم السنوي قال: «نحن نعيش وسط مجانين».

وفي حقيقة الأمر، باستثناء تلك الكلمات يتفق كثير من الكتاب على الدور الكبير الذي لعبه الجنرال ديغول وتميز به عن غيره من رؤساء فرنسا باهتمامه الدائم والمنقطع النظير بأفريقيا بصفة خاصة وبالعالم الثالث بصفة عامة. إذ فقدت فرنسا بعدها مكانتها الفريدة بين الدول الغربية عند تخلي بعض قادتها عن استقلاليتهم عن الولايات المتحدة أسوة ببعض القادة الأوروبيين وأصبحت أفريقيا وفرنسا ذاتهما تحصدان نتائج تلك السياسات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا والصفعات الأفريقية المتتالية لماذا فرنسا والصفعات الأفريقية المتتالية لماذا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon